6 مواجهات و3 معارك انتهت بمحاكمة «جنينة».. رفض دفع الكفالة حتى لايتم التنكيل برئيس «المركزي للمحاسبات».. ابنته أصيبت بأزمة نفسية ونقلت للمستشفى بعد إفساد خطبتها لم يكن يعلم أن وجوده على رأس أعلى جهاز رقابي في مصر ومواجهته الفساد حفاظًا على أموال الدولة سيجعله يدفع فاتورة ذلك، ليتم معاملته كما يعامل المجرمون، لم يدن بالاختلاس، كل تهمته أنه تحدث عن الفساد في مصر، فجرى عزله، والتحقيق معه، رفض دفع الكفالة، فتم حبسه، وإحالته إلى المحاكمة. من أبرز كلماته "همي الأول هو تطهير الجهاز وقطاعات الدولة من الفاسدين", فهو العهد الذي قطعه على نفسه منذ يومه الأول كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات في 2012، عاملًا بمبدأ "ما يواكب فكر الثورة"، للقضاء على الفساد الإداري والمالي داخل هيئات وقطاعات الدولة. إنه "هشام جنينه", رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق, الذي شغل منصب سكرتير عام بنادي القضاة، بمجلس المستشار زكريا عبد العزيز، وكان رئيس الاستئناف بمحكمة استئناف القاهرة، وفي 6 سبتمبر 2012, أصدر الرئيس الأسبق محمد مرسي، قرارًا بتعيينه بدرجة وزير لمدة أربع سنوات على التوالي. وكان ينتظر إحالته على المعاش وخروجه من منصبه رسميًا في سبتمبر المقبل، ولاحقته حملات إعلامية ودعاوى قضائية، لاسيما من وزير العدل المقال مؤخرًا، أحمد الزند، بدعوى "أخونة الجهاز"، و"إهانة القضاء"، حينما طالب بخضوع نادي القضاة للرقابة المالية، ووزارة الداخلية، والمؤسسات السيادية، وهو ما جعله بحسب مراقبين يخوض حربًا شرسة ضد كيانات تتمتع بالنفوذ، ولاتقبل المساس بها بأي شكل من الأشكال. لم يمنعه ذلك من الكشف عن المخالفات، إذ قام بإرسال ما يقرب من 520قضية إلى النائب العام للتحقيق فيها، وتم فتحها بالفعل بالاستعانة بتقارير الجهاز. وكانت معركة جنينة مع المسئولين تترجم إلى تقارير يرصدها الجهاز المركزي للمحاسبات؛ لمواجهة الفساد، ومن ضمن تلك التقارير، التعدي على الأموال بمختلف الهيئات والوزارات، ومخالفات الحزام الأخضر بوزارة الإسكان، وسحب 3 آلاف فدان لمسئول واحد فقط، بالإضافة إلى كشف 295 ملفًا بالقضية لم يتمكن حينها أعضاء الجهاز من فحصها. ومن أبرز قضايا الفساد التي خاضها الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الهدايا التي كانت تمنح لكبار المسئولين في الدولة وأسرة الرئيس الأسبق حسني مبارك، سواء كانت لزوجته ونجليه علاء وجمال وزوجتيهما، بالإضافة إلى زكريا عزمي رئيس ديوان الرئاسة الأسبق وزوجته، مرورًا بباقي المسئولين والموظفين بالدولة، وهى هدايا مبالغ فيها، ومنحت بشكل سنوي من ميزانيات مؤسسات صحفية كبرى، بالرغم من عجز ميزانيتها، والخسارة التي كانت تحققها هذه المؤسسات. يضاف إلى ذلك انتشار الظاهرة في الجهات الحكومية بحيث يتهادى كل مسئول في جهته من المال العام. وفي وزارة العدل، الداخلية، المالية والاتصالات، الصحة، وغيرها من القطاعات والمؤسسات التي كشف فيها جنينة عن وقائع فساد لمسئولي تلك الوزارات. وسرعان ما لاحقت جنينة ثلاث دعاوى قضائية منذ توليه منصب رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، منها ما طالب ب"عزله" من الجهاز، وأخرى اتهمته ب"أخونة الجهاز"، والثالثة "إهانة القضاء"، حينما طالب بخضوع نادي القضاة للرقابة المالية. ومن قبل ذلك وجه جنينة، اتهامات لوزير العدل السابق عادل عبدالحميد عمر, بالحصول على مبالغ دون وجه حق من عضويته في مجلس