يبدو أن تعفف المصريون عن الدخول في مهاترات فتحتها بعض الصحف المصرية قومية ومعارضة ومستقلة التي انتصبت للدفاع عن فيلم الأسانسير والهجوم على المصريون بشكل بالغ الفجاجة والتكلف ، يبدو أنه أغرى " الجوقة " بالإيغال في مسلسل الأكاذيب والتضليل المنهجي للقارئ ، ولن نقف عند انتهاك بعض الكتاب للأعراف الصحفية التي تحفظ الكرامة بين زملاء المهنة ، وإنما ندخل في الموضوع مباشرة ، حيث استنفر عدد من الصحفيين والكتاب قلمه طوال الأسبوع الماضي للهجوم على صحيفة المصريون الإلكترونية ، حوالي ثماني صحف شهدت وقائع الهجوم الضاري ، والسبب هو ما نشرته الصحيفة عن فيلم الأسانسير من خلال تقرير لمرسلها في الاسكندرية الأستاذ أحمد حسن بكر ، الملاحظة الأولى على ما حدث أن الهجوم كان شبه متطابق ، وكأنه إعلان تجاري تم توزيعه من قبل الشركة على بعض الصحفيين ، ولا ندري ما هو المقابل بالضبط ، ولكنا نعلم أن الشركة المنتجة للفيلم لها علاقات وثيقة مع بعض من كتبوا دفاعا مستميتا عنها ، ودار رئيس الشركة بنفسه على أكثر من مكتب وصحيفة ، وتحدث مع المصريون مباشرة ذات مرة من أحد هذه المكاتب الصحفية ، الأمر الثاني أن كل من كتبوا عن الفيلم كذبوا وضللوا القارئ ، وأوهموه بأن الفيلم مجرد " مونولوج " داخل نفسية فتاة محبوسة في مصعد بعد انقطاع الكهرباء ، وتحاول أن تكتشف نفسها وحريتها ، ودار حوار هاتفي بينها وبين شاب عبر الهاتف ناشدته التدخل لإنقاذها ، وكل هذه أضاليل كان ينبغي أن يربأ بنفسه أي صحفي يمتلك الحد الأدنى من الشجاعة الأدبية أن يتورط فيها ، وكان عليه أن يدافع عن أفكاره وآرائه بصورة أكثر كرامة ومصداقية من هذا التضليل ، وأنا لن أخوض في هلاوس الأسئلة الخائبة ، بين من رأى الفيلم ومن لم يره ، بما يسمح بإرباك وعي القارئ بالحقيقة ، ولكني سأعرض للقارئ النص الحرفي لبيان المهرجان القومي للسينما الذي منح الفيلم جائزته لكي أقطع ألسنة الكذب التي أغراها صمتنا عن التعليق بالتمادي في الباطل ، يقول البيان الرسمي للمهرجان : (فتاة مكبوته غير قادرة على قيام علاقة تتعرض ومصادفة للحبس في أسانسير عمارة لا تستطيع الاتصال بأحد تتلقى مكالمة تليفونية عن طريق الخطأ ومصادفة الطرف الآخر يغازلها ولا تستطيع صده يتطور الموضوع تليفونيا إلى علاقة عاطفية) ، يعني بوضوح أن الفتاة تشعر بالكبت ، واضح ، وأنها مع أول مكالمة هاتفية عشوائية " تفككت " ولم تستطع الامتناع ، وأن الحوار الهاتفي كان غزلا وأنه انتهى لعلاقة عاطفية ، هذا هو نص الملخص الرسمي المعتمد بختم النسر ، وأما ما لم يقله المهرجان ولا من كتبوا بالباطل ، أن الفتاة كانت محجبة ، والحجاب في فيلم من عشر دقائق مسألة رمزية شديدة الوضوح ، وأن الحوار الجنسي الذي دار بينها وبين الشاب " فكك " مشاعرها وأخلاقها ، فخلعت حجابها وراحت ترقص وتتمايل وتغني وتتعاجب أمام مرآة حقيبتها وكل هذا خلال أقل من ست دقائق من مدة الفيلم وهو أمر مهين لكرامة المرأة المصرية بكل تأكيد ، وإذا كانت الفتاة المصرية المحجبة " تقع " من مكالمة في خمس دقائق وتخلع حجابها وتدخل في علاقة جنسية مع طرف مجهول فكيف إذا امتد الحال لفترة أطول وتحول المجهول إلى معلوم ، وكل هذه إسقاطات ساقطة لا تحتاج إلى مزايدة ، نرفضها من منطلق ديني وأخلاقي ووطني وندين من روجها ، وإذا كان هناك من يدافع عنها لأن بنيته الفكرية والدينية مغايرة ، فله ذلك ، وقد لاحظنا أن أغلبهم من جذور ماركسية وأخرى معادية للتيار الإسلامي من حيث المبدأ ، ولكن ليس من حقه أن يصادر على موقفنا الفكري والأخلاقي والديني والوطني ويمثل نفسه مرجعية للخلق أجمعين بوصفه نبي الاستنارة والتنوير ، وليس من حقه أن يغلق علينا أبواب النقد والاعتراض والاحتجاج ، كما لا يليق بهم نفي وصف الإباحية لمجرد أن الفتاة كانت بمفردها وليس معها آخر ، فهذه سذاجة مفتعلة وبراءة كاذبة ، والإباحية تكمن في الكلام والإشارات ولو حتى عبر الهاتف ، وتجارة الإباحية عبر الهاتف في أوربا يعرفها جيدا من منحوا الفيلم جائزة أوربية ، أمر آخر ، فقد لاحظت أن من كتبوا عن الفيلم اتفقوا على أن الفيلم عبارة عن تسع دقائق ، بينما النسخة التي عرضت في مهرجان السينما وهي التي عرضت في المركز الفرنسي كانت مدتها اثنتا عشرة دقيقة وهو الأمر المعلن بوضوح شديد في بيان المهرجان القومي ، فأين ذهبت الدقائق الثلاث الأخرى التي لم يرها بالتأكيد من كتبوا عن الفيلم ، لأنهم رأوا تسع دقائق فقط أي أنهم رأوا نسخة أخرى من الفيلم خضعت للمونتاج ، وهل هي النسخة التي عرضت في المركز الفرنسي في الاسكندرية ، وهذا ما يجعلنا نتساءل : ما الذي تم حذفه من مشاهد أو إسقاطات في الثلاث دقائق الأخرى ، أمر آخر أن تقرير المصريون لم يقل أبدا أن بطلة الفيلم مسيحية وإنما أشار إلى ما يتردد عبر رواد المركز الفرنسي نظرا لاشتباه الاسم ، ولأن ذلك لو كان صحيحا لأضاف سوأة أخرى إلى سوءات هذا العمل كما أن تقرير المصريون نقل مشاعر الاستياء من رواد المركز الذين رأوا الفيلم وبعضهم نصح إدارة المركز بعدم عرضه لأنه يمثل إساءة للمرأة المصرية وللإسلام ورموزه الدينية ، وفي الأخير ، نحن نعرف أن الفيلم هو جزء من برنامج مع مؤسسات تابعة لوزارة الثقافة الفرنسية لإنتاج خمسة أفلام قصيرة عن نماذج " إسلامية متدينة " شبانا وفتيات ، ملتحين ومحجبات ، ونعلم أن الضجة التي أثيرت ربما أوقفت استكمال المشروع المشبوه ، وربما قطعت أرزاق بعض المتصلين بمثل هذا العمل وأصدقائهم ، ولكن هذا كله لم يكن في خاطرنا ولا يعنينا ، وإنما كانت الرسالة هي أننا لن نغمض أعيننا عن أي عبث بهذا الوطن مهما بدا صغيرا ، ولن نتراجع عن فضحه بدون أي مجاملات ، لا الآن ، ولا في المستقبل ، كما أننا سنحتفظ بالمعلومات التي تفضل بإرسالها لنا بعض القراء والمهتمين ونرجو أن لا نضطر لنشرها مراعاة لحقوق الزمالة والأعراف التي تربينا عليها في هذه المهنة .