رحل عن عالمنا يوم الأربعاء 15 فبراير 2012، عالم جليل وأستاذ فاضل ومربى عظيم، هو الأستاذ الدكتور عبد الحافظ حلمى محمد رحمه الله، وعندما أريد أن أتحدث فى مقالة عن عالم فى قيمة وقامة أستاذنا الراحل، أجد نفسى عاجزاً كعجز من أراد أن يجمع ماء المحيط فى زجاجة أو رمال الصحراء فى كيس، ولما لا! فأنا أريد أن أتحدث عن عالم موسوعى، وأكاديمى مؤسس، وإدارى قدير، وإنسان تخلق بخلق الأنبياء والصالحين. حصل أستاذى على الدكتوراه عام 1952 وعمره 26 عامًا من إنجلترا، أراد مشرفه هناك أن يجرى بحوثه على طفيليات الطيور فى المملكة المتحدة، لكن أستاذى رفض وأصر على أن يجريها على طفيليات الطيور المصرية، فكان له ما أراد، وأنجز رسالة قامت الجامعة الإنجليزية بطباعاتها على نفقتها لما فيها من علم ومنطق ورصانة، وسار أستاذنا على هذا النهج من الاستقلالية والابتكار والأصالة فى البحث العلمى وأنجز بحوثاً شهد بها المجتمع العلمى فى العالم بأسره، وكعالم أيضا ذهب أستاذنا للبحث فى تاريخ وفلسفة العلوم، فكتب المقالات وأجرى البحوث التى أبهرت المجامع العلمية العالمية، حيث رد فيها الحق لأهله من العرب والمسلمين، الذين على أكتافهم نهضت أوروبا وبعدها أمريكا، وكان يؤمن أن العلم بلا خلق لا قيمة له، فكتب فى أخلاقيات البحث العلمى وآدابه مقالات تدرس، وامتدت جهوده - رحمه الله - إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأسس وأصّل وكتب فى الإعجاز العلمى للقرآن والسنة، ونافح عنهما ضد من يحاول أن يخوض فيهما بغير علم أو حق، وفى خدمة لغة القرآن، عمل خبيراً فى مجمع اللغة العربية وبذل من الجهد فى خدمتها، إلى أن صار عضواً بالمجمع "مجمع الخالدين"، ومع اقتناعه باللغة العربية كلغة علم وعلوم عالمية أسس ورأس الجمعية المصرية، لتعريب العلوم التى تنادى وتعمل على تعريب العلوم فى العالم العربى، وترى أنه "ضرورات ملزمة، ومنافع مؤكدة"، وأن من يمانع فإن "اعتراضاته مفندة"، على حد قول أستاذنا الراحل، وكإدارى قدير تولى أستاذنا وكالة كلية العلوم، جامعة عين شمس، ثم انتخب عميداً بإجماع حقيقى، وشهدت الكلية فصلاً من عطائه وعلمه وحكمته رحمه الله. وامتدت جهود أستاذنا إلى أقطار شقيقة، فكان له إسهامات مشهودة فى بناء وترسيخ المؤسسات العلمية فى كل من الكويت وقطر، وقد تتلمذت على يديه ثلاثة أجيال من الأساتذة، هم من حملة مشاعل العلم فى مصر والعالم العربى، وسوف يظل يُورث ما أرساه من علم ومبادئ سامية فى عقول وقلوب هذه الأجيال ليكون فى ميزان حسناته بإذن الله. أما عنه كإنسان- رحمه الله- فإن وده وعطفه ورفقه ورقته ورحمته بالناس تذكرك بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان لا يرد طالباً، وترى مكتبه بكلية العلوم جامعة عين شمس، قد صار قبلة للباحثين عن العلم والحكمة، وملتقى للمفكرين والعلماء، فتجد عنده من يريد أن يناقش فكرة أو ُيؤصل لقضية أو يراجع بحثاً أو كتاباً أو يستشير فى أمر علمى أو شخصى أو حتى يشكو هماً ويخرج الجميع من عنده سعداءً بما وجدوا عنده من حكمة وفضل وخير............ أستاذى كم سنفتقدك، كنا نرجو من الله أن تبقى فينا مثل عمرك مرة ثانية، ولكن هذا حال الدنيا وحال كل حى إلا الله، وعزاؤنا آية فى كتاب الله، قالها المولى عز وجل لرسوله الكريم: "إنَّكَ مَيَتٌ وإنَّهُم مّيِتُونَ"، الزمر(30)، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرحمك رحمة واسعة وأن يرزقك "مَقعَدِ صِدقٍ عند مليكٍ مُقتدِرِ" القمر (55)، وإنا لله وإنا إليه راجعون.