إدارة الشركة المصرية للاتصالات، وهو ما نفته التحقيقات التي أجريت في القضية، وتم حفظ التحقيقات بها. ودخل في معركة أخرى مع المستشار أحمد الزند، وزير العدل، متهمًا إياه بالضلوع في قضايا فساد، حتى وصل الأمر إلى المحاكم والقضاء، والذي حكم لصالح الزند في النهاية. وآخرها كانت اتهامات بالتضليل وتضخيم حجم الفساد، وفقًا للجنة "تقصي الحقائق"، على ضوء التقرير الذي قدر فيه حجم الفساد في مصر بقيمة 600مليار جنيه، والذي كان سببًا للإطاحة به من منصبه، ما أثار جدلاً واسعًا الشارع السياسي المصري؛ حيث اعتبر حقوقيون وسياسيون القرار "غير قانوني" ويمثل "انتهاكًا" لاستقلالية الجهاز المركزي للمحاسبات، وقالوا إنه كان من الأولى بالنسبة للسلطات التحقيق في البيانات المتعلقة بالفساد، التي كشف عنها الرجل، ومحاسبة المسؤولين عنها، بدلا من محاسبة من يحاربها. ويستند الرافضون لقرار إقالة "جنينة" بالمادة 20 من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات الذي تنص على أنه "لا يجوز عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قبل اكتمال مدته القانونية، التي تبلغ 4سنوات، ولا يجوز إعفاءه من منصبه، ويكون قبول استقالته بقرار من رئيس الجمهورية". ووصلت الحرب ذروتها ضد جنينة، مع قرار نيابة أمن الدولة العليا الخميس الماضي بإحالته إلى المحاكمة العاجلة يوم الثلاثاء المقبل، حيث سيمثل أمام محكمة الجنح بتهمة نشر أخبار كاذبة عن حجم الفساد في البلاد. وكانت النيابة قررت إخلاء سبيل جنينة بكفالة عشرة آلاف جنيه، لكنه رفض دفعها، وقال محاميه علي طه، إن موكله رفض دفع الكفالة لأنه "كان مقررا من اللحظة الأولى ألا يقبل بأي محاولة من محاولات التنكيل به"، مضيفًا أن جنينة لم يمتنع عن حضور التحقيقات حين كان يستدعى. وقال جنينة في بيان نقله محاميه، إنه رفض دفع قيمة الكفالة، حتى لايؤدي ذلك في المستقبل إلى التنكيل بمن يشغل منصب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات (أعلى هيئة رقابية في الدولة). وأضاف: "أنا على يقين من أنني أؤدي واجبه إرضاء لله وللوطن والأمانة التي اؤتمنت عليها، مثلت أمام القضاء الذي شرفت بالعمل فيه قبل تبوئي رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات وتمكينا من الوصول إلى العدالة التي ينشدها أي مواطن أمام قضاء عادل مستقل لا يقطع سيف المعز وذهبه، ولكني فوجئت بتحريات ملفقة تم بناء اتهامات كيدية على أساسها وانتهى الأمر إلى إلزامي بدفع كفالة، وعليه بات دفع الكفالة تسليما مني بصحة هذه الاتهامات". وأكمل جنينة "حتى لا أضع سنة يستن بها في التنكيل بأي رئيس للجهاز المركزي للمحاسبات إذا ما قام بواجبه لحماية المال العام وإظهار الحقائق أمام الشعب إعمالا للدستور، وحتى نحافظ على هذه المؤسسة التي جب أن تكون ضمانة لكل مواطن، مثلت أمام القضاء، لكن قيامي بسداد الكفالة بعد تلك الاتهامات الكيدية والتحريات الملفقة يعطي دلالة على تسليمي بها". ومع تمسكه بموقفه، أحيل جنينة إلى قسم شرطة القاهرة الجديدة، إلا أنه اضطر لدفع الكفالة؛ بعد أن نُقلت ابنته إلى المستشفى؛ حيث أصيبت بوعكة صحية وتدهورت حالتها النفسية؛ نتيجة معرفتها بأنباء احتجازه علي ذمة القضية؛ بعد رفضه دفع الكفالة المقررة، وأنها كانت في طريقها لشراء "شبكتها"؛ تمهيدًا لحفل خطوبتها خلال أيام. وأوضح محاميه، أنه تم دفع الكفالة من قبل أسرة جنينة، وخرجوا به إلى المستشفى؛ للاطمئنان على ابنته والخروج بها من أزمتها.