لم تجد مجموعة حل الأزمات الدولية ومقرها الرئيس في بروكسل أفضل من أن توصي الأردن خاصة والدول العربية عموما بضرب التيار السلفي الجهادي من خلال التيار الإسلامي المعتدل ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين. وليس هذا توصية بقدر ما هو مخطط إستراتيجي يجري تنفيذه في المنطقة من خلال إعلاء شأن الجماعات أو التيارات الإسلامية المعتدلة كالإخوان، ولعل الذي يجري في مصر أكبر مثال.. اليوم ثمة قناعة لدى الولاياتالمتحدة بأن أنجع وسيلة لمحاربة "الإرهاب" أو "التطرف الإسلامي"، تكون عبر الاعتراف بالتيارات الإسلامية الوسطية المعتدلة..وهو ما أقرت به أولبرايت صراحة قبل أشهر عندما قالت إن الولاياتالمتحدة تتجه اليوم لتسهيل وتمكين الإسلاميين من السلطات لا حرصا على الحريات وتنفيذا للديمقراطية أو الاحتكام لصناديق الاقتراع وإرادات الشعوب العربية، وإنما لمواجهة "المد الإسلامي المتطرف" بالمد الإسلامي المعتدل. واليوم أيضا ثمة من يرى أن مخططا مشابها يجري تنفيذه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهناك من يعتقد أن الساحة يراد إخلاؤها بطريقة أو بأخرى ل"حماس" "المعتدلة" لمنع ظهور أي تيار إسلامي متطرف مستقبلا مع الحديث عن صعود نجم الجهاد الإسلامي لها باعتبارها أكثر تطرفا من حماس لاعتبارات عديدة ليس اقلها قربها من إيران. تفجيرات فنادق الأردن الثلاثة في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005زادت من حماسة مجموعة حل الأزمات الدولية، وهي منظمة غربية غير ربحية تقدم خدمات أشبه بالخدمات التي تقدمها مثيلاتها لصانعي القرار في الولاياتالمتحدة. وتحاول هذه المنظمة في تقرير لها صدر قبل أيام فقط، حض الأردن على ترك محاربة الإرهاب بالقوة جانبا واللجوء إلى خيار أنسب وأسلم وأكثر قبولا حتى في الشارع الأردني. يقول التقرير إن الإسلاميين المتطرفين في الأردن "السلفية الجهادية" تقتات على الاستياء والغضب الشعبي من الولاياتالمتحدة، ويضيف أن تشجيع ظهور السلفية عموما في الأردن في سنوات سابقة لمواجهة الإخوان وإحداث نوع من التوازن كان خطأ فادحا ... لأن هؤلاء جنحوا بالسلفية إلى منحى راديكالي متطرف وقلبوا السلفية التقليدية رأسا على عقب. وبحسب ما يحاول تقرير مجموعة الأزمات الدولية القول، فإن كبح الجهاديين في الأردن ولد اهتماما مفاجئا وحضورا أكبر للتيار السلفي الجهادي في الأردن. لكن التقرير ذاته وبكثير من السطحية يرجع أسباب تغذية الفكر الجهادي في الأردن إلى الأوضاع الاقتصادية، وافتقار الأردنيين والتيارات إلى التمثيل والمشاركة السياسية. تحريض واضح بين السطور ضد أي تيارات إسلامية أردنية تتبنى الفكر الجهادي عبر الحديث عن خلايا نائمة في الأردن للقاعدة تكتفي بالإعداد والمراقبة، بينما توكل مهمة التنفيذ لأعضاء من القاعدة في الخارج. أما أخطر ما في التقرير من تحريض وتجييش ضد الإسلاميين في الأردن، فهو الحديث عن أن ردة فعل الشارع الأردني ضد الإرهاب الذي أصاب الأردن لحظية ومؤقتة، سرعان ما تتلاشى مع إجراءات أو خطوات غير مجدية لمحاربة التطرف مثل التدابير الأمنية القاسية وما إلى ذلك. ولهذا توصي مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها بإستراتيجية ذات ثلاث شعب تتناول التحدّيات السياسية والاقتصادية والثقافية في الأردن: التدابير السياسية. . من خلال الاستفادة من المساندة الشعبية الناتجة عن النقمة والسخط على التفجيرات لمراجعة القوانين والقرارات التي تقلّص من الحريات السياسية، وعند الضرورة تعديلها أو التخلي عنها، بالإضافة إلى صياغة قانون انتخابي جديد وتشكيل ائتلاف حكومي أوسع وأكثر شمولية، بحيث يضم اتجاهات المعارضة. التدابير الاقتصادية من خلال خطة إصلاح اقتصادي حقيقية ومحاربة الفساد بقوة أكبر. التدابير الثقافية وهي الأكثر أهمية من خلال التوصية ب"دق إسفين" بين الإسلاميين الجهادييّن وغير الجهاديّين من خلال العمل على: (أ) ترويج وتعزيز نموذج متسامح عن الإسلام في كافة المؤسسات التعليمية؛ (ب) إطلاق حملة أيديولوجية ضد الفتنة بين المسلمين؛ (ج) توفير مجال حقيقي للوعّاظ (الخطباء) ومعلمي الدين الذين يتمتعون بالمصداقية والكفاءة، والذين يشجبون العنف –بمن فيهم أولئك الذين ينتقدون سياسة الحكومة– ليتحاوروا مع أصحاب الأيديولوجية السلفية. المصدر : العصر