كم من الضحايا يجب أن يسقطوا حتى يشعر الجميع بأن ثورة يناير فى خطر؟وأنها تسرق عيانًا جهارًا بالانحراف عن مسارها الصحيح، أقصد مسار الثورات الصحيح الذى يبنى النهضة، ويرد الحقوق ويعاقب المجرمين. كل حادثة أو كارثة هى أفدح من أختها، ويتوالى سقوط الضحايا وسقوط الأبرياء ولا أحد يحرك ساكنا فى الاتجاه الصحيح. بل للأسف يخرج علينا المشير طنطاوى فى تصريح غير موفق: الشعب سايب الناس دى ليه؟ وكأن الشعب هو من بيده مقاليد الأمور، أو كأن الشعب هو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكأن الشعب لديه أجهزة مخابرات ومباحث للتعامل مع من يحيك المصائب للبلد وأهلها ولديه أجهزة أمن وسجون للتعامل مع البلطجية والمسجلين خطر ومن يؤجرونهم. الثورة فى خطر قلناها وقالها غيرنا مرارًا وتكرارًا، نشم رائحة الحريق من بعيد (ولم تعد بعيدا) ولا ننتظر حتى تمسك النيران فى تلابيب ملابسنا أو حتى تشتعل الحرائق فى أروقة الوطن وجنباته. إن الفتن إذا أقبلت لا يراها إلا العقلاء وإذا أدبرت رآها كل الناس، والفتن تقبل علينا من يوم 11 فبراير (يوم التنحى الشهير) وترك الناس والشباب للميادين بلا ضبط حقيقى لبوصلة الثورة وبلا ضمانات حقيقية لجدول زمنى يحكم سير الأمور والمراحل،وقّع الشعب على بياض للمجلس العسكرى وانصرف (كل إلى حال سبيله) وظن المجلس العسكرى أن دور الشعب قد انتهى مع انتهاء مشروع التوريث (الذى ما كانوا يملكون له دفعا) وإنهاء حكم مبارك، وكفاية كده على الناس. وعلى مدار عام كامل والحرائق تشتعل بفعل فاعل (وليس هناك طرف ثالث) أو إن شئنا الدقة بفعل الثورة المضادة فى أركان البلد من قبل أركان النظام السابق الذى لا يزال يحكمنا (فهو إلى الآن ليس نظاما سابقا) ذلك أن المجلس العسكرى يصر إصرارًا كبيرًا أن يكون هو الامتداد الحقيقى لنظام مبارك، يتشبث بالماضى، ولا يريد أن يبنى المستقبل. ثورة يناير فى خطر بفعل الثورة المضادة التى يحميها أنصار مبارك ونظامه فى مختلف أرجاء البلد ومفاصلها وتقاطعاتها الحيوية. ثورة يناير فى خطر ما دام مبارك (قائد سلاح الطيران) يحاكم مدنيا أو طبقا لقوانين هو من وضعها، وبنائب عام هو من أوصله إلى مكانه. ثورة يناير فى خطر ما دام حبيب العادلى (وزير الداخلية) يحاكم مدنيا ويحرسه رجال هو من عينهم، ومازال بعضهم يؤدى له التحية، أوعلى الأقل يعامله كوزير داخلية وليس كمتهم. ثورة يناير فى خطر ما دام هناك من يتعمد تنديم الشعب على اختياره الثورة بفعل الأزمات المتلاحقة والدواهى التى لا تنتهى، وكل واحدة هى أكبر من أختها. ثورة يناير فى خطر ما دام نزيف الدماء البريئة مستمرًا،وما دام اختزان الضغوط مستمرًا وكلاهما حتما يقود إلى الانفجار الذى سيكون هذه المرة غير محسوب وقد يكون دمويا أكثر من ذى قبل. ثورة يناير فى خطر حتى يؤمن قادة المجلس العسكرى بأننا ما ثرنا على مبارك لنستبدل استبدادا باستبداد أشد مرارة ولا لنضع 19 ديكتاتورًا مكان ديكتاتور واحد. الشعب شب عن الطوق وما عاد يخاف أحدًا ولا يرهب أحدًا، شعب كسر حواجز الصمت والخوف والرهبة ومزق ستائر السكوت،وما عاد عنده ما يخسره وهو يخسر ثورة أدهشت العالم بسلميتها ورقيها وقدرتها على إنجاح عصيان مدنى عام وتحريك الشعب وإنزال الناس من بيوتهم. الثورة المضادة تسرح وتمرح فى أركان الوطن وجنباته ومؤسساته وهياكله ومفاصله الأساسية. الثورة المضادة تحكم بالفعل (أو تكاد) وهى محمية بمن بيده مقاليد الأمور (أو هكذا يظن). وعندما يؤرخ للثورة سيكتب التاريخ أن حوادث القتل المتعمد فى استاد بورسعيد عقب مباراة الأهلى والمصرى هى من وضعتنا وجها لوجه أمام الثورة المضادة وهى التى فرضت على المجلس العسكرى أن يحدد اختياره: هل هو مع ثورة يناير أم مع الثورة المضادة؟