ما يزال صدى المؤتمر الإسلامي الذي عقد مؤخرًا، بالعاصمة الشيشانية غروزني، قائمًا، بعد أن نزعت توصياته صفة "أهل السنة والجماعة"، عن أهل الحديث والسلفيين، بجانب المؤسسات الدينية السعودية. المؤتمر الذي عقد لمدة ثلاثة أيام، من 25 إلى 27 أغسطس الماضي، وحمل اسم "مؤتمر أهل السنة والجماعة"، استمرت ردود الفعل الغاضبة منه حتى بعد انعقاده بأيام. وحضر المؤتمر شيخ الأزهر أحمد الطيب والمفتي السابق علي جمعة، وعدد كبير من كبار رجال الدين من حول العالم بلغ عددهم 200 شخصية، برعاية الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، وروسيا، وإيران، وبحضور مصري وسوري ويمني بارز. وحصر المؤتمر أهل السنة والجماعة في "الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً"، ما يعني إخراجه كل من خالفهم من دائرة السنة والجماعة، وفق لبيانه الختامي. وتميزت دوافع كل دولة رعت المؤتمر؛ فالدوافع المذهبية كانت بارزة لدى الشيشان، خاصة أن للرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، موقفًا من السلفية الجهادية التي قتلت والده وقادت المشروع الجهادي المناوئ له بلده. ويعد الأمر واضحًا لدى روسيا في دعم مؤتمر، يعادي أهل السنة، وخاصة "الوهابيين" (السعودية خاصة)، حيث تشارك موسكو في حرب مفتوحة للقضاء على الثورة السورية، كما تدعم بشكل غير علني تحركات الحوثيين في اليمن، ضد الدولة السعودية. وتتلاقي الأغراض أيضًا للمجتمعين في المؤتمر من المذهبيين، ورجال الدين الداعمين لأنظمة عربية تعادي الإسلام الجهادي، وتتبنى موقفًا مناوئًا للإسلام عامة. غير أن مشاركة شيخ الأزهر أحمد الطيب، في المؤتمر أثارت علامات استفهام كثيرة، فنَّدها المركز الإعلامي بالأزهر عبر بيان نفى فيه أن يكون الطيب قد قصر مفهوم "أهل السنة" على "الأشاعرة" و"الماتريدية". وبدوره شكك الكاتب الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في نوايا المنظمين له، قائلا في تغريدات له عبر تويتر، "متشائم أن مؤتمر جروزني سيكون بداية انقسام وجدل، كأن هناك أصابع شر تلعب خلف الستار والله أعلم، وكأنه ناقصنا تشطير وتصنيف وخلاف، فتنة الحنابلة والأشاعرة تطل علينا من القرن الخامس الهجري مرة أخرى، والسبب إقصاء جر إقصاء". الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هاجم هو الآخر المؤتمر، ووصفه ب"مؤتمر ضرار". وقال القرضاوي في بيان عبر موقعه الإلكتروني: "أزعجني هذا المؤتمر بأهدافه وعنوانه، وطبيعة المدعوين إليه والمشاركين فيه، كما أزعج كل مخلص غيور من علماء الإسلام وأمته، فرأيت أن أصدق ما يوصف به أنه مؤتمر ضرار". وأضاف أن البيان الختامي للمؤتمر بدلا من أن يسعى لتجميع أهل السنة والجماعة صفًا واحدًا أمام الفرق المنحرفة عن الإسلام، المؤيدة سياسيًا من العالم، والمدعومة بالمال والسلاح، إذا به ينفي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين من الوهابيين، وهم مكون رئيسي من مكونات أهل السنة والجماعة. وأشار إلى أن الأمة الإسلامية لم يعد لديها من رفاهية الوقت لإحياء الخلافات التاريخية القديمة بين مكونات أهل السنة والجماعة، بينما تئن مقدساتها وتستباح حرماتها، وتسيل دماؤها في فلسطينوسوريا واليمن وغيرها. وقال القرضاوي: لم نسمع ممن نصبوا أنفسهم ممثلين لأهل السنة والجماعة كلمة اعتراض على ما تقوم به إيران وأذنابها، من مليشيات حزب الله في سوريا، والحوثيين في اليمن؛ من قتل واستباحة وتدمير، وبعث الدعاة في أفريقيا وآسيا لتضليل أهل السنة، ولا كلمة إنكار لما تقوم به روسيا ومن يدور في فلكها. وكانت وسائل إعلام إيرانية، قد كشفت عن تمويل إماراتي للمؤتمر الإسلامي. وقالت وكالة أنباء "فارس الإيرانية"، خلال نقلها فاعليات المؤتمر: "إنه يعتقد أن المؤتمر ممول بالكامل من الإمارات". وفي مقال للكاتب الصحفي فهمي هويدي، فإن "سفر شيخ الأزهر أحمد الطيب تم دون علم هيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية، وإنما بصفته رئيسا لمجلس حكماء المسلمين الذي شكلته وترعاه دولة الإمارات العربية". وأضاف: "الذين دعوا إلى المؤتمر كانوا بعض أهل العلم الذين تم انتقاؤهم، واستبعد منهم علماء المملكة العربية السعودية، الأمر الذي فهم أن الحساسية المشهودة بين القطرين الشقيقين السعودية والإمارات، التي ظهرت في اليمن وفى سوريا، ألقت بظلالها على تمثيل المملكة في المؤتمر.