شاهد.. حريق هائل يلتهم أكشاك بمحيط محطة رمسيس| فيديو    ترامب: الولايات المتحدة لن تعترف باستقلال "أرض الصومال" في الوقت الحالي    دوي انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية بعد قصف روسي    وضع حدا لسلسلة انتصاراتنا، أول تعليق من الركراكي على تعادل المغرب مع مالي    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    السحب الممطرة تزحف إليها بقوة، الأرصاد توجه تحذيرا عاجلا لهذه المناطق    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الجدة والعمة والأم يروين جريمة الأب.. قاتل طفلته    ابني بخير.. والد القارئ الصغير محمد القلاجي يطمئن الجمهور على حالته الصحية    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    منع جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس بالبحيرة    الرئيس والنائب ب"التذكية"، النتائج النهائي لانتخابات نادي الاتحاد السكندري    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    سمية الألفي.. وداع هادئ لفنانة كبيرة    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    مصطفى بكري: "إسرائيل عاوزة تحاصر مصر من مضيق باب المندب"    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    فين الرجولة والشهامة؟ محمد موسى ينفعل على الهواء بسبب واقعة فتاة الميراث بالشرقية    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    بعد تداول فيديو على السوشيال ميديا.. ضبط سارق بطارية سيارة بالإسكندرية    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    في هذا الموعد.. قوافل طبية مجانية في الجيزة لخدمة القرى والمناطق النائية    السكك الحديدية تدفع بفرق الطوارئ لموقع حادث دهس قطار منوف لميكروباص    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    منتخب مالي يكسر سلسلة انتصارات المغرب التاريخية    يايسله: إهدار الفرص وقلة التركيز كلفتنا خسارة مباراة الفتح    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    لم يحدث الطوفان واشترى بأموال التبرعات سيارة مرسيدس.. مدعى النبوة الغانى يستغل أتباعه    في احتفالية جامعة القاهرة.. التحالف الوطني يُطلق مسابقة «إنسان لأفضل متطوع»    خبيرة تكشف أبرز الأبراج المحظوظة عاطفيًا في 2026    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لإعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    بدون حرمان، نظام غذائي مثالي لفقدان دائم للوزن    أخبار مصر اليوم: رسالة عاجلة من الأزهر بعد اقتحام 2500 مستوطن للأقصى.. قرار وزاري بتحديد أعمال يجوز فيها تشغيل العامل 10ساعات يوميا..التعليم تكشف حقيقة الاعتداء على طالب بمدرسة للتربية السمعية    الشدة تكشف الرجال    جامعة قناة السويس تستكمل استعداداتها لامتحانات الفصل الدراسي الأول    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوق سوداء "متنقلة" تجوب شوارع القاهرة
هافينتجون بوست :
نشر في المصريون يوم 13 - 10 - 2016

نشر موقع صحيفة "هافينتجون بوست عربى" تحقيق إستقصائى كشف عن كيفية هروب تجار العملة من القبضة الأمنية التي طالت أكثر من نصف شركات الصرافة في مصر بسبب بيع الدولار بسعر أعلى من سعره بالبنوك.
"هافينجتون بوست عربي" رافقت أحد تجار العملة في جولة داخل سيارته التي حوّلها إلى مكتب صرافة متنقل، ورصدت ما يدور داخل هذا العالم السري.
المغامرة بدأت برنين الهاتف يخبرني فيه "هاني" وهو الاسم الذي اخترناه لمرافقي تاجر العملة في رحلة قراءة ورصد رحلة الدولار في سيارة سوداء.
لم يكن هناك مجال للخوف، فقد طمأنني رفيقي تاجر العملة أن وضعنا سليم ولن يحدث مكروه وإن اقترب منا شرطي أثناء القيام بعملية تبادل للعملة أو سؤال عن الأسعار، يمكننا دائماً أن نقول إننا تائهون ونبحث عن الطريق الصحيح.


