أنهيت مقالى المنشور أول أمس بعنوان ( دروس مستفادة من حادثى الهرم والكنيسة البطرسية ) بمطالبة كافة الأجهزة المعنية فى الدولة وفى مقدمتها مؤسسة الرئاسة بالإلتفات إلى خطورة الأوضاع الإقتصادية المتردية للغالبية العظمى من المواطنين فى مصر والتى إزدادت حياتهم المعيشية بؤساً وشقاءاً بسبب الزيادات الجنونية الأخيرة فى أسعار كافة السلع وكذلك سوء الخدمات المقدمة لهم خاصة فى المستشفيات والمدارس الحكومية .. الخ , وأكدت أن هذه الأوضاع قد تكون ستاراً لنجاح الجماعات الإرهابية والمتطرفة فى ضم أو بمعنى أدق تجنيد أعداد ليست بالقليلة من الفقراء والمطحونين واستغلالهم فى تصفية الحسابات الشخصية والسياسية بين تلك الجماعات المتطرفة وبين النظام الحالى فى مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى . وتأكيداً لهذا الكلام , أشير إلى الدراسة الصادرة عن مجموعة البنك الدولي بعنوان "الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لمنع التطرف في الشرق الأوسط"، والتى ترد على مجموعة من التصورات المغلوطة في وسائل الإعلام ومنها أن مقاتلي داعش نتاج للأمية وغياب التعليم في شرائح سكانية في المنطقة . وكشفت الدراسة "أنه من بين أهم العوامل التي تقود الأفراد إلى مغادرة بلدانهم والانضمام إلى الجماعات الإرهابية هو عدم إدماجهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا في بلدانهم الأصلية" , وتوصلت إلى أن هناك حالة من التدهور الاقتصادي تشهدها دول المنطقة، وفى مقدمتها مصر, حيث كشفت عن تضرر الدول المستوردة للنفط في المنطقة من الهجمات الإرهابية، والآثار غير المباشرة للصراعات في المنطقة، وانخفاض التدفقات المالية القادمة من الخارج، ومن المتوقع أن يظل العجز المالي والخارجي مرتفعًا في تلك الدول؛ حيث تواجه مصر وبعض دول المنطقة عوائد سياحة وتحويلات وتدفقات مالية منخفضة مع تشديد السياسة المالية والنقدية التي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض معدلات النمو وارتفاع التضخم في نهاية هذا العام. وتوصلت الدراسة إلى أن العوامل الأكثر ارتباطًا بانضمام الأفراد الأجانب إلى داعش ( التى أعلنت مسئوليتها عن حادث تفجير الكنيسة البطرسية ) هو عدم إدماجهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا في بلادهم الأصلية، وبالتالي فإن تعزيز مستوى الإدماج لا يخفض فحسب مستوى التطرف العنيف ولكنه يحسن الأداء الاقتصادي في المنطقة. ووفقًا لهذا فإن المدخل الأنسب لتحليل ظاهرة التطرف العنيف هو المدخل الاقتصادي الذي يفترض أن هناك عرضًا وطلبًا على المتطرفين العنيفين، ويقرر الفرد أن ينضم إلى الجماعة الإرهابية بعد أن يقوم بالموازنة بين التكلفة والعائد، وعادةً لا تكون التكلفة ماليةً فحسب بل قد تشمل تحمل تكلفة من الناحية الأسرية. كما تم الكشف أن تونس والمغرب وتركيا ومصر من أكثر الدول التي تُصدِّر المجندين الأجانب إلى داعش في سوريا والعراق، ومن بين الدول الأولى ذات الأغلبية غير المسلمة تأتي روسيا وفرنسا وألمانيا . كما توصلت الدراسة إلى مجموعة من الخصائص التي تربط بين المقاتلين الأجانب: 1- انخفاض الفئة العمرية: نجد أن متوسط عمر الفرد المجند هو 27.4، وأصغر مجند من ليبيا عمره 23.7، بينما أكبرهم سنًّا من إندونيسيا 33.5، وهو ما يتضح منه أن داعش يركز على استقطاب الأصغر سنًّا. 2- ارتفاع المستوى التعليمي: وفيما يتعلق بمستوى التعليم الرسمي للمجندين، يتضح أن 43.3% من المجندين تلقوا تعليمًا ثانويًّا، فيما تلقى 25.4% فقط تعليمًا جامعيًّا، وترك ما يعادل 15% منهم التعليم قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية، فيما لم يتلقَّ 2% من العينة أي تعليم. وفى النهاية أقول : علينا جميعا أن ننتبه إلى خطورة استمرار تردى الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للغالبية العظمى من المصريين , وعلى الرغم من تأكيدنا أنه ليس كل الفقراء والمطحونين على استعداد للإنضمام لهذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة , إلا أننا يجب أن نأخذ حذرنا خاصة فى ظل ضعف الوازع والثقافة الدينية علاوة على امتلاك قيادات وأعضاء تلك الجماعات لأساليب اقناع لا تعد ولا تحصى , ويستغلون نقاط ضعف ونقص تلك الفئات المهمشة لتجنيدهم واستغلالهم فى القيام بعمليات ارهابية تستهدف تدمير مصر ؟ . فهل نفيق من غفوتنا قبل فوات الأوان أم ننتظر وقوع كوارث وحوادث دامية آخرى حتى نأخذ خطوات جادة فى هذا الشأن ؟!!! .