وصف الباحث الأمريكي إريك تريجر، المتهمين في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لمنظمات المجتمع المدني بأنهم ليسوا سوى قطع شطرنج بيد الأطراف المتنافسة في صراع السلطة الذي وصفه ب "المرير" حول مستقبل مصر، في محاولة للعب على المشاعر المعادية للأمريكيين لتعزيز قوتها على الساحة السياسية المصرية. واعتبر في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الحملة التي شنتها السلطات المصرية ضد مقار المنظمات المتهمة بالحصول على تمويل أجنبي غير مشروع وإحالة 43 من العاملين فيها للمحاكمة لم تستهدف هؤلاء بالأساس، وأن المصالح الأمريكية الأساسية في مصر لم تتغير "التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، ومناهضة العنف والتطرف، وتحقيق التعددية الحزبية، الحفاظ على حقوق الأقليات". وقال الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إنه ينبغي على الأمريكيين ألا يندهشوا من القرار المصري الذي سمح للأمريكيين المتهمين بمغادرة مصر بعد أن تم رفع أسمائهم من على قوائم الممنوعين من السفر. ودعا تريجر واشنطن إلى السعي لتطوير إستراتيجيتها لإقناع مختلف القوي السياسية في مصر للتعاون في تحقيق المصالح الأمريكية في مصر التي لم تغير أزمة قضية التمويل الأجنبي فيها شيء، بدلاً من السماح للجهود الأمريكية لأن تصبح "كرات سياسية" تحركها الأطراف المتنافسة في مصر كيفما تشاء. وأوضح أن فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي التي قادت الحملة ضد المنظمات غير المرخصة في مصر حاولت منذ عام 2004 وضع قيود علي تمويل لتلك المنظمات عبر التأكيد علي أن وزارتها هي القناة الشرعية الوحيدة لتدفقها. وأشار إلى أن المجلس العسكري رأى في حملة الوزيرة ضد تلك المنظمات فرصة لتشويه صورة النشطاء السياسيين الذين يعتبرهم مصدر تهديد لشرعيته، بأنهم محرضون يعملون وفقًا "لأجندات أجنبية"؛ لزعزعة أمن واستقرار البلاد. وذكر أن المجلس لم يكن على دارية بقرار النائب العام وضع أسماء العاملين بتلك المنظمات على قائمة الممنوعين من السفر حتى تم منع سام لحود مدير فرع المعهد الجمهوري بالقاهرة ونجل وزير النقل الأمريكي رآي لحود من السفر إلى قطر. ووضع الباحث الأمريكي، الحملة ضد المنظمات غير الحكومية في إطار محاولة من المجلس العسكري لتصوير نفسه بأنه المؤسسة الوحيدة القادرة على الدفاع عن المصريين ضد المؤامرات الخارجية التي تحاك ضدهم. فقد رأى أن الحملة حققت هدفها في إعطاء مصداقية للقصة التي اختلقها المجلس العسكري على حد قوله للدفاع عن نفسه ضد الاتهامات التي واجهتها له جماعة "الإخوان المسلمين" الذي يهيمن جناحها السياسي حزب "الحرية والعدالة" على أغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشورى بأنه المتسبب في غياب الأمن ومطالبته بالسيطرة الكاملة للمدنيين على الحكم مع نهاية يونيو المقبل؛ مما دفع العسكري لأن ينحني باللوم على "الأصابع الخارجية" التي تريد زعزعة أمن واستقرار البلاد. وقال إن ترويج المجلس العسكري لنفسه باعتباره الملاذ الوحيد الآمن للمصريين ضد المؤامرات قد وضع "الإخوان المسلمين" في مأزق؛ فهي من ناحية تعادي الأمريكيين ولا ترغب في الدفاع عن المتهمين منهم في قضية "التمويل الأجنبي"، ومن ناحية أخرى لم تكن سعيدة باستغلال "العسكري" لمحاكمة العاملين بتلك المنظمات من أجل "تلميع" صورته الداخلية. ونسب الباحث الأمريكي إلى الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب قوله، إن الجماعة مهتمة بقضية "التمويل الأجنبي" لكنه رفض الطريقة التي تمت بها المداهمات "كل شيء ينبغي أن يتم وفقاً للقانون"، وهو ما وصفه تريجر بأنه توازن في الخطاب السياسي انعكس في وقت لاحق على تصريحات الجماعة. وقال إن جماعة "الإخوان" حاولت استغلال تلك الأزمة لتحسين صورتها الدولية؛ فبمجرد أن بدأت الولاياتالمتحدة في رفض الحملة التي استهدفت تلك المنظمات، حولت الجماعة موقفها و"تقمصت دور المُصالح" مما دفع السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي زار مصر على رأس وفد من الكونجرس بالإشادة بالدور الذي لعبته الجماعة في رفع حظر السفر عن الأمريكيين. وتابع أنه بمجرد أن غادر العاملون بتلك المنظمات المجال الجوي المصري، غير الإخوان لهجتهم مُجددًا؛ إذ انتقدوا استسلام المجلس العسكري للضغط الأمريكي "المُذل"، وطالبوا بسحب الثقة من الحكومة، وفي الوقت نفسه اتهم النشطاء العلمانيون بقيادة الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية المجلس بالتدخل في عمل القضاء المصري، ولا يزال المتهمون في القضية كرة قدم في ساحة السياسة المصرية. وطالب تريجر في الختام الأمريكية بضرورة عقد اتفاق مع جميع القوي السياسية في مصر يقضي بوضع شروط بشأن المساعدات الاقتصادي؛ لتجنب الوقع في الفخ الذي جعلها "رهينة" مجددا، مشيرًا إلى حاجة مصر "الماسة" للمساعدات المالية؛ نظرًا لاقتصادها للذي قارب على الإفلاس في الوقت الذي تمتلك فيه واشنطن فيه نفوذًا فريدًا علي مصر لهيمنتها علي المؤسسات المالية الدولية، فضلاً عن أن كل طرف لا يريد أن يتحمل مسئولية إحباط تلك "الصفقة" في ظل حاجة مصر للمساعدات التي ستكتسبها عبر الشراكة مع واشنطن فبهذه الطريقة يمكن تحصين المصالح الأمريكية من أن تكون كرات قدم سياسية مصرية مرة أخرى.