عرفت مصر عملية التهجير الإجباري والاختياري علي نطاق واسع من مدن القناة في أعقاب هزيمة يونيو 1967بعد احتلال سيناء من العدو الصهيوني والاعتداء علي سكان المناطق المأهولة في بور سعيد والإسماعيلية والسويس، وتشتت المهجرون في مدن مصر وقراها حتى عادوا بعد انتصار أكتوبر 1973. وقد أفرزت عمليات التهجير سلبيات اجتماعية واقتصادية وثقافية مازالت- مثل جميع شئوننا- أسيرة التعتيم ولم تدرس بجدية حتى اليوم، ولم يعبأ بها الحكومات المتعاقبة، وكأن الأمر يخص أقواما آخرين في كوكب آخر، فها هي مدن القناة تعاني اقتصاديا واجتماعيا – خصوصا بعد إغلاق بور سعيد كمنطقة حرة. والقراءة للواقع المصري بصورة دقيقة توضح أن نظام الحكم الحالي، قد وضع جميع طبقات الشعب أمام خيارات ثلاثة هي: الجوع والفساد والهجرة أولا : الجوع حرص النظام على وضع طبقات الشعب المتوسطة والدنيا تحت ضغط الحاجة للمأكل والمسكن والتعليم، وسلب من الطبقات العاملة ما حققته ثورة يوليو من عدل اجتماعي وتقاسم للثروة ، وأعاد احتكار أدوات الإنتاج، ونتج عن هذه السياسة المنظمة الجوع وسكان المقابر والجهل. ثانيا: الفساد شجع النظام الحاكم ضعاف النفوس على فساد النسق القيمى للمجتمع فشارك البعض في عملية الفساد بالرشوة وتبادل المنفعة والسطو علي المال العام لتتحول التربة المصرية إلى أرض خصبة حاضنة للأمراض الاجتماعية : النفاق والمراءاة والتملق والمحسوبية والسفه والخوفوبيا والجبن والانتهازية. ثالثا: الهجرة وضع نظام الحكم معظم الكفاءات المصرية : أطباء ومهندسين وأساتذة الجامعات وما تمثله من ثروة البشرية متنوعة بين فكي رحي، فإما الهجرة إلى دول النفط أو العالم الغربي بحثا عن الرزق، وإما الرضوخ لخيار الجوع أو الاندماج في منظومة الفساد، وظل خيار الهجرة يتعاظم ويتضخم حتى صار أملا يراود معظم طبقات الشعب- من الشباب إلى الشيوخ- التي لم تستطع التفاعل والتعاطي مع آلية الفساد التي تعمل بنشاط طيلة عقود ثلاث خلت، وعملت آلية على نشر وحماية الدروس الخصوصية من الحضانة إلى الجامعة، وفرض الكتاب الجامعي، وغض الطرف عن الرشاوى والمحسوبيات وأعلت من مبدأ الانتهازية في إنجاز المصالح اليومية في مؤسسات الدولة ومرافقها، وألبست مصطلحات هذه الأمراض الاجتماعية مفاهيم مزيفة مثل " تمشية الحال" تفتيح المخ " والفهلوة" وتبادل المنافع " واللي تغلب به العب به" وغيرها من المقولات السلبية. وفي نفس الاتجاه، كانت هجرة الشباب في قوارب الموت إلى أوروبا واحدة من إنجازات الحزب الحاكم في مرحلة الانكسار والمذلة والبطالة، وحتى الهجرة للكيان الصهيوني كانت ضمن طموحات الشباب اليائس البائس الذي كفر بشعار الوطن والمواطنة بعد تفشي ظاهرة البطالة، ورغم ما يتضمنه خيار الهجرة القسرية من عوامل تدمير الشخصية المصرية بثقافته الإسلامية،إلا أن المسئولين تجاهلوا ذلك، وأصبحنا نسمع جهارا عن الزواج من الإسرائيليات وما يمثله هذا من خطورة على الأمن القومي المصري. وبنظرة فاحصة على بلدان العالم كله من الهند وباكستان حتى موزنبيق لن تجد دولة تفرط في كفاءاتها العلمية وتحرص على طردهم واستبعادهم كما يفعل نظام الحكم المصري، إنها سبة في جبين كل نظام سياسي يتنازل عن الطاقة البشرية المؤهلة علميا لعدة عقود بذرائع الفقر والحاجة، بينما يعيث الفساد نخرا في مؤسسات النظام وتهرب المليارات دون وازع من دين أو خلق أو مصلحة وطنية، إنها جريمة أن تتحول الكفاءات العلمية المصرية إلى سلعة تنتفخ بعوائدها كروش الساسة ورجال السلطة والنفوذ، وإنها لمعرة أن يتحول المصريون إلى السخرة والعبودية في دول العالم بعد انتهاء زمن السخرة في حفر قناة السويس منذ عدة قرون. أما عن حقوق العاملين بالخارج ، فحدث ولا حرج. فالعاملون بالخارج ليس لهم أي حقوق سياسية، فليس من حقهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية أو النيابية، لماذا ؟، لماذا وكل دول العالم تعطي أبناءها هذا الحق القانوني ؟ وليس لهم أي حقوق اجتماعية أو صحية، فالمصري لا يجد من يدافع عن حقه في البلد المضيف، وغالبا ما يقايض المسئول الدبلوماسي المصري مصلحة المواطن بمصلحته الشخصية، وإذا مات العامل بالخارج تتنصل السفارات من مسؤلياتها نحو مواطنيها وتتفنن في تعذيب وإهانة من يسعى لنقل جثة المصري إلى وطنه. هل هذا وطن بالمعني المفهوم والدقيق للحقوق والواجبات ؟ السفارات المصرية في الخارج ليست إلا مراكز جباية وليست مؤسسات خدمة وطنية ، واسألوا المواطن المصري في معظم دول العالم عن دور السفارات المصرية في خدمة المواطن ؟ معظم السفراء المصريين في الخارج تأخذهم العزة بالإثم ويظنون أنهم آلهة ، ويتعاملون وفق هذه القاعدة، والتجارب شخصية مع سفراء مصر ومعظم العاملين في أكثر من دولة في الشرق والغرب تؤكد أن المواطن المصري بلا ثمن مهما حصل على الدرجات العلمية والخبرات العالمية، والدبلوماسيون في الخارج أوثان وآلهة مصغرة تطمح للتكبير وللتقديس. تري ماذا يحدث لو أحجم العاملون في الخارج( المهجرون قسرا أو اختيارا) عن ضخ أموالهم في البنوك المصرية ؟ وماذا يحدث لو توقف العاملون بالخارج عن مساعدة أسرهم في مصر ؟ وماذا يحدث لو عاد هؤلاء إلى مصر بعد التغيرات المتلاحقة ضد المسلمين والعرب على الساحة الدولية ؟ أظن أنها الكارثة ، أوليس كذلك ؟ [email protected]