وبدأت المغامرة
ترتيب اللقاء لم يكن سهلاً، فالمراقبة شديدة. كنت أجلس في المقهى القريب من شركة الصرافة المغلقة الخاصة به، أنتظر اتصالاً منه لتحديد موعد اللقاء. في المقهى كان هناك شخصان يقومان بعدّ أوراق نقدية أجنبية، استعداداً لاستبدالها من التاجر، على ما يبدو، عندما تحين ساعة الصفر ويتصل بهما ليحدد مكان المقابلة.
وعلى مقربة من المكان الذي يوجد به عدة شركات صرافة وبنوك، كان هناك شرطي يتجول جيئة وذهاباً، لحراسة المنطقة، وهو يمسك بجهاز اللاسلكي.
وأخيراً رنّ جرس الهاتف ليخبرني تاجر العملة "هاني" بأنه ينتظرني في الشارع المقابل بأحد شوارع القاهرة الشهيرة، بسيارة سوداء، فسارعت للقائه في المكان الذي حدده.
مشهد أول: (نهار داخلي)
السيارة التي يستقلها هاني مزودة بزجاج معتم "فيميه" لا يرى راكبها الشارع ولا يراه الشارع أيضاً.. وبداخلها أكثر من هاتف محمول موضوعة بطريقة تمكنه من الرد على أكثر من عميل بوقت واحد وكأننا في غرفة عمليات لمعركة سريعة الإيقاع.
دخلت السيارة لأفاجأ بأنها أشبه بمكتب متحرك.. حقائب تظهر من فتحاتها "رزم" من الجنيهات ، وأخرى بها عملات أجنبية وعربية، وحزم متناثرة من الدولار والدينار السعودي، في التابلوه وجيوب الأبواب.. وسماعتا هاتف في الأذنين، ليتحدث عبر هاتفين في وقت واحد، وكمبيوتر صغير متصل بإنترنت هوائي.
الزجاج المعتم يمنع الرؤية من الشارع، والتاجر مشغول في عدّ رزم العملات المختلفة، وفي الوقت نفسه الرد على عشرات المكالمات التي تتوالى عليه.


الشارع مصرفنا
أخبرني "هاني" بأنه في طريقه لشراء دولارات من عدد من العملاء في عدة مناطق بالقاهرة، مؤكداً: "أتلقي اتصالات العملاء وأحدد لهم أماكن اللقاء؛ لأن الشركة التي كنت أعمل بها مغلقة الآن، فأصبحت أعمل من الشارع".
سألته: لماذا تخوض هذه المغامرة التي قد تعرضك للسجن؟

فرد ببساطة: "وهل أجلس في المنزل بلا عمل؟ نحن مضطرون للعمل بهذه الطريقة بعد حملات الشرطة والبنك المركزي، التي تسببت في إغلاق قرابة 53 شركة صرافة وسجن بعض أصحاب الشركات، واضطرار الباقين للتعامل بالسعر الرسمي، الذي يرفضه الكثيرون لأن الفارق بين سعر الدولار بالبنك وسعره في السوق الموازية اتسع ليصبح 5 جنيهات كاملة حالياً.


قطع..

في السيارة دخلت مسلحاً بأوراق جمعتها من دراسات عن سعر الدولار أتصفحها عندما يكون هاني منشغلاً في حوار مع زبائنه..

(توقع بنك الاستثمار "بلتون" في مذكرة بحثية أصدرها 2 أكتوبر الجاري أن يقوم البنك المركزي بتخفيض للجنيه إلى ما يتراوح بين 11.5 و12.5 للدولار - وهو ما يمثل 30 إلى 40% من قيمته الحالية بالسعر الرسمي الذي يبلغ 8.88 - وذلك في العطاءات الدولارية الدورية التي يطرحها الثلاثاء من كل أسبوع، إلا أن البنك المركزي أجّل هذه الخطوة لامتصاص حالة الاشتعال في سعر الدولار في سوق العملة السوداء.

