الرئاسة رفضت توصيات بإجراء إصلاحات تدريجية خوفًا من رد فعل الشارع انهيار القدرة الشرائية للجنيه.. ونار الوقود ستحرق الجميع.. وسياسيون يحذرون من الانفجار لم تمر ساعات على القرار المفاجئ للبنك المركزي المصري بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الرئيسية، ووصول سعر الدولار في بعض البنوك إلى أكثر من 16جنيهًا، حتى فاجأت الحكومة المصريين، وقبل حلول صباح الجمعة الماضية برفع أسعار الوقود ليكون سعر بنزين 80 أوكتين إلى 2.35 جنيه بدلاً من من 1.6 جنيه، وسعر البنزين 92 أوكتين إلى 3.5 جنيهات للتر بدلاً من 2.6 جنيه، وسعر السولار إلى 2.35 جنيه للتر بدلاً من 1.8 جنيه، وسعر غاز السيارات 45.5% إلى 1.6 جنيه للمتر المكعب بدلاً من 1.1 جنيه. ومن شأن القرار المفاجئ أن يكون له تداعيات سلبية على القطاع الأكبر من المصريين، والطبقة الوسطى بشكل خاص، وسط توقعات بالوصول بنسبة الفقراء إلى 80%، ما يخشى معه اندلاع موجة من الاضطرابات الأمنية والاجتماعية. وخيب النظام كل التوقعات التي كانت ترجح تأجيل القرارات المؤلمة من تعويم الجنيه ورفع أسعار المحروقات إلى ما بعد 11نوفمبر، وهو اليوم الذي دعت فيه حركة مجهولة إلى التظاهر فيه تحت مسمى "ثورة الغلابة"، احتجاجًا على تدهور الأوضاع المعيشية. وتحول النظام عبر القرارات الجريئة من مغامر إلى مقامر، حيث أراد أن تكون ردود الفعل على تطورين خطيرين دفعة واحدة وليس على مرات. وقالت مصادر مقربة من دوائر صنع القرار، إنه "كانت هناك رغبة بأن تكون الإصلاحات الاقتصادية تدريجية، مع استبعاد السولار من تحريك أسعاره، حفاظًا على الاستقرار، لكن الرئاسة في النهاية حسمت أمرها وقررت تعويم الجنيه وتحريك أسعار المحروقات كرسالة ثقة وجهتها للصندوق والبنك الدولي والجهات المانحة من سيطرتها على الموقف وعدم اكتراثها بدعوات التظاهر في 11نوفمبر". يأتي ذلك في ظل مخاوف أبدتها جهات سيادية من أن تؤدى الإجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة إلى إعطاء المعارضة المتصاعدة ضد النظام، قوة دفع كبيرة داخل الشارع المصري، حيث تسود موجة من الاستياء من القرارات برفع الأسعار، والتي أصبحت معها قدرة المواطن على الإيفاء بمتطلباته الحياتية أمرًا صعبًا للغاية. وتخشى تلك الجهات من تكرار سيناريو 17و18 يناير 1977، نتيجة انهيار القوة الشرائية للجنيه المصري وتردى المستوى المعيشي لعموم المصريين بشكل يمكن توظيفه لخلق اضطرابات اجتماعية تهدد استقرار البلاد. مع ذلك، بدت المخاوف من إمكانية اندلاع اضطرابات اجتماعية وسياسية خلال الفترة القادمة لا تحظى بالقبول في أوساط معارضين يعتقدون أن النظام قد درس الأمر جيدًا وضمن ألا تخرج الأوضاع عن السيطرة، في ظل رهانه على كراهية الشعب للتغيير وتركيزه على وجود الأمن والأمان بشكل يفوق سعيه لتحسين مستويات بشكل يصعب معه تكرار سيناريو 25يناير. إلا أن حالة الهدوء التي اتسمت بها ردود الفعل الأولية تجاه قرار ورفع أسعار الوقود ليست مؤشرًا على تمريرها دون رفضها من قبل المصريين، كما يرى سياسيون. وقال المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس "الحزب الاشتراكى المصري"، إن "قرارات النظام واستجابته المذلة لشروط صندوق النقد الدولى لن تمر مرور الكرام، بل إنها ستقود لانفجار الأوضاع عاجلا أم آجلا، فالوضع الحالى يستحيل استمراره بأى شكل من الأشكال وسيناريو 17و18 يناير 77 ليس مستبعدًا". وأضاف: "المشكلة لا تتمثل مطلقا فى 11/11، فهى ستمر كما مر غيرها، بل من المرجح أن تكون أجهزة النظام هي من تقف خلفها لاستغلال فشلها في تقديم رسالة للمجتمع الدولى بأنها مسيطرة على الأوضاع، وأن السلطة الحالية تحظى بدعم شعبى كبير يسهل تسويقها أمام الدول الكبرى، ولكن ما هو قادم أسوأ كثيرًا من 11/11، حيث يمكن أن تقود لانفجار يعيد معه السيناريو الأرجنتينى لمواجهة الأحداث فى مصر". تحذيرات القطب اليسارى من فوضى قادمة لا يتفق معها الدكتور أنور عكاشة، القيادى الجهادي، الذى أكد أن "النظام قد رتب أوضاعه جيدا قبل اتخاذ القرارات الأخيرة، ولو كان يخشى أى إمكانية لتكرار أحداث 17و18يناير أو أى اضطرابات أخرى ما كان أقدم عليها، فهو يدرك أن ردود الفعل لن تمثل إزعاجًا له، بل ربما تزيد من سيطرته على الأوضاع". ومضى قائلاً: "تكرار أحداث ثورة 25 يناير أمر مستبعد بالكلية، فهو أمر لا يحدث إلا كل مائة عام، وبالتالى الرهان على التغيير حاليًا شديد الصعوبة، فضلاً عن أن القوى المراد لها أن تواجه النظام، وفي مقدمتها "الإخوان المسلمين" منهكة وضعيفة وغير قادرة على تحريك الشارع، علاوة على وجود تأييد من جميع مؤسسات الدولة للسلطة بشكل يرجح معه تمرير هذه الإجراءات القاسية بدون تسديد أى فواتير".