دعاوى التعذيب تحاصر الداخلية.. وأسرة خالد سعيد تطلب 5مليارات مَن يدفع فاتورة انتهاكات الشرطة ومَن يتحمل عبء المخطئين والمسيئين إلى الجهاز والنظام والدولة، ومتى يكف بعض رجال الداخلية عن ممارساتهم التي تسيء إلى جهاز الشرطة بأكمله..؟! أسئلة تبحث عن أجوبة في ساحات المحاكم وبين سطور دعاوى التعويض التي تملأ غرف المداولات أمام هيئة المحكمة. رغم عشرات المناشدات والمطالبات بوقف الانتهاكات ورغم نداءات الداخلية المتكررة بأنها غسلت يديها من الممارسات السابقة وأنه لا عيش إلا في وطن يحترم الإنسان وحقوقه إلا أن تفاصيل وأوراق الدعاوى القضائية تغاير الواقعة وتسير عكس هذا التيار. تقدمت جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بثمانية عشر إنذارًا ضد وزير الداخلية بصفته لعدم تنفيذه أحكامًا قضائية بالتعويض عن التعذيب لصالح مواطنين بإجمالي 476 ألف جنيه. وقال محمد زارع، المحامي بالنقض، إن جرائم التعذيب تشكل خرقًا لكل المعاهدات الدولية التي صادقت عليها مصر وأصبحت قانونًا داخليًا طبقًا للدستور المصري والتي وصفت جريمة التعذيب أنها من الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم مثل الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية. كل تلك المواثيق والتى تجرم هذه الجريمة بشكل مطلق رغم تصديق مصر عليها والتزامها الأدبي والقانوني بتلك الاتفاقيات والمعاهدات، هذا بالإضافة إلى القوانين المصرية والدستور المصري الذي يعاقب مرتكب هذه الجريمة غير الإنسانية. وقالت الجمعية في بيان لها إن السعي وراء حصول المجني عليه على الإنصاف في شق واحد وهو جبر الضرر وحصوله على التعويض هو جزء من عملية الإنصاف التي يجب أن تسعى إليها، ومن هنا أقامت جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء تلك الإنذارات لصالح ضحايا التعذيب. واستندت الدعاوى القضائية لنص المادة 123 من قانون العقوبات والتي تنص على (يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أوامر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة، كذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدًا عن تنفيذ حكم أو أمر، مما ذكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاص الموظف). "الدائرة العاشرة" بمحكمة جنوبالقاهرة أحد تلك الأماكن التي تزدحم أدراجها بعشرات الدعاوي والقضايا التي تطالب بالتعويض وباتت هي الملاذ الآمن لمتضرري السجون وتلك الانتهاكات والتعذيب، وذلك لوقوعها داخل الحيز الجغرافي لوزارة الداخلية. تنظر تلك الدائرة ما يقرب من 70 دعوى قضائية ضد وزير الداخلية تطالبه بالتعويض، معظمها مُقام من ورثة متوفين يطالبون بدفع تعويضات مناسبة لضحايا التعذيب والاحتجاز والإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة أثناء فترة الاعتقال والتي يرجع بعضها إلى عام 2013 مرورًا بأعوام 2014 و2015 و2016، بالإضافة إلى الجلسات العديدة المحجوزة للحكم. أشهر الدعاوى ضد وزارة الداخلية أسرة الشاب خالد سعيد والذي لقي مصرعه على يد أفراد الشرطة بالإسكندرية، أقامت دعوى تطالب بتعويض 5 مليارات جنيه. فيما اختصمت الدعوى كلاً من وزير الداخلية، بصفته، وفردي الشرطة بقسم سيدي جابر محمود صلاح محمود غزالة، وعوض إسماعيل عبد المجيد، وهما يقضيان حاليًا عقوبة السجن؛ بسبب قتل الشاب خالد سعيد حتى الموت. وقالت والدة خالد سعيد في تصريحات ل"المصريون" إن دعاوى التعويضات التي أقامتها الأسرة لم يتم البت فيها حتى الآن، منوهة بأن هناك تعنتًا واضحًا من قبل الأجهزة الأمنية في تحريك تلك الدعوى، وأن الأسرة فقدت الأمل في حصول على التعويضات التي أقرها الدستور والقانون. أما الممثلة حبيبة قد حصلت على تعويض مليون جنيه من وزارة الداخلية في قضية مقتل زوجها وقضائها خمس سنوات في السجون، قبل أن يتم القبض على الجناة الحقيقيين واعترافهم بالجريمة. وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أن هذا التعويض مقابل الأضرار المادية والأدبية التي تعرضت لها الممثلة ويجب أن تدفعها وزارة الداخلية المصرية. ضحايا حصلوا على تعويضات ولم تنفذ كانت جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء قد نشرت على صفحتها ب"فيس بوك"، أسماء ضحايا حصول على أحكام تعويضات ولم تنفذ وهم مختار