الثورة الشعبية المصرية الرائعة التى فاجأت العالم كله، وليس نظام مبارك وحده، فى 25 يناير 2011 كانت تكتسب الإعجاب بها والانبهار بها من عدة نواح، ولكن ظاهرتين فيها بالأساس كانتا عصب هذه الروعة التى أذهلت العالم، الأولى هى ضخامة الحشود البشرية المشاركة فى الثورة، عندما نقول مليونية فقد كانت مليونية حقيقية، يشارك فيها أحيانًا خمسة ملايين أو أكثر، طوفان بشرى فى الشوارع والميادين عندما تلتقطه عدسات التصوير من مستويات مرتفعة أو طائرات تفاجأ بما يشبه مجرى نهر ضخم يتحرك فى الشوارع من رؤوس البشر وأجسادهم، هذا مشهد أزعم أن العالم لم يره من عشرات السنين، والظاهرة الثانية التى مثلت عنصر الإبهار الكبير فى تلك الثورة هى أخلاقياتها، لم يكن المتظاهرون الذين خرجوا يتحدون رصاص شرطة مبارك وزبانيته يحملون سلاحًا ولا حتى عصا ولا موس حلاقة، خرجوا يتحدون الطاغية ونظامه بقوة أخلاق الثورة ومطلبها العادل ونبل الحراك الشعبى، وكانت اللافتات والشعارات على عنفها وحرقتها لا تحمل أية بذاءات، كانت تحمل لغة قوية ولكن مترفعة، وأحيانًا كانت مترعة بالسخرية الجميلة "والقفشات" التى اشتهر بها الشعب المصرى ، فتجلت كورود وأزهار تزين الميادين والمظاهرات وتضفى عليها المزيد من الوهج والندى والبهجة والأمل، ولذلك كسبت الثورة تعاطف الشعب كله وكسبت تعاطف العالم معها وانتصرت فى النهاية على دكتاتور صلب وعنيد ويملك ترسانة من مؤسسات القمع والهيمنة. أقول ذلك لكى أذكر كل من يحاول الانتساب إلى الثورة الآن وهو يستخدم لغة وأسلوبًا يتناقض مع ما أصلناه فى ثورتنا وحرصنا عليه وكان هو ميزة الثورة وأهم أسلحتها ومصادر قوتها، قوة الأخلاق، لا يمكن أن يكون من أبناء تلك الثورة من يستخدم الكلام البذىء والسفالة والشتائم والحركات الوضيعة بالأصابع ضد الآخرين، أيًا كانوا، سواء كانوا مخالفين له فى أحزاب وتيارات أو كانوا فى المجلس العسكرى أو الشرطة أو أى مؤسسة رسمية، ذلك انحدار بالثورة لا يمكن تبريره تحت أى ظرف أو حجة، بل إن هذا السلوك يمثل إهانة للثورة وأخلاقها ومحاولة لإطفاء وهجها وحرمانها من أهم عناصر الإبهار فيها، وبالتالى فمن يمارس مثل هذا الانحطاط فى لغته السياسية أو الاحتجاجية فهو عدو حقيقى للثورة وخطر على مسيرتها، ويكفى أن ننظر الآن إلى تزايد الكتل الجماهيرية التى تنفض عن الثورة أو تتخذ موقفًا سلبيًا منها، بسبب مثل هذه السلوكيات الصبيانية وغير المسؤولة، وبدون شك يكون السقوط مضاعفًا عندما يأتى من أشخاص يفترض أنهم أصبحوا فى موقع المسؤولية، كأعضاء البرلمان، فلا يصح أن يتحول البرلمان إلى ساحة مزايدات على شريحة من "المهاويس" فى الشارع ويتبارى بعض الشباب حديثى العهد بالسياسة فى نفاق المجموعات المتطرفة والصاخبة فى الشارع على حساب كرامة برلمان مصر وكرامة ثورتها أيضًا، هذا الانحطاط الأخلاقى المتسارع، والذى يبدو أنه ليس له قرار يتوقف عنده، ينبغى وقفه بحسم، وقديمًا قالت العرب: من أمن العقوبة أساء الأدب. [email protected]