لا يمر أسبوع إلا وتحدث عملية هجرة غير شرعية قادمة من إلاسكندرية ودمياط وعابرة من قريتي الجزيرة الخضراء برج مغيزل المطلتين على سواحل البحر المتوسط والتابعتين لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، ومنها إلى سواحل رشيد بمحافظة البحيرة، ومنها انطلاقا إلى دولة إيطاليا بقارة أوروبا، ومنذ فترة قام شباب القرية بالتفكير بعملية الهروب من جحيم الفقر، متحدين رحلة الموت عبر ظلمات البحر ومحاربة إلامواج على أمل النجاة والهجرة إلى أوروبا؛ من أجل حياة يحلمون بها، متحدين الموت الذي يمكن أن يجدوه عبر رحلتهم . ورغم هجرة الشباب دون الثمانية عشر عامًا من القريتين إلى أوروبا، إلا أن أحوال القريتين المعروفتين بقريتي الصيادين نظرا لتواجد أكثر من 800 مركب صيد ويمتهن تلك المهنة ما يقرب من 10 إلاف صياد يعملون فى مختلف البحار على مستوى العالم على أمل أن يجدوا ما يحلمون به بمهنة الصيد . ورغم هجرة الشباب من القريتين إلا أن أحوال القريتين لم تتغير، بل الأوضاع بها ازدادت فقرًا وجوعًا؛ نظرا لعدم وجود خدمات بها وعدم وجود وظائف غير مهنتى الصيد وحصد البلع من النخيل المنتشر بقرية الجزيرة الخضراء ، ورغم سفر الشباب إلا أن منازل القرية لم تتغير وتصبح قطعة من أوربا أو من ايطاليا ، مثل العديد من القرى التي تتحول إلى طراز الدول التي هاجر إليها الشباب، لا تجد منازل حديثة بعض الشيء شيئا نادرا باستثناء منازل الأغنياء وأصحاب المراكب الكبيرة ،وغالبية منازل القريتين بسيطة تعبر عن أصحابها . ومن اجل كشف معاناة أهالي قريتي هجرة الموت قامت جريدة المصريون بعمل تحقيق لمعرفة حقيقة الأوضاع . من هنا تبدأ رحلة الموت، برج مغيذل تتبع مركز مطوبس بمحافظة كفرالشيخ، اشتهرت بأنها «ميناء» الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، الصيد كان شهرتها، لكن مع تردى أوضاع الصيادين قرر الشباب هجر المهنة «اللى ما تأكلش عيش»، والهجرة إلى أحلام الثراء والغنى والعودة من بلاد الغرب بالمال والثروة، ولأن البعض صادفهم الحظ وعاد «منتصرا» غامر الكثيرون من أجل «ضربة حظ» جديدة.. لكن الأحلام تتحول دائما إلى كوابيس. عشرات الشباب يتعرضون شهريا للموت غرقا بعد أن سلموا أنفسهم لسماسرة الهجرة والنصب والموت، كثيرون ماتوا فعلا مخلفين حسرة مريرة فى قلب الوطن الذي يفقد أبناءه بسبب الفقر والبطالة، مع هذا صارت برج مغيزل منطلقا لكل الراغبين فى العبور إلى ما وراء البحر المتوسط، خاصة إلى إيطاليا واليونان. الطبيعة الجغرافية لبرج مغيزل ساهمت فى أن تكون من أشهر محطات الهجرة غير الشرعية فهى تقع فى نقطة متقدمة على البحر المتوسط وعلى لسان مدبب فى البحر، وتبعد عن رشيد 150 كيلومترًا، كما أن لها منفذا على نهر النيل ييسر على أهالى الدلتا الوصول إليها من دون إثارة ريبة أو تتبع لحركة السماسرة والمهاجرين. جغرافية المحافظة وطبيعة عملها ساهمت أيضا فى تنشيط تجارة الموت، حيث تمتد شواطئها بطول 118 كليو مترا على ساحل البحر المتوسط، إضافة إلى انتشار مراكب الصيد، التى تخرج فى رحلاتها بينما تتسل بينها مراكب الهجرة التى بلغ عددها نحو 700 مركب معظمها متهالك وغير مرخص.