وقال مصدر بالبنك المركزي، لصحف مصرية إن قرار تخفيض أو تعويم الجنيه لابد أن يكون مباغتاً وليس بالضرورة أن يكون في يوم العطاء الدوري الأسبوعي).


مشهد ثان: (الدولار) بكم اليوم؟!

يحكي لي "هاني" في عتمة السيارة ووميض الهواتف المحمولة أن مراقبي البنك المركزي والشرطة قبضوا على بعض أصحاب شركات الصرافة وهم يبدلون العملات خارج السوق الرسمي، وتمت مصادرة العملات وتحرير محاضر لمن يحوزونها أيضاً.

قطعت حديثنا دقات على زجاج السيارة.. فتح التاجر جزءاً من الزجاج ليبادره أحد العملاء بسؤال: "بكم الدولار اليوم؟"، وبعد حوار قصير، انصرف الرجل واعداً بالاتصال مرة أخرى لإحضار المبلغ بالكامل، والتاجر ينبهه: "آخر موعد السادسة مساء".

حضر شاب آخر ومال على السيارة ليسأل عن سعر الريال السعودي، وكان التاجر يتحدث في الجوال، فأشار له بيده أن ينتظر، ولكن الشباب كان مرتبكاً، بسبب الانتظار، وحين رأى شرطياً يرتدي ملابسه الرسمية يقترب منه، قفز إلى الرصيف المقابل وهرول مبتعداً ولم يعد.


قطع..

(يُحدد القانون رقم 88 لسنة 2003 الخاص بالبنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، الحالات التي يُعاقب بموجبها من يتاجرون بالعملات الأجنبية وهي: "الاتجار في العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية على مستوى الجمهورية. والقنوات الشرعية بحسب القانون هي البنوك المعتمدة للتعامل بالنقد الأجنبي، وكذلك شركات الصرافة والجهات التي يرخص لها بهذا التعامل من محافظ البنك المركزي"..

كما يعاقب القانون: "الممارسات الخاطئة لشركات الصرافة بالمخالفة للقواعد والإجراءات التي يحددها مجلس إدارة البنك المركزي، وتجاوزات المسؤولين لأحكام قانون النقد").


مشهد ثالث..

مثلما في مشاهد "بيع الممنوعات" بالأفلام، كانت اللغة سرية أشبه بشيفرة بين التاجر والعملاء..

لم يسعفني الوقت لأصبح خبيراً في لغة الشيفرة الخاصة بالعملات لكنني صرت على دراية بأساليب البيع والشراء، (التي لا نتبناها ولكننا نرصدها بأمانة ربما ليعرف البعض أن الحل الأمني لمشكلة الدولار لن يفيد ما دامت هناك سيارات سوداء بها هواتف محمولة تجوب الطرق الخلفية بحثا عن دولارات وريالات في مملكة السوق السوداء).

تعجبت لإحدى المحادثات التي أجراها "هاني".. كان ردّه فيها على محدثه: "نلتقي الساعة 13.5؟"، ثم يقول له: "لا.. 14 أكون نائماً!"، وفهمت منه وهو يضحك لاحقاً أنه كان يتحدث مع عميل له يجلس داخل بنك ولا يرغب في لفت الأنظار له، وأن (الساعة) ترمز لسعر الدولار بالشيفرة.

عشرات الاتصالات تلقاها التاجر من أشخاص يسألون عن أسعار العملات، ويحددون أماكن التغيير، والسيارة في طريقها. أما إذا اضطر للتوقف لتسليم أو تسلُّم، فإنه يترك محركها يعمل تحسباً لأي طارئ. كما أنه يتجنب الوقوف في مكان واحد فترات طويلة. كما توجد مواقع سرية، متفق عليها بينه وبين العملاء، في أنحاء القاهرة، أغلبها قرب مقاهٍ ينتظر العملاء داخلها انتظاراً للموعد.


قطع ..

