عجيب أمر هؤلاء الحكام العرب، من ملوك وجنرالات، فعلى الرغم من كم الدماء الزكية التى أريقت فى ميدان هذا الصراع المفتوح مع العدو الصهيونى منذ 62 عاماً، وآخرها دماء (قافلة الحرية)، لا يزالون، بمن فيهم الظاهرة الصوتية المسماة أمين عام جامعة الدول العربية، يتحدثون عن السلام كخيار استراتيجى، وعن (مبادرة السلام العربية)، تلك التى سبق أن وضعها الكاتب اليهودى الأمريكى (صهيونى الهوى) توماس فريدمان عام 2002، قبل أن يتسلمها منه الملك عبد الله بن عبدالعزيز بعد استضافته فى الرياض ويحولها إلى مبادرة، تسقط حق العودة وتجرم المقاومة ولا تعيد الأرض، وتقر بالتطبيع وبقبول إسرائيل لاحقاً عضواً فى جامعة الدول العربية!. وسؤالى: الآن وبعد أن أعادت إسرائيل على مسمع ومرأى الرؤساء العرب (بقرصنة سفن الحرية)، أنها ليست دولة سلام، وأنها راعية ومنفذة للإرهاب، وأن أمريكا متواطئة معها سراً وعلانية، هل لا يزالون مصرين على سلامهم ومبادرة توماس فريدمان تلك؟! بالقطع، الإجابة، ستكون، وستظل، هى نعم، لماذا؟ لأن هذه الأنظمة (بملوكها وجنرالاتها) وببعض مثقفيها من سماسرة التطبيع والعقلانية العرجاء، لم يعد لديهم خيار آخر، فلقد اندمجوا تماماً فى المشروع الإسرائيلى، هم لم يعودوا طرفاً موازياً له يتفاوض معه أو ضده، بل صاروا جزءاً رئيسياً منه، مكوناً أساسياً من مكوناته، ولأنه من غير المنطقى أن ينشق الجزء عن الكل ويشذ، فإنهم كذلك، لن يخرجوا عن دائرة الفعل الإسرائيلى، وسيظلون متواطئين معه ضد المقاومة وضد التحرير الحقيقى لفلسطين، ربما أكون بذلك صادماً لأمانى البعض من أبناء أمتنا، ولكن، دعونا نسأل: بماذا نسمى هذا الصمت المخجل لأنظمة تدعى حماية المقدسات الإسلامية، على ما يجرى لنفس المقدسات فى فلسطين؟! وأين هى ال(2) مليار دولار التى وعدت بها نفس الأنظمة فى قمة الكويت لأهل غزة بعد العدوان الدامى عليهم فى يناير 2009؟! هل تعلمون أنه قد وصل إلى أهل غزة (70) ألف دولار فقط من ال(2 مليار)؟! وبماذا نسمى صمتهم المخجل وغير الجميل إزاء ما جرى لسفن الحرية، وأن أقصى ما أنتجته تلك الأنظمة، اجتماع لمجلس الجامعة أنتج بيان شجب وإدانة لا يختلف كثيراً عن عشرات البيانات السابقة؟ وبماذا نسمى الاستمرار الرسمى المصرى فى إكمال بناء (جدار العار) الجدار الفولاذى مع غزة، والذى لا يلغيه هذا الفتح الرمزى الذى تم بعد القرصنة لقافلة الحرية لمعبر رفح تحت الضغط الشعبى العالمى؟! وبماذا نسمى إصرار أبومازن وجماعته على التفاوض مع الاحتلال رغم أنه يتفاوض معه منذ أوسلو (1993) يعنى منذ (17 عاماً) ولم يحصل ولن يحصل على عود ثقاب(!) بل يُستغل تفاوضه البائس هذا لبناء مزيد من المستوطنات فى الضفة (150 مستوطنة فى القدس وحدها 48 مستوطنة) وإضفاء شرعية على الاحتلال؟! وبماذا نسمى تعذيب مجاهدى حماس والجهاد الإسلامى والجبهة الشعبية فى سجون رام الله، بسبب- ويا للعار- ممارستهم المقاومة من غير إذن ولى الأمر (أبومازن)!. هل يفعل ذلك ... من يمثل نقيضاً لإسرائيل أم من يقف معها فى ذات الخندق، وبالتالى يصبح (هو وهى) نسيجاً واحداً فى مواجهة من يجرؤ على قول (لا)، سواء كانت (لا) للمقاومة أو حتى (لا) فى قافلة سفن الحرية؟!. لا داعى إذن لأن نحلم كثيراً، إذ يبدو لى الآن بوضوح كامل أن مواجهة إسرائيل، لا تبدأ من البحر (مع سفن الحرية) رغم أهميتها، أو من غزة أو حتى من القدس مع مقاومة حركة الجهاد وحماس الشعبية، بل من مكة، والقاهرة، وغيرهما من العواصم الشقيقة.. واللبيب بالإشارة يفهم. والله أعلم [email protected]