هل يُعد سعي الإنسان وتدخله لعلاج ما يقرب من مائتي مرض وراثي بالجينات عن طريق إستبدال الجزء الجيني المعطوب بآخر سليم نوع من الرفاهية أو الحذلقة العلمية؟. المعروف أن الأمراض الناتجة عن خلل في جزء من جينوم الإنسان "دي إن إيه" كثيرة مثل مرض الحثل العضلي muscular dystrophy أو مرض التليف الكيسي cystic fibrosis أو أنيميا الخلايا المنجلية أو النزف الدموي "الهيموفيليا" وأمراض أخري تصيب الجهاز المناعي مثل مرض "طفل الفقاعة" والذي يضطر المولود بهذا المرض العيش في بيئة محمية كالفقاعة البلاستيكية بعيداً عن الميكروبات لحساسيته الشديدة وعدم مقاومته لها. في عام 1990 نجحت أول محاولة حقيقية للعلاج بالجينات في أمريكا وكانت علي طفلة عمرها خمس سنوات مصابة بمرض وراثي عبارة عن خلل في أحد الجينات نتج عنه نقص إفراز إنزيم هام بالجسم مما أدي غيابه إلي سهولة التكسير الذاتي للخلايا التائية في الجهاز المناعي، ونظراً لأهميتها كخط دفاع هام ضد الميكروبات التي تصيب الإنسان مما جعل الطفلة عرضة للإصابة بالميكروبات المسببة للأمراض مثل الجدري والزكام وغيرها بحساسية كبيرة. في تلك العملية العلاجية بالجينات قام العلماء بسحب عينة دم من الطفلة المريضة وفصلوا منها كرات الدم البيضاء "الخلايا التائية" وحقنوا تلك الخلايا بسلالة مُعدلة وراثياً من فيروس "لوكيميا الفأر"-لا تُسبب أمراض للإنسان-تحمل تلك السلالة من الفيروس جين بشري له القدرة-عند ترجمته-علي تكوين الإنزيم الذي يُعد غيابه هو السبب في مرض الطفلة. بعد عشرة أيام من إنماء خلايا كرات الدم البيضاء المحقونة بالجين الإضافي، تم إعادتها لجسم الطفلة ثانية ومن ثم بدأ جسمها يفرز الإنزيم الناقص عندها وعلاج مشكلتها المناعية. في هذه الطريقة من العلاج يستخدم العلماء وسائل مختلفة لإدخال الجين الجديد داخل الخلية منها إستخدام بعض الفيروسات كنواقل للجينات مثل فيروس "هربس" وفيروس "أدينو" وبعض الفيروسات "المتراجعة retroviruses ، كما يستخدم العلماء جزء من دي إن إيه حلقي موجود في بعض أنواع البكتريا ويسمي "بلازميد"، أيضاً يتم إدخال الجينات للخلايا بطريقة "تثقيب غشاء الخلية كهربياً لعمل ثقوب دقيقة ومن خلالها يتم دفع الجين بإستخدام "مسدس جيني gene gun". إستغل العلماء آلية خاصة لبعض الإنزيمات والتي تقطع فيها تلك الإنزيمات شريط "دي إن إيه" في أماكن محددة معروفة-إنزيمات قصر-لقطع الجين المطلوب إدخاله للمريض، هذا بالإضافة إلي أنواع إنزيمية إخري والتي تُستخدم في عملية لصق الجين الجديد بجينوم الخلية قبل إدخاله في المريض. عمليات العلاج الجيني التي تتم في الخلايا الجسدية يقتصر علي المريض الذي يخضع للعلاج ولا تسري أو تنتقل لنسله. لذا إجتهد العلماء ونقلوا الفكرة بنجاح للخطوط الجرثومية أو الخلايا الجنسية عن طريق تعديل أو إضافة جينات جديدة لها والتي بدورها سوف تنقلها-وراثياً-للأجيال التالية بما إعتبره العلماء قفزة كبيرة في هذا المجال من العلاج الجيني. حديثاً إكتشف العلماء إستراتيجية جديدة لتحديد وإدخال جين جديد أو حذف جين ممرض أو تعديل جين آخر سميت "كريسبر "CRISPR-Cas9والتي من خلالها يتم قص الجين المرغوب ومن ثم لصقه في المكان المناسب بدقة أكثر من ذي قبل، تعتمد هذه الطريقة علي تكرارات وفواصل ونهايات للقواعد النيتروجينية علي الجينوم-سواء الذي يؤخذ منه الجين السليم أو الذي سوف يستقبل الجين الجديد-وتعد هذه الطريقة هي الأفضل حتي الآن وتستخدم علي نطاق واسع. يتساءل البعض هل العلاج بالجينات آمن؟، بعض الدراسات الحديثة تؤكد علي أنه آمن، بينما دراسات أخري تفيد بأن هذا النوع من العلاج مصحوب بمخاطر صحية عديدة منها حلات تسمم أو إلتهابات أو حدوث سرطان، هذا بالإضافة إلي مخاطر أخري صعب التنبؤ بها أي في علم الله. بالنظر للمزايا التي حصل عليها الإنسان نتيجة العلاج الجيني في علاج بعض الأمراض المستعصية والصعبة، يجب أن تكون هناك معايير أخلاقية تحكمه وكذلك أسس وشروط يتم التوافق عليها دولياً لتحديد من يخضع لهذا العلاج أو من يمكنه ممارسته، حيث إرتباطه بالإنسان وما سوف يصاحبه من تغيير في بعض المفاهيم المجتمعية من التدخل في الصفات الإنسانية، لأن غير ذلك سيُتيح الفرصة للمزاج الشخصي للبعض فتكون الطامة علي البشرية أجمعين.