على قد حصل على حكم نهائي بالتعويض بمبلغ 53 ألف جنيه في الدعوى 704 لسنة 2013 ومحمد عمر حافظ، وذلك بعد حصوله على حكم نهائى بالتعويض بمبلغ 24 ألف جنيه فى الدعوى 1227 لسنة 2014 وأحمد إسماعيل محمد إسماعيل، وذلك بعد حصوله على حكم نهائي بالتعويض بمبلغ 56 ألف جنيه في الدعوى 2306 لسنة 2013 وسعيد محمود محمد الفضلى، وذلك بعد حصوله على حكم نهائي بالتعويض بمبلغ 72 ألف جنيه في الدعوى 54 لسنة 2013، وهاني بكرى عبدالحميد، وذلك بعد حصوله على حكم نهائي بالتعويض بمبلغ 36 ألف جنيه في الدعوى 4299 لسنة 2009، وحسن سالم سالم حجر، وذلك بعد حصوله على حكم نهائي بالتعويض بمبلغ 23 ألف جنيه في الدعوى 2303 لسنة 2013، بالإضافة إلى آخرين. القضاء يُلزم رجال الشرطة بتسديد التعويضات من مالهم الخاص قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية – مطلع يناير - بأن يكون التعويض ضد ضباط الشرطة في جرائم التعذيب مدفوعًا من مالهم الخاص وليس أموال وزارة الداخلية، وكذلك إلزام وزير الداخلية بإحالة مَن يثبت في حقه ارتكاب هذه الجريمة إلى مجلس تأديب وأن هذا القرار نهائي وواجب النفاذ. وقالت المحكمة، إن التعذيب جريمة وخطأ شخصي جسيم للضابط يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة بصورة بشعة يستوجب التعويض من ماله الخاص وليس من مال الوزارة لخرقه أحكام الدستور، فضلاً عن محاكمته جنائيًا، مؤكدة أن التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفتها حقوق الإنسان. حقوقيون: 5 جنيهات مقابل اليوم الواحد لمتضررى الحبس ومن جانبه، قال المحامى والحقوقي عمرو عبدالسلام، إن الدولة ملزمة بتعويض المتهم عن الأضرار المادية التي لحقت المحبوس احتياطيًا أثناء فترة حبسه، إلا أن القانون قد حدد مبلغ التعويض بواقع خمسة جنيهات عن كل يوم حبس ويعد هذا استخفافًا بحقوق المواطنين، لأن المبلغ لا يتناسب مع الضرر الذي أصاب المحبوس وحرمانه وأسرته من مصدر رزقه طيلة فترة حبسه. وأضاف المحامى والحقوقي في تصريحات خاصة، أن الجهة المسئولة عن صرف التعويضات عن فترة الحبس الاحتياطي هي وزارة العدل بموجب الصندوق الذي أنشئ بها وخصص لصرف مبالغ التعويضات عن فترة الحبس الاحتياطي حسب مدة الحبس. وحول المسؤولية عن دفع تلك الفواتير فيشير إلى أن ارتكاب الوزارة أو من يتبعها للخطأ الذي ترتب عليه إلحاق الضرر بالشخص سواء كان ذلك في صورة تزوير لمحاضر الشرطة وتلفيق الاتهامات للمواطنين أو تقاعس إحدى إدارات الوزارة في أداء واجبها وتنفيذ القوانين واللوائح كما هو الحال بالنسبة للأضرار التي تصيب المتهمين المحبوسين بالسجون العمومية والمركزية؛ نتيجة الإهمال الشديد في رعاية المرضي منهم وعلاجهم وتوفير الحياة الآدمية لهم في أماكن احتجازهم وفي هذه الحالة إذا ترتب على الإهمال أي ضرر للمسجون فإنه يحق له أن يقيم دعوى تعويض ضد وزارة الداخلية إذا ثبت هذا الإهمال على الوزارة وتلتزم الوزارة بدفع مبالغ التعويض إذا صدر حكم قضائي. وتابع أنه طبقًا لنص المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950- المعدل بالقانون رقم 145 لسنة 2006 تلتزم النيابة العامة بنشر أحكام البراءة وقرارات بإقامة الدعوى الجنائية في الجرائد الرسمية، وذلك لكل متهم سبق حبسه احتياطيًا ثم ثبتت براءته من الاتهام المسند إليه وهذا يعد تعويضًا عن الضرر الأدبي أما الضرر المادي. ومن جانبه، قال العميد محمود قطري إن وزارة الداخلية من المفترض المسئولة عن دفع تلك التعويضات لأهالي المتضررين لأنها هي التي تبدأ معاملة المتهمين منذ اليوم الأول، وهى التي تزج بالأبرياء داخل السجون. وتابع قطري في تصريحات ل"المصريون" أن هناك مشاكل عديدة تتخلل عملية التقاضي في مصر ألا وهى بطء الإجراءات في مصر، ومن الممكن أن تستمر دعوى التعويضات لمدة تتجاوز العشر سنوات، وأن بطء التقاضي هو ظلم للمتقاضى وظلم لصالح الدعوى. وأشار قطري إلى أن نظام التعويض في مصر يعتمد على حسابات شهادات التأمين التي تحدد مبلغ 40 ألف جنيه عن كل متوفى وهو مبلغ ضئيل جدًا بالنسبة، مطالبًا بالمحاسبة على أساس الخسارة الناجمة وعن متوسط العمر، خاصة أن المشرع المصري يختلف كثيرًا عن العرف المصري، ولو رجعنا إلى العرف المصري لوجدنا أن قضايا تعويضات في المجالس العرفية تتجاوز 200 ألف جنيه.