عندما تمر فى شارع الميرغنى بمنطقة مصر الجديدة، ستشعر أنك تمر وسط ثكنة عسكرية، خاصة فى محيط مبنى ضخم محاط بأسوار مكتوب عليها آيات قرآنية، ولا يكتب عليه ما يدل على هويته، لأنه معروف للجميع بأنه مقر رئاسة الجمهورية، ففى هذا المبنى يدير الرئيس حسنى مبارك شؤون مصر، ويستقبل الرؤساء والوفود الرسمية التى تزور البلاد، وقد شهد هذه المبنى على قرن كامل من تاريخ مصر، حيث أنشئ منذ 100 عام ليكون أضخم فندق فى أفريقيا، إلا أنه تحول إلى مقر رئاسة الجمهورية. بدأت حكاية المبنى عندما افتتحت إحدى الشركات الفرنسية العملاقة الفندق فى الأول من ديسمبر 1910، كباكورة فنادقها الفاخرة فى أفريقيا، وكان الفندق يحمل اسم «جراند أوتيل» «Grand Hotel»، وصممه المعمارى البلجيكى العالمى «أرنست جاسبار» ليسع 400 غرفة، إضافة إلى 55 شقة خاصة، وعشرات القاعات بالغة الضخامة. وأنفقت الشركة الكثير من الأموال على تأثيث غرف وردهات الفندق بأفخم وأرقى المفروشات حينها على طرازات ملكية فرنسية، بينما وضعت فى القاعة الكبرى قطع أثاث ضخمة، وتحف من الكريستال كانت الأضخم فى عصرها، وتحاكى الطراز الشرقى. وتبلغ مساحة القاعة الرئيسية حوالى 600 متر مربع، تم فرشها بسجاد شرقى فاخر، ووضعت بها مرايا من الأرض إلى السقف، ووضع فيها 22 عموداً إيطاليا ضخماً من الرخام، فيما بلغ ارتفاع قبة القاعة الرئيسية للفندق 55 متراً من الأرض، وكان فى الجهة الأخرى من القاعة الكبرى، قاعة طعام فاخرة تسع 150 مقعداً، وقاعة أخرى تضم عدة طاولات بلياردو، أما الأثاث فكان من خشب الماهوجنى الذى تم إحضاره من العاصمة البريطانية لندن، فيما ضمت الحجرات العلوية مكاتب وأثاثاً من خشب البلوط تم استيراده من العاصمة الفرنسية باريس، ولضخامة الطابق السفلى، ومنطقة العاملين تم تركيب خط سكة حديد صغير بطول الفندق ليصل بين مكاتب الإدارة والمطابخ والثلاجات ومخازن الطعام والعاملين. وكان معمار الفندق فريداً ما لفت إليه الأنظار بشدة، خاصة أنه كