إن "شخصنة" السياسة هى مظهر من مظاهر الإنحطاط السياسى ، وحين تسود هذه النظرة فى مجتمع من المجتمعات يصبح العمل فيه للتغيير يدور حول الأشخاص وليس حول الأفكار ، وهذا يوضح سلوك القادة الجدد الذين اكتفوا بإبعاد مبارك ورجالاته عن الحكم دون نظامه ، وظنوا أن ما تحتاجه مصر هم رجال من نوع آخر دون أن يسألوا أنفسهم ماذا يفعل هؤلاء الرجال إن لم تتغير الأفكار التى يحكمون بها ؟ فلو افترضنا أن الفاروق عمر رضى الله عنه بين ظهرانينا واخترناه لأن يحكمنا بالنظام الموجود الآن ، فهل يستطيع أن يفعل شيئاً ؟ الجواب لا ! لأن الفاروق عمر رضى الله عنه الذى تميز حكمه بالعدل لم تظهر صفاته وقدراته إلا وهو يحكم بالإسلام ، ولذلك لن يستطيع أعدل الحكام أن يوجد العدل فى ظل نظام علمانى لأن المشكلة ليست فى شخص الحاكم بل فى النظام الذى يحكم به. لذلك علينا أن نصحح السؤال ليكون : بماذا تُحكم مصر ؟ وليس من يحكم مصر ؟ وبهذا يسهل علينا الجواب لأن مصر لو حُكمت بالإسلام فسوف يتغير فيها كل شىء لأنها سوف تتحرر من كل أنواع التبعية وبالتالى الحاكم الذى يحكمها سوف يكون صاحب سلطان حقيقى يُمنح له من الأمة فيقودها بكتاب الله وسنة رسوله فيجعلها الدولة الأولى فى العالم ، صاحبة رسالة تحملها لغيرها من الأمم والشعوب كما كانت الأمة على مدار 13 قرناً من الزمن ولم تنافسها أمة غيرها إلا بعد أن انفصل سلوكها عن وجهة نظرها فى الحياة. إن الإسلام حين تعرض للشروط التى يجب توفرها فى الحاكم لكى يستحق البيعة قد حصرها فى سبعة شروط وهى أن يكون مسلماً ، ذكراً ، بالغاً ، عاقلاً ، عدلاً ، حراً وقادراً على أعباء الحكم. وبالنظر فى هذه الشروط نجدها متوفرة فى كثير من أبناء الأمة مما يعنى أن المشكلة التى تواجهنا فى الحكم ليست فى إيجاد الشخص المتوفرة فيه هذه الشروط بل المشكلة تكمن فى إيجاد النظام الذى يحكم فيه شخص بهذه الشروط. إن الدول الكبرى لا تختلف على النظام الذى تُحكم به لأن نظام الحكم فى أى دولة ينبثق عن العقيدة التى تقوم عليها هذه الدولة ، واختيار الحاكم فيها يكون من أجل تطبيق النظام الذى يؤمنون به ، ولذلك تكون سياسة الدولة محددة مسبقاً بناء على وجهة النظر فى الحياة ، والحاكم هو الذى ينفذ هذه السياسة ولايمكن أن تكون المفاضلة بين حاكم وآخر بناءً على نوع النظام الذى يطبقه عليهم لأن هذه المسألة محسومة ابتداءً. إن الله قد فرض علينا تطبيق الإسلام كاملاً غير منقوص ، والشرع قد أعطى السلطان للأمة فهى الوحيدة صاحبة هذا الحق وتعطيه بموجب البيعة للحاكم الذى يحكمها بكتاب الله وسنة رسوله فإن قام بذلك وجبت طاعته وإن شذ عن ذلك أو قصر فى تطبيقه تقوم الأمة بمحاسبته لأن فرض تطبيق الإسلام منوطٌ بها فى الأصل . لذلك لا يمكن اختيار حاكم فى أجواء يتم فيها تقاسم الهوية للدولة ، فإن الثورة لم تحسم هذه القضية حتى الآن ويجب حسمها لتعود الدولة إلى هويتها الطبيعية ألا وهى الإسلام وعندها سيكون اختيار الحاكم أمر سهل يسير ، لأن غالبية الأمة سوف تنطبق عليهم الشروط الشرعية التى يجب أن تتوفر فى الحاكم الذى يحكم بالإسلام . أما إن بقيت هويتنا مخُتطفة فإن الحاكم لن يستطيع فعل شىء ولو كان من خيرة البشر فسوف يضفى بخيريته شرعية على نظام ليس له شرعية. [email protected]