(في أغسطس/آب الماضي، قال نائب محافظ البنك المركزي المصري جمال نجم، على هامش مؤتمر اتحاد المصارف العربية بشرم الشيخ، إن البنك أغلق 53 شركة صرافة مخالفة للقانون منذ بداية العام الحالي "لقيامها بالتلاعب في أسعار العملة الصعبة"، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية.

ويبلغ إجمالي عدد شركات الصرافة المرخص لها بالعمل في مصر حاليا 62 شركة فقط بعدما كانت 115 شركة في نهاية العام الماضي).
مشهد رابع: كيف يبدأ يوم تاجر العملة؟

يبدأ يوم "هاني" بسلسلة اتصالات مع زملائه من تجار العملة والصرافات - المغلقة أغلبها - لمعرفة "ظروف السوق"، والاتفاق على سعر العملات المختلفة، بحيث يحددون قائمة بأسعار العملات، تزيد كثيراً عن أسعار البنوك الحكومية، وغالباً ما تستمر هذه المشاورات حتى الثانية عشرة ظهراً، يبدأ بعدها التحرك للقاء العملاء.

ولا يرد "هاني" على عشرات الاتصالات التي تصله إلا بعد الثانية عشرة ظهراً: "لأنني لا أعرف بعد السعر الذي سأبلغه للعميل"، حسبما يقول. ثم يبدأ في تلقي الاتصالات من الزبائن وتحديد أماكن اللقاء، ويبدأ بالمقهى القريب من محل الصرافة المغلق الخاص به، حيث زبائنه المعروفين الذين هم محل ثقته.

يرن الهاتف.. "نعم أهلاً وسهلاً.. من طرف (فلان)؟.. ماشي تحت أمرك.. السعر اليوم (...) كم المبلغ؟.. طيب قابلني في شارع (...) أمام محل بيع ملابس الأطفال الساعة 4 بالضبط، أنا في طريقي إليك"، هذه واحدة من عدة مكالمات متكررة سمعتها وأنا داخل السيارة/الصرافة.

سألته: "هل لك مواعيد عمل محددة؟"، رد مندهشاً: "طبعاً.. أبدأ من 12 ظهراً حتى السادسة أو السابعة مساء، وبعد هذا أتوقف عن الرد على أي مكالمات لأقوم بجرد الأموال وتوريدها، قبل أن أعود لمنزلي".


عملاؤه رجال أعمال وفنانون

وحول أشهر عملائه يؤكد "هاني" أن له عملاء كثيرين من رجال الأعمال، وأن التعاملات قد تصل للملايين من الجنيهات والدولارات أو الريالات وغيرها، بعضهم تجار ومستوردون يلجأون له ولزملائه عبر المقاهي والمطاعم وداخل سياراتهم الخاصة.

ويقول "هاني" إن وسطاء بعض الفنانين والمطربين المشاهير يتصلون به. وهو يعرفهم لأنهم زبائن دائمين، لتغيير العملات المختلفة، إلى جانب بعض اللاعبين الرياضيين، بخلاف عائلات تسعى لتوفير احتياجات أبنائها الدارسين في مدارس أجنبية بمصر أو بجامعات أجنبية بالخارج، ولا توفر لهم البنوك احتياجاتهم.


تجار الفاكهة والذهب والبويات ينافسون!

ويكشف "هاني" ل"هافينغتون بوست عربي" أن هناك تجاراً ومستوردين بدأوا يزاولون تجارة العملة بجانب تجارتهم الأصلية، بعدما لاحظوا الفارق الكبير في الأسعار وقدرتهم على الربح من هذه التجارة.

ويشرح قائلاً: "أحد زبائني وهو تاجر فاكهة، كان يطلب مني تدبير مبالغ من الدولار له لاستيراد الفواكه، والآن أصبح ينافسنا بعرض سعر أعلى نسبياً على من يرغب في بيع الدولار، لأنه لو حصل على الدولار منا يحصل عليه بسعر (الشراء) الذي يزيد على سعر (البيع) الذي نشتري به من الزبائن. ولو تصورت أنه يحتاج 100 ألف دولار مثلاً ستعلم أنه يمكن أن يوفر فائضاً كبيراً من الربح لنفسه".