وينتشر فى مركز مطوبس سماسرة الهجرة غير الشرعية الذين يتحركون بأسماء حركية حتى يصعب ملاحقتهم أمنيا، ويتخذون من المقاهى مقار لإدارة أعمالهم، ويتم إيواء الشباب الحالم بالثراء فى منازل خاصة بهم، لحين موعد سفرهم، الذى غالبا ما ينتهى بكارثة. برج مغيزل تعد من أشهر قرى الصيد فى الشرق الأوسط، ويعود تاريخها إلى عصر محمد على وكانت تابعة لعزبة الجزيرة الخضراء وفصلت عنها عام 1841 لكن ذاعت شهرتها فى فترة حكم المخلوع وبدء الثورة بعد أن زادت هجرات الموت إلى أوروبا. وقال أحمد نصار نقيب الصيادين بالقرية إن عدد سكان برج مغيزل يقدر بنحو 28 ألف نسمة حسب التعداد الرسمى، لكن هناك آلاف من الأطفال والشباب والشيوخ غير مسجلين فى دفاتر الدولة، وليس لهم بطاقات هوية، لذا فإن التعداد غير الرسمى قد تعدى 40 ألف نسمة. وأضاف نصار أن القرية تعانى من مشاكل عديدة، منها الفقر والبطالة وغياب المرافق والخدمات من كهرباء وصرف صحى ومياه نظيفة وشبكة اتصالات وسوء حالة الطرق والمواصلات، بخلاف أزمة الخبز، مشيرا إلى انه يصعب الوصول إلى القرية من مركز مطوبس لسوء حالة الطريق، لذا يعتمد أبناء القرية فى قضاء مصالحهم على مدينة رشيد، التى تقع على الجانب الآخر من نهر النيل لذا يستخدمون «معديات» معظمها متهالك، ويحشر فيها الركاب بأكثر من طاقة تحملها، لذا تتكرر حوادث الغرق فى قاع النهر. ويطالب نصار بإنشاء وزارة للثروة السمكية والمصايد، أسوة بدول عربية وأوروبية، لتراعى مشكلات الصيادين الذين يمثلون نحو13% من سكان مصر وينتشرون فى جميع المحافظات، ويمدون الأمن الغذائى بنحو 45% من احتياجات مصر. وقال على محمود صياد أن كثير من الشباب توفى ، ولقي مصرعه برحلة الموت غرقا في عرض البحر عبر رحلات الموت ، والتي كانت أخرها غرق مركب رشيد، مشيرًا إلى أن أهالي القريتين يعيشون في حزن شديد منذ غرق مركب رشيد نتيجة غرق ما يقرب من 28 شاب من أبناء القريتين . وأضاف أن الشباب الذي سافر إلى أوربا وعمل هناك لن يعود ولم يعد احد منهم ، كيف يعود بعدما كتب له النجاة من الفقر والجوع والجهل والوضع السيئ الذي كان سوف يعيش فيه فالقريتين بسبب الإهمال من الحكومة أصبحتا قطعة من الصومال وليس قطعة من أوربا ، بسبب طفح الصرف الصحي وانقطاع الكهرباء ومياه الشرب ملوثة وعدم وجود طرق وغيرها من عمليات الإهمال. وتابع:" لكن لم يحدث طفرة كما يتوقعها البعض بتحويل القرية إلى الطراز الإيطالي، يمكن أن يحدث ذلك مستقبلا بعدما يرتفع عدد شباب القرية المسافر ، فمازال العدد محدود فقط العشرات" . وكشف صياد، أن قوات حرس السواحل والأمن مستيقظة عن السابق وحركات وعمليات الهجرة متوقفة منذ غرق مركب رشيد، مشيرًا إلى أن السماسرة يستخدمون أسماء حركية، حتى لا يتم كشفهم أو الإبلاغ عنهم، مثل أبوعوف والمحارب والبحار والفانونس وأبومصعب. وأكد أن عدد الرحلات يبلغ العشرات سنويا، بعضها يتم من دون أن يتم الكشف عنها أو القبض على منظميها، وتتم معظم رحلات الهجرة غير الشرعية فى المناطق المهجورة، وليس أمام القرى، باستخدام مراكب متهالكة لذا فإنها، فى الغالب، تتعرض للغرق وتذهب أرواح الشباب بأحلامهم فى الثراء السريع، ويتفق السماسرة مع الشباب خارج المحافظة، غالبا عن طريق وسيط حتى لا يتم القبض عليهم، مشيرا إلى أن السماسرة ينجحون فى تسيير معظم رحلات الهجرة، رغم جهود الأمن فى إحباط عدد كبير منها. أما، حمودة فهمى شيخ الصيادين بالقرية، فأكد أن أبناء القرية طالبوا أكثر من مرة بعقد اجتماع أو مؤتمر مع المسئولين عن الخارجية والثروة السمكية ووزارة الزراعة والتعاون الدولى لمناقشة وبحث هموم ومشكلات الصيادين ودراسة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، لكن المسئولين «أذن من طين وأخرى من عجين ولم يستجب أى منهم لنداء أبناء القرية خاصة بعد ثورة 25 يناير». وشدد فهمى على ضرورة حماية المراكب والصيادين المصريين خلال رحلات الصيد فى مياه البحر المتوسط خاصة فى ظل المعاناة الشديدة لهذه المراكب من مطاردة حرس الحدود وقوات خفر السواحل الليبية والتونسية فى مياه البحر المتوسط، بصفة دائمة، والتحفظ على المراكب المصرية من قبل هذه القوات، مشيرًا إلى أن هذه الملاحقة لا تحدث من الدول الأوروبية، حيث تعمل المراكب المصرية بحرية شديدة داخل المياه الدولية. بينما يقول على محمود، صياد من أبناء القرية، «نعانى أشد المعاناة من نقص المرافق العامة والخدمات والتلوث وسوء حالة المستشفى ومياه الشرب والصرف الصحى، ونعيش فى عزلة تامة عن باقى المدن والقرى»، مضيفا «متى يتم حل مشكلات القرية، فنحن نرتبط أكثر بمدينة رشيد، من خلال المعديات، ولا نرتبط بمدينة مطوبس التابعين لها، ونطالب بسرعة إنشاء سوق أبوالروس وربط القرية بالطريق الدولى ومدينة مطوبس». شاهد الصور: