(1) أثار الحوار الذي أجرته جريدت (العربي الجديد) مع المهندس أبو العلا ماضي الكثير من التعليقات وفتح بابا لمناقشات أراها هامة من أجل استخلاص الدروس للمستقبل أكثر منها لتبكيت أي طرف عما حدث في الماضي.
(2) فقد نشرت جريدة العربي الجديد يوم 5 يونيو حاورًا خاصًا مع الأستاذ أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/6/4/%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7-%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%83%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%8A
تحدث فيه عن بعض وقائع عهد الرئيس مرسي كما يلي: " استغنى الإخوان بأنفسهم عن بقية القوى السياسية في السلطة، وتصوروا أنهم يستطيعون إدارة الدولة وحدهم، وأن نجاح مرسي في الانتخابات الرئاسية أعطاهم تفويضاً بهذا، بالتالي شعروا بالاستغناء عن الشركاء الحقيقيين وكانت نصيحتنا المستمرة لهم بضرورة المشاركة.
وهنا أسرد موقفاً واحداً، فعندما حدثت أزمة الإعلان الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 دعونا لحوار في قصر الاتحادية في اجتماع قمت بإدارته، وانتهينا بإلغاء الإعلان الدستوري. هدأ بعدها الرأي العام، وعندما انتهت الأزمة قمت بزيارة مرسي في قصر الرئاسة وبصحبتي وزير الشؤون القانونية السابق، محمد محسوب. وقتها قال محسوب: "يا دكتور مرسي ربنا وفقنا وعدينا الموجة العالية الخاصة بالإعلان الدستوري، ولكن ستكون هناك موجة أشد ولن نستطيع أن نواجهها إذا لم نبدأ في الاستعداد لها من الآن". وطالبه بضرورة إشراك القوى السياسية في الحكم، واقترحنا عليه اسمين وهما محمد البرادعي، وعمرو موسى كي يختار من أحدهما رئيساً للوزراء فرفض مرسي، بل وأخبرني قائلاً: "الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصل بي وقال لي استفِد بأحد هذين الشخصين معك ومستعد أكلمهما لك. وبعدها اتصل بي أيضاً رئيس الخارجية الأميركي جون كيري، وقال لي استعِن بأحدهما رئيساً للوزراء. وأيضاً خلال زيارتي لألمانيا قالت لي المستشارة أنجيلا ميركل عليك الاستعانة بأحد منهما أي البرادعي وموسى رئيساً للوزراء". هنا قلنا لمرسي "هذا يؤكد وجهة نظرنا وسيريح أطرافاً دولية كثيرة، فردّ مرسي رافضاً "لا" وذكر عدداً من الأسباب التي أتحفظ على ذكرها الآن.
بعدها تحدثت إلى المرشح الرئاسي السابق سليم العوا وكان يحضر معنا لقاءات قصر الاتحادية، وطالبته بأن يقترح على مرسي اختيار نائب الرئيس السابق المستشار محمود مكي رئيساً للوزراء، طالما أنه لا يريد البرادعي أو موسى. وبالمناسبة هنا، أذكر أن مكي قال إنه منذ الأسبوع الأول لاختياره نائباً لرئيس الجمهورية كان يرغب في الاستقالة، إلا أنه قام بتأخيرها بسبب أحداث الإعلان الدستوري.
وطالبت العوا بالاتصال أيضاً بمكي وأخذ رأيه قبل أن نقترح اسمه على مرسي رئيساً للوزراء، فقال لي العوا: اقترح اسمه على مرسي وأنا سأقنع مكي. حينها طلبت موعداً للقاء الرئيس مرسي، وبالفعل صعدت للقائه أنا ومحمد محسوب وطرحنا اسم محمود مكي، وخلال جلوسنا معه فوجئنا بأنه تمت إعادة تكليف هشام قنديل بتشكيل الحكومة، فقام محسوب بكتابة استقالته ونحن جالسون مع مرسي ووافقه عليها.
وهذه كانت النقطة المحورية وهي أن تسمح بتمثيل للآخرين حتى وإن لم يكن لهم تمثيل كبير في الشارع."
(3) وفي أعقاب نشر هذا الحوار ومن باب فتح الطريق أمام إجراء (مراجعات صحية) من قبل الإخوان لمواقفهم طرح السؤال التالي: ماذا لو تمت إعادة تركيب صورة المشهد السياسي وأن "مرسي" أخذ بتلك النصيحة، وكلف البرادعي أو عمرو موسى بتشكيل حكومة وطنية واسعة تضم قوى الثورة وقطاعاتها الحيوية المختلفة، بل وتنازل لهم طوعا عن مساحة واسعة من صلاحياته كرئيس جمهورية ، وشكل مجلسا رئاسيا من أبرز رموز ثورة يناير الكبيرة وفوضهم لوضع خريطة عمل لتحقيق أهداف ثورة يناير ووحدة النسيج الوطني، هل كنا سنصل إلى ما وصلنا إليه الآن ، وندفع كل هذا الثمن من الدم والحرية والشتات والأمل الضائع
(4) ونظرًا لأن هذا السؤال لا يجب أن يقتصر طرحه على الإخوان، ولا يجب أن تنحصر طلب المراجعات عليهم، بل أظن أن كل فصيل سياسي لا بل كل مهتم بالشأن العام عليه أن يقوم بعمل مراجعة ذاتية يعيد فيه تقييم مواقفه ليس فقط من حيث حسن قراءته للأمور ولكن أيضًا من حيث مدى إدراكه للثوابت والمتغيرات التي تلزم كل شخص وكل فصيل، وما الذي كان يمكن – بالتالي يظل ممكنًا – التنازل عنه من باب هامش المناورة السياسي، وما الذي لم يكن ممكنًا – ولو عادت الأيام يظل غير ممكنًا – التنازل عنه، هذه مراجعة ضرورة لكل مشتغل بالشأن العام، دون أن تحصر في الفصائل السياسية ناهيك أن تحصر في فصيل واحد نطالبه بها.
(5) ومن المهم أن تتم هذه المناقشة في أجواء نفسية صحية، بلا تخوين ولا شتائم، وكذلك بلا مواربة وبلا تلاعب بالكلمات لتهوين ما لا يجب تهوينه، وبلا احتكار للحقيقة أو إقصاء فكري للرأي الآخر سواء بطريقة مباشرة بالحذف ومنع النشر، أو بطرق غير مباشرة تحمل المصادرة المسبقة من قبيل (نفس الأفكار والمعاني والمشاعر التي أنتجت الكارثة ما زالت قائمة ويدافع عنها المدافعون، وهو ما يجعل أي حديث عن المستقبل أو الإصلاح أو تصويب المسار محض هراء ومضيعة للوقت).
(6) وقبل أن أدلي بدلوي محاولًا اجابة السؤال الذي طرح عن محاولة تخيل المشهد لو أن الرئيس مرسي استجاب (لنصائح) أمريكا وألمانيا وقوى الداخل واستدعى (البرادعي) أو (عمرو موسى !) وكلف البرادعي أو عمرو موسى بتشكيل حكومة وطنية واسعة تضم (قوى الثورة) وقطاعاتها الحيوية المختلفة، بل وتنازل لهم طوعا عن مساحة واسعة من صلاحياته كرئيس جمهورية، علي أن أذكر ملحوظة مبدئية تعلمتها من قراءاتي في التاريخ، أن هامش المناورة التي يجب أن يسمح به السياسي لنفسه مهما اتسع لا يجب أن يدخل في منطقة الثوابت، فإن دخلها فلن يعود بعدها سالمًا أبدًا.
(7) من هنا نسأل سؤالًا مبدئيًا: هل يحق لسياسي، أي سياسي، أن يدير ظهره للأغلبية التي انتخبته، ويستجيب للضغوط أو (النصائح) بما يخالفها بل يضادها ؟!، إذا جاء سياسي للحكم بالإنتخاب فمعنى ذلك أن الناخب الخاص به أوصله من الجولة الأولى إلى الثانية، وذلك لينفذ برنامجًا أعطاه صوته من أجله، ولو كان يريد الآخرين لأعطاهم صوته، فهل يحق للسياسي بعد أن وصل لمقعده بهذه الأصوات أن يتنكر لها ويعطي جل صلاحياته أو بعضها وسلم الحكومة للإقلية ؟، وهل دارت هذه الأسئلة – المبدئية – في أذهان الذين طالبوا الرئيس مرسي بذلك ؟!!، ألم يقر في ضمائرنا جميعًا إدانة المستقليين الذي كانوا يسارعون للإنضمام للحزب الوطني بعد إنتخابهم، ونعتبره خيانة لأصوات الناخبين الذين لو ارادوا مرشح الحزب لأنتخبوه، لكنهم انتخبوه كمستقل وربما لو علموه منضمًا للحزب الوطني ما انتخبوه، ألم يكن هذا هو ما توافقنا على اعتباره أيام مبارك، فهل كان يسوغ اخلاقيًا وشرعيًا لمرسي الحائز على 25% في الجولة الأولى أن يسلم الحكومة ومعها جل صلاحياته لعمرو موسى - على سبيل المثال وهو أحد الذين ورد ذكرهما في (النصائح) الخارجية والداخلية - الحاصل على 12 % من الناخبين ليس منهم واحد مؤمن بالتغيير الثوري ؟!!، ثم انتقل جل هؤلاء ال12% لينتخبوا شفيق، أيسوغ بعدها أن يسلمه مرسي الحكومة والصلاحيات ؟!!، أعلى هذا انتخب الناخب مرسي ؟!!!، ونفس الكلام يقال في البرادعي الذي لم يدخل الإنتخابات لم تأكد من انعدام فرصه، فما فائدة الإنتخابات اذًا إن كان يتم تخطيها بالإبتزاز والإنصياع ؟!!، وأي تجاهل اكبر لإدارة الناخب من هذا.
(8) ثم تعالوا نبحر أكثر مع هذا السؤال المبدئي، تخيل لو انعكست الأوضاع وكان عمرو موسى أو البرادعي هو الفائز في الإنتخابات، وقرر الإخوان الضغط بالقلاقل في الشارع من اجل الحصول على مقعد رئاسة الحكومة للسيد محمد مرسي، وإلا.....، وتعالوا نفترض أن جاءت النصائح الداخلية والخارجية في أن يتولى مرسي رئاسة الحكومة حتى تتم مراضاة الإخوان، فماذا كنتم فاعلين يا أصحاب السؤال، أنا أقول، كنتم أول من يدين الإخوان ويتهمونهم بالدكتاتورية ورفض إرادة الناخبين، وعدم فهم الديموقراطية، وأنكم تستخدمونها سلمًا اذا جاءتكم، فإذا تنكرت لكم أردتم قلب الطاولة، وكنتم ألصقتم بالإخوان عار الأبد، والسؤال هو: أكان البرادعي أو عمرو موسى ينصاع لتسليم الحكومة للإخوان ؟!، الإجابة سنراها بعد قليل !.
(9) فإذا انطلقنا من النقاط المبدئية للوقائع الفعلية يطول العجب !!، ذلك أن بعض هذه التصورات كان يمكن قبول مناقشتها قبيل 3 يوليو أو في أعقابها مباشرة، حين كان كثير من المعلومات والحقائق خاف عنا، أما ألآن، وبعد ثلاث سنوات تكشفت فيها مئات المعلومات والحقائق، هل يسوغ لمتابع سياسي أن يتجاهل كل ما تكشف ؟!!، نحن نعلم من أسس المنطق أن (الجهل) يزول (بالعلم)، لكن أن نحتفظ بحالة التجاهل بعدما جاءنا من العلم فإنا إذًا لمن الخاسرين !!، أيعقل بعدما أعترف بعض هؤلاء – وأسمي البرادعي تحديدًا – بأنه سعي بكل قوى لدى الدوائر الغربية لإسقاط مرسي أن يقال لو أن مرسي سلمه الحكومة والصلاحيات لكنا في خير حال وتجنبنا الفشل والدماء ؟!!، أيعقل بعدما تكشف من دعوة البرادعي الجيش للانقلاب سرًا وعلنًا طوال الوقت أن يقال أن تسليمه السلطة كان سيمثل النهاية السعيدة لفيلم الثورة (وتوتة توتة فرغت الحدوتة ) ؟!!، أيعقل أن تحمل مرسي وأتباعه مسؤولية الدماء ونغسل منها يد الذين سفكوها والذين أيدوهم ؟!!!.
(10) طيب ها هي السلطة قد وصلت لهؤلاء بعد 3 يوليو، فهل أعطوا معارضيهم الحكومة ؟!!!، تعالوا ننزل درجة، هل أشركوهم في الحكومة ؟!!!، تعالوا ننزل درجة هل جعلوهم مستشارين يستمعون للرأي المعارض من خلالهم ؟!!!، تعالوا ننزل درجة هل تركوا معارضيهم الحرية ليقولوا آراءهم ؟!!، تعالوا ننزل درجة هل اكتفوا في إسكات معارضيهم بالترهيب والمنع من الحديث ؟!!، تعالوا ننزل درجة هل اكتفوا في التنكيل بالإخوان وجماعة مرسي (المستبد) الذي منعهم من رئاسة الحكومة ولم يساير ابتزازهم ؟!!، كل هذه الدرجات التي نزلناها عما طالبوا به مرسي نزلوا هم دونها بكثير، وليس ضد مرسي وجماعته فقط، بل – وللمفارقة الداعية للتأمل جدًا – ضد الذين نصحوا بأن يتولوا الحكم !!!، فما سجن أبو العلا ماضي وعصام سلطان ونكل بحزب الوسط إلا في حكومة (الببلاوي) !!، واثناء تولي البرادعي موقع نائب الرئيس للشؤون الخارجية، فهل بمثل هؤلاء كانت مصر ستتجنب دفع (الثمن من الدم والحرية والشتات والأمل الضائع) ؟!!، لا والله، ما كان حال مصر ليستقيم بأن يرعى الذئب الغنم، ولا بالتنكر لإرادة الناخبين، وما كانت هذه الدماء الزكية إلا ثمن الفرقان بين الحق والباطل، ولها مناقشة أخرى ليس هذا مكانها بخصوص أكان يمكن تجنبها أم لا وكيف، وما مدى مسؤولية مرسي والإخوان عنها – وللإخوان مسؤولية عنها لا شك فيها لسوء التقدير السياسي – لكن مسؤوليتهم – وبكل تأكيد – تقع بعد مسؤولية من سفك تلك الدماء، ثم مسؤولية من أيده وعاونه في سفكها وقال (تسلم الأيادي)، لهؤلاء، لمن سفك الدم ولمن أيده محجوز مكان المسؤولية الأولى والثانية بلا مراء، ومن شك في هذا الترتيب أو بدا له خلافة فقد خالف بداهة العقل وسوية الفطرة ويقظة الضمير، فأين كان موقع مرسي وصحبه في هذا الترتيب وأين كان موقع البرادعي وعمرو موسى ؟!، بهذا السؤال أنهي مداخلتي، ولكم الشكر.
م/يحيى حسن عمر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.