ويؤكد هاني أن "أزمة الدولار دفعت كثيرين من تجار الذهب والبويات والحلوى وغيرهم مؤخراً لشراء الدولار بأنفسهم من العملاء في مناطقهم، وبعض المصريين أيضاً يحولون أموالهم لدولارات أو يشترون عقارات في ظل انخفاض قيمة الجنيه".


مشهد خامس

في طريق عودتي لمنزلي، مررت بالفعل على محل ذهب قريب من منزلي وسألته: "هل تشتري دولارات؟"، ففاجأني بعرض مغر للسعر دون تفاصيل، وقال: "أي كمية لديك أنا مستعد!".

اختبرت المعلومة مرة أخرى عندما مررت ببائع الفاكهة المجاور لمنزلي ودار حديث حول ارتفاع الأسعار، لأجده يبادرني بقوله: "هل معك دولارات تحب أن تغيرها؟".

وبينما كنت في المصعد متجهاً لشقتي، سألت جاري، وهو مستورد أدوات كهربائية، كيف يشتري احتياجاته من الخارج، ففاجأني بسؤال مباشر: "معك دولارات؟ معك كم؟".


فلاش باك ..

يرجع الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، السبب وراء نقص العملة أيضاً إلى أن "الصادرات أقل من الواردات، حيث نستورد ب90 مليار دولار سنوياً ونصدر ب20 مليار، وهذه الفجوة مستمرة منذ 3 سنوات". ويضيف ل"هافينغتون بوست عربي "أن العاملين في الخارج انخفضت تحويلاتهم من 19 مليار دولار الى 6 مليارات، وهذا العجز (13 ملياراً) يذهب لآخرين من تجار العملة الذين يشترون العملات من المصريين في الخارج، ليبيعوها بسعر أعلى"، بخلاف نقص العملة الأجنبية من السياحة التي انخفضت من 13 الى 6 مليارات دولار.


مشهد سادس: مسلسل صعود الدولار

سألت هاني: "هل تغير السعر اليوم؟"، فرد قائلاً: "نعم الدولار أصبح ب13.75 جنيه للشراء (في السوق الرسمي 8.85 جنيه). وحول احتمالات ارتفاع سعر الدولار أكثر في الأيام المقبلة مع أنباء تعويم الجنيه؟"، يقول تاجر العملة: "الله أعلم"، ثم يتابع وهو مشغول بالرد على مكالمات العملاء: "المتوقع ألا ينخفض السعر حتى لو تم التعويم حيث سيظل سعر السوق السوداء أعلى من سوق البنوك الرسمي؛ لأن البلد ليس بها دولارات. فنحن - (تجار العملة) - نوفر أكثر من 70% من إجمالي ما يحتاجه المستوردون والسوق من الدولار، وحجم تعاملاتنا يمثل أضعاف حجم التعاملات في السوق الرسمي".


قطع..

(يتفق مع الواقع الذي أطلعنا عليه تاجر العملة، رأي هاني جنينة، رئيس قطاع الأسهم في شركة بلتون فاينانشال، الذي قال ل"هافينغتون بوست عربي" إن أي إجراء أمني ضد شركات الصرافة أو تجار العملة "لن يمنع السوق السوداء من استمرار عملها في المضاربة على الدولار، ولم يخفض قيمة الدولار أمام الجنيه"، إذ يمكن لهذه الشركات أن تعمل في السر.

وقال موظفون آخرون في شركات صرافة، أغلبهم يعملون من خارج المكاتب بسبب مراقبة البنك المركزي، إن سعر الدولار في السوق السوداء قفز هذا الأسبوع مثلاً إلى 15 جنيهاً للشراء لندرة المعروض منه، ووصل لقرابة 14.20 للبيع).

ويشير الدكتور شريف دلاور، الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية، إلى أن السوق السوداء "سيتم القضاء عليها حال تثبيت سعر الصرف رسمياً، لكن المشكلة هي عدم توافر الدولار".

ويضيف ل"هافينغتون بوست عربي" أن التعامل الأمني مع تجار السوق السوداء ليس هو الحل. فالحل هو اعتماد برنامج الإصلاح الاقتصادي، وورود قرض صندوق النقد الدولي، بعدها سيتم تثبيت سعر الصرف".

وكان صندوق النقد الدولي وافق على إقراض مصر 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات مقبلة، واستجابت الحكومة لشروط الصندوق وأقرت قانون الضريبة المضافة، الذي ارتفعت بموجبه أسعار العديد من السلع، وتم فرض ضرائب حتى علي خدمات الأطباء والمحامين. كما تستعد الحكومة لتعويم سعر الجنيه المصري مقابل العملات المختلفة، ما سيرفع أسعار السلع بنسب تقدر ب30-40%.

وقال أحد العاملين بالصرافة ويدعي "عمرو" ل"هافينغتون بوست عربي" إن ارتفاع السعر الجنوني الذي ينعكس على انخفاض قيمة الجنيه وزيادة التضخم جاء بسبب توقعات المضاربين بأن تعويم الجنيه المصري بات وشيكاً وسيعلنه البنك المركزي في أي وقت، وقد يصل رسمياً إلى 12 جنيهاً مقابل الدولار.

ويشير أحدث تقارير صندوق النقد الدولي الصادر 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعنوان "آفاق الاقتصاد العالمي" ارتفاع التضخم في مصر بنسبة 18.2% خلال العام المقبل 2017، مقارنة بتوقعاته لنسب التضخم خلال العام الجاري عند 10.2%.


تطور تجارة العملة

بدأت تجارة العملة في مصر منذ السبعينيات بعد حرب أكتوبر وارتفاع سعر البترول في ذاك الوقت من 6 و7 دولارات إلى 70 و80 دولاراً والطفرة المالية في دول الخليج وتزايد تشغيل العمالة المصرية هناك، وسعي تجار للاستفادة من فارق السعر بين الرسمي وغير الرسمي.

وكان العصر الذهبي لها في فترة الثمانينات والانفتاح الاقتصادي في مصر وظهور ما يعرف بتجارة الشنطة، حيث عرفت مصر حينئذ عمليات تشغيل الأموال عن طريق فتح اعتمادات مالية في البنوك المصرية في منظومة مالية سرية لاستيعاب هذه الطفرة من الأموال.

وفي أوائل التسعينات ظهر ما يسمي "شركات توظيف الأموال" التي تحكمت في سعر الدولار وشكلت قوة ضغط على الحكومة.

وشهد سعر صرف الدولار تفاوتاً كبيراً خلال أعوام ما بعد ثورة 25 يناير، حيث انتقل سعر الدولار من 5.933 جنيه في عام 2011، إلى 6.056 في 2012 ثم ارتفع إلى 6.899 جنيه في نهاية ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، حتى استقر عند 7.73 في يوليو/تموز 2015، وظل ثابتاً نحو 3 أشهر، وبعدها ارتفع إلى 7.783 في نهاية 2015، قبل أن تنخفض قيمة الجنيه مُجدداً ب1.12 جنيه، في مارس/آذار 2016 ليصل الدولار إلى 8.85 جنيه، ثم يقفز في يوليو/تموز الي 10 جنيهات، ف14 في أغسطس قبل أن ينخفض في سبتمبر/أيلول نسبياً ثم يعود ليتراوح حالياً في السوق السوداء، بين 13.90 جنيه، و14 جنيهاً لشراء الدولار الواحد.

ووفقاً للأرقام الرسمية المعلنة للبنك المركزي، فقد وصل احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى 19.591.7 مليون دولار أميركي في نهاية سبتمبر 2016، بينما سجل نحو 16.564 مليار دولار في نهاية أغسطس الماضي، مقابل نحو 15.536 مليار دولار في نهاية يوليو السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.