شهد الإعلام المصرى بعد الثورة قفزة هائلة كما وكيفا فالقنوات أصبحت بالكيلة وليس بالعدد، أما من حيث الكيف فقد تحول الإعلام من تغطية الأحداث وتحليلها والبحث عن الخبر إلى صناعة الخبر، عملا بالحكمة القائلة " شراء العبد ولا قنايته " وهو ما يسمى ب"الفبركة"، أما آخر ما توصلت إليه صناعة الإعلام المصرية فهى فلسفة "صناعة الحدث" بل والإعلان عنه ليس فور وقوعه ولكن قبل وقوعه، فأصبح لدينا مذيعات مكشوف عنهن الحجاب ليس فقط حجاب الرأس ولكن حجاب الغيب أيضاً، ففى أحداث وزارة الداخلية الأخيرة كنت أتابع الأحداث مع بعض أصدقائى من أعضاء حزب "الكنبة "عملا بالمثل القائل "الكنبة خير من رفيق السوء"، فإذا بالمذيعة تعلن أنه قد جاءها "حالا بالا " خبر نشوب حريق بمبنى الضرائب العامة بشارع المنصور، ثم اتصلت المذيعة بأحد قيادات الداخلية الذى نفى الخبر، ولكن بعد ذلك نشب الحريق بالمبنى وقامت نفس المذيعة بإعلانه مشفوعا بالصوت والصورة ، فارتجت أركان الغرفة بالتكبير حتى كادت الكنبة أن تتحطم بفعل صديقى الذى راح يقفز وهو يهتف بأعلى صوته "الله أكبر"، " شهدنا لك يا شيخة لميس"، "مدد يا سيدى الحديدى مداااااااااد" "شىء لله ، يا أم الفلول ". ونحن ننظر إليه مذهولين وهو يهذى كالمجذوب: "ندرٍ علىّ يا شيخة لما تموتى عن قريب أبنى لك ضريح" . انتظرنا حتى ذهبت الجلالة عن صديقنا ورحنا نحلل الموقف، كيف عرفت المذيعة أن المبنى سيحترق قبل أن يشم أى أحد ريحة شياط؟! فقال أحدهم: يا إخواننا، القناة دى فيها عفاريت، واستدل على ذلك بأن الإعلامى خيرى رمضان الذى لقبه صديقنا المجذوب إياه ب "سيدى أبو الخيرات الرمضانى " – كان قد أعلن عن احتراق "المجمع العلمى" قبل احتراقه بساعات مما يؤكد أن هذا المذيع "مخاوى" . ولكن أحد الأصدقاء ممن له خبرة بالإعلام قال: يا جماعة ، لا المذيع ولا المذيعة لهم دخل بالموضوع،هناك فريق إعداد يبلّغ المذيع بالأخبار ويبدو أن فريق الإعداد قد استعان بواحد ممن يفتحون المندل وهو أسلوب متقدم فى الإعلام الحديث اسمه ال"أوبن مندل ". فقال صديقنا العاطفى معترضاً: مندل إيه وعفاريت إيه ؟، يا جماعة بلاش خرافات ، هذه السيدة ليست مجرد مذيعة .أنسيتم أنها امرأة ؟ وهى أم أيضا، وكلنا عارفين قلب الأم ! ، العملية يا جماعة عملية إحساس، قلبها كان حاسس إن المبنى هيتحرق فعبرت عن إحساسها قبل الحريق، أنا مرة كنت ماشى مع والدتى وعدينا قدام مبنى الضرائب العامة ولقيت أمى حطت إيدها على قلبها وهى تنظر إلى المبنى والدموع نازلة منها ، ولما سألتها قالت : مش عارفة يا ابنى .. عندى إحساس إن المبنى ده هيتحرق قريب. فقام صديقنا الشكّاك وهو رجل له خبرة طويلة فى الشؤون الأمنية حيث إنه كثيرا ما يقرأ مغامرات " الشياطين ال13 "، "ورجل المستحيل" قال وهو يغمز بعينه : وليه ما يكونش الموضوع مخطط ومدبر وأن القائمين على هذه القناة متآمرون ومربطون مع العيال البلطجية اللى حرقوا المبنى . ولازم يتحاكموا جميعا ، فسخرنا منه وضحكنا حتى البكاء من حكاية المحاكمة هذه . وفى النهاية اتفقنا جميعا على أن نقرأ "عِدّية ياسين" فى اللى حرق مبنى الضرائب والمجمع العلمى،حيث أكد صديقنا المجذوب أنها تؤتى أثرها فورا وأنها مجربة .فقلت ساخرا : والمحاكمات أيضا مجربة. abonwsaiba@hotmail