سهلة، ورخيصة جدًا، ولا تكلفك شيئًا، سوى أن تشتم المشير وعنان، وتجعر بهتافات بذيئة ضد الجميع، تلك هى مسوغات تصدر المشهد "الثورى" فى الشارع المصرى الآن مع الأسف، وبذلك أنت تخدم مصر وتبنى مستقبلها وتعيد لها الأمن والأمان والعدل والحرية. كلما اتسع سوق المزايدات خسر الوطن وتوارى صوت العقل، لأنه سيواجه الاتهامات المتعددة من أول بيع الثورة إلى العمالة وما بينهما، والقاموس السياسى هنا ثرى للغاية!!، والمثل الشعبى التاريخى الذى نعرفه فى مصر يقول "اللى على البر شاطر"، فالأحزاب والشخصيات السياسية والإعلامية والنشطاء الذين يقدم كل منهم نفسه بوصفه حكيم زمانه، والمهدى المنتظر الذى سيملأ ربوع مصر عدلا وسمنًا وعسلاً بعد أن ملئت ظلمًا وفوضى وفقرا، جميع هؤلاء لو تولوا المسؤولية فى أعقاب سقوط نظام مبارك ماكانوا ليضيفوا إلى البلاد شيئًا أكثر كثيرا مما قدمه المجلس العسكرى طوال هذه الفترة، لأن الكل يتصيد للكل من أول أسبوع، ولو كان محمد البرادعى مثلا هو الذى يقود البلاد فى تلك الفترة فربما تحولت مصر إلى صومال آخر فى عهده. ما الذى عساه يفعله أى قيادة عندما يتشاجر بعض المواطنين على خلفية بناء كنيسة فى أسوان فيتحرك الآلاف فى وسط القاهرة ثم يحاولون اقتحام مبنى الإذاعة والتليفزيون بالقوة، إما أن يترك الجحافل الطائفية تستولى على المبنى وإما أن تقع المواجهة المحتومة للدفاع عنه، بما يخلفه ذلك من ضحايا من الطرفين، وإذا تم تسليم المبنى والتخلى عن الدفاع عنه فإن الخطوة التالية بكل تأكيد مذبحة طائفية مروعة فى ربوع الوطن كله، ووقتها سيأخذ البرادعى طائرة ويعود إلى فيينا. ماذا عساه يفعل عبد المنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحى أو عمرو موسى عندما يحاول شبان مهاويس اقتحام وزارة الداخلية لاحتلالها أو إحراقها وتدميرها أكثر من مرة، هل كان من المنتظر من أحد منهم، كرئيس للدولة، أن يفسح الطريق أمام المجاهيل والمهاويس لكى يقوموا بالعمل البطولى الثورى الكبير ويطلب من الضباط والجنود إخلاء الطرق أمامهم وإلقاء الورود والرياحين عليهم، أم أن مسؤولياته تقتضى الطلب من الجنود والضباط الدفاع عن الوزارة ومنع أى اعتداء بوصفها ملكًا للشعب كله وأى اعتداء عليها هو اعتداء على الشعب المصرى نفسه، وهل كلما وقعت حادثة حامت الشكوك فيها حول تقصير بعض قيادات الداخلية أو حتى تآمرهم، نذهب إلى الوزارة لكى ندمرها ونحرقها بما فيها. هذا الكلام لا يقصد به بتاتًا الدفاع عن المجلس العسكرى، فقناعتى التى نشرتها علنًا أكثر من مرة، أنه أخطأ مرارًا، أخطأ عندما تباطأ فى عملية نقل السلطة، وأخطأ فى تقدير بعض المواقف السياسية، وأخطأ عندما فشل فى إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية بشكل سريع، ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين الخطأ وبين التآمر، بين سوء التقدير وبين الفساد، والأصوات التى تحاول أن تقارن بين أخطاء المجلس العسكرى خلال عام تولى فيه السلطة وبين خطايا نظام مبارك طوال ثلاثين عامًا هم الذين يتآمرون على مستقبل الثورة المصرية ويحاولون تدميرها، عمدا أو جهلا وحماقة، ولا يمكن أن يجهل إلا أعمى البصر والبصيرة، أن نظام مبارك يحمل ثأرا كبيرا مع المجلس العسكرى، لأن مبارك ورجاله يتهمون المجلس بأنه "باع" مبارك فى اللحظات الحاسمة، وضغط عليه من أجل تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية، ورفض أن يشارك فى قمع الشعب أو الولوغ فى الدم فى الأيام الأخيرة من الثورة، عندما ظهر للجميع أنها ثورة شعب حقيقية وليست مجرد مظاهرات احتجاجية غاضبة، وبالتالى فالمتيقن أن المؤامرات التى تتعرض لها البلاد حاليًا، قصد بها الاثنان: الشعب والمجلس العسكرى، وخطة دفاع محامى مبارك فى المحكمة كانت واضحة فى محاولة "تلبيس" العسكرى المسؤولية معه، وبالتالى أنا على يقين من أن عمليات التحرش بالعسكرى الآن والشتائم البذيئة التى توجه بالاسم إلى قياداته هى جزء من ثورة مضادة بالفعل، وبعض الوجوه التى رأيناها توجه هذه الشتائم أقرب شبهًا بالبلطجية ومدمنى المخدرات، وإن جرى فى ركابهم بعض المهاويس، وهؤلاء "السفلة" لا يمكن أن يكونوا هم وجه الثورة المصرية السلمية الرائعة التى خضناها وقدمنا خلالها أرواحنا على أكفنا. أكرر مطالبتى للمجلس العسكرى بالتبكير بنقل السلطة إلى قيادة مدنية منتخبة، فى أسرع وقت، وأن يكمل جهده "المشكور" فى المرحلة الانتقالية الصعبة بإنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية خلال الشهرين المقبلين، لكى تكتمل مؤسسات الدولة المدنية المنتخبة بإرادة شعبية حرة، لأن اكتمال السلطة المدنية المنتخبة هو الذى يمكن أن يعين على اتخاذ القرارات القاسية والحاسمة دون خوف من مزايدات، لأنها ستكون قرارات مدعومة بإرادة ملايين المصريين، وستظل المؤسسة العسكرية سندا ودعمًا للمؤسسة الأمنية خلال المرحلة "المدنية" المقبلة كلما استدعت الظروف ذلك للسيطرة على الانفلات، ولكن الصورة ستختلف وقتها، لأنها عندما يطلب عونها، فإنها ستستدعى من قبل مؤسسات الدولة المدنية المنتخبة، ومحمية بقراراتها وشرعيتها، وذلك أن يقينى أن الانفلات لن يتوقف والمؤامرات ستستمر لفترة حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ولكن وقتها سيكون المطلوب هو الضرب بكل صرامة على أى محاولة لإسقاط الدولة واستباحتها، فتلك الفوضى لا يمكن أن تستمر، لأنها محاولات لاختطاف الثورة، وتفريغها، تمهيدًا لعودة أى ديكتاتورية بادعاء الرغبة فى استعادة الأمن والاقتصاد، وقد بدأ بعضهم يلمح علنًا فى صحف رسمية بأن جمال عبد الناصر نصب المشانق للعمال فى أعقاب الثورة، فلماذا لا نفعلها الآن!! معظم الانفلات فى الشارع الآن يمكن لقوى شعبية وأحزاب عديدة أن تسيطر عليه وتحجمه وتتصدى له فى الشارع نفسه، وأن تنهيه أيضًا، ولكن أحدًا لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية ذلك ويدفع ضريبة لدعم وجود المجلس العسكرى فى السلطة، نقول ذلك بكل صراحة، والمؤكد أنه عندما يتم تسليم السلطة للمدنيين كاملة، فإن "القوى المدنية" وقتها، المدعومة بالشرعية، تستطيع بكل سهولة أن تواجه هذا الانفلات، وأن تقطع دابر المتآمرين، فعلى المجلس العسكرى الوفاء بأمانته فى أسرع وقت، ونقل السلطة، وإنجاز انتخابات رئيس الجمهورية، وسوف نقوم حينها ومعنا كل الشرفاء فى هذا الوطن بتكريم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتقديم الشكر له على جهده خلال المرحلة الأصعب فى تاريخ مصر، ووفائه للشعب بإنجاز أفضل انتخابات برلمانية فى تاريخها ونقل السلطة بالكامل لقيادة مدنية منتخبة. [email protected]