البداية كانت يوليو 1952بسيطرة الجيش على الحكم, بدأت بأحكام عرفية للرموز السابقين، ثم إسقاط دستور 1923 ثم إعلان دستورى بعد خمسة أشهر، ثم البدء فى وضع دستور جديد فى يناير 1953، ولم يكن هناك تعارض بين الشعب والجيش، ثم تدهورت الأوضاع تدريجيًا حتى وصلنا لثورة 2011 التى تحاكم المخلوع وأعوانه بالقضاء العادى، وتم الإعلان الدستورى بعد شهر ونصف فقط، وبدأت الديمقراطية باستفتاء 19 مارس، ثم بدأ التعارض بين العسكر والثورة. - ثورات الشعوب غالبًا ما يعبر عنها تيار سياسى له قيادات ، وعندما تتأزم الأحوال تستجيب الشعوب للقيادات بالدعم الثورى، الذى يزيح النظام السابق وكل رموزه دفعة واحدة، ويحل محله القيادات الجديدة ليتم البدء فى تأسيس النظام الجديد كما حدث فى ثورة إيران, لكن ثورة مصر قامت دون قيادات، ولم يكن هناك تيار سياسى يمتلك شعبية تكفى لتحريك عدة ملايين تستطيع خلع المخلوع؛ فاضطر الشعب بالقبول بتولّى العسكر للسلطة، على الرغم من أن المجلس العسكرى يمثل أهم مكوّنات النظام البائد, ويستحيل نجاح الثورة إلا بتفكيك كل مراكز قوى ومؤسسات النظام السابق إلا المؤسسة التى يؤدى تفكيكها لخلخلة المجتمع وهى الجيش. - حاول العسكر دون جدوى فرض سيادتهم على الثورة بإيقاف تقدمها عند حدود خلع المخلوع وكبار أعوانه, والإحصائيات العالمية تشير لفشل عشرات الثورات وحالات التحول الديمقراطى منذ 1974بسبب الوصاية العسكرية, فالمعلوم أن الخطر الرئيسى على ثورات الشعوب يتمثل فى المؤسسات التى تمتلك القوة على الأرض "الجيش والشرطة"، فما بالكم إذا تم تسليم السلطة "الانتقالية" رسميًّا للعسكر وبموافقة الشعب، لكن هيهات. - والوصاية العسكرية الآن لا تعنى بالضرورة الحفاظ على المعادلة بين السلطة والثروة بنفس محددات النظام البائد تحت مظلة التبعية الأمريكية والمصلحة الإسرائيلية, فالواضح أن العسكر يتجهون للتصدى لهذه التبعية التى كانت مقابل موافقة أمريكا على توريث سلطة المخلوع لنجله المرفوض, وهناك موقف قوى ومشرف للعسكر مدعوم شعبيًّا بخصوص التمويل السياسى الأمريكى للمنظمات فى مصر, والمتوقع هو محاولة الوصاية للحفاظ على أولاً: مكتسبات الجيش الاقتصادية، ثانيًا: أوضاع قيادات العسكر الكبرى بعد انتهاء الفترة "الانتقالية". - ميزانية الجيش لا تقل عن ربع ميزانية مصر، والجزء الحربى منها ليس سريًّا؛ لأنه منشور للجميع بأمريكا؛ لأن القانون يفرض ضرورة نشر مجالات استخدام المعونة الأمريكية, أما السرى الحقيقى هو الجزء الأكبر المدنى من شركات وعقارات ومستشفيات وفنادق ونوادٍ ومحطات وقود وأراضٍ وخلافه من الأنشطة التى يعمل بها المجندون بالخدمة العسكرية, مثل "جمع البيض" من المزارع وخلافه بدلاً من شرف الجندية, وبداية سيطرة الجيش اقتصاديًّا كانت منذ عهد عبد الناصر لضمان ولاء الجيش وقياداته للحاكم الديكتاتور ضد الشعب. - هناك فرق بين إطالة الفترة الانتقالية لهندسة العلاقة بين العسكر والسلطة المتوقعة بالانتخاب وبين محاولة الاستمرار فى السيطرة على السلطة ولو بشكل غير مباشر, والأمر مرتبط تمامًا بالحالة الأمنية التى لا أظن أنها تمثل "انفلاتًا أمنيًّا"، بل هو صراع على السلطة بين "بقايا" مكونات نظام ذاهب وبين"بدايات" نظام قادم، لم يتم تأسيسه بعد, فنرى محطات إجرامية مدبَّرة (من ماسبيرو إلى بورسعيد) من قوى داخلية مدعومة إعلاميًّا، وممولة خارجيًّا لإجهاض الديمقراطية, كل ذلك والمجلس العسكرى لم يُرِدْ منع هذه الصدامات بشكل مطلق؛ ليستمر فى "إدارة الصراع بدلاً من حله"؛ لنكون تحت رحمة الاحتياج له أمنيًّا لإضعاف الجميع حتى يستطيع التفاوض للحفاظ على مكتسباته من خلال كتابة الدستور والتوافُق على مرشح للرئاسة. - أما موضوع "حامى الديمقراطية" بالدستور فليس من أحلام العسكر؛ لأن المجتمع استيقظ والثورة شعبية كاسحة والحاجة لذلك غير موجودة، فلقد حدث ذلك فى تركيا؛ لأن الدستور تم إقراره علمانيًّا ضد هُوية90% من الشعب وهو وضع شاذ يحتاج لحمايته بالقوة العسكرية، ويستحيل أن تقترب مصر من ذلك الوضع؛ فالشعب هو القوة الوحيدة القادرة على حسم الصراع المذكور، والمقال القادم سيمثل محاولة لتوضيح كيفية مواجهة الوصاية. د.حسن الحيوان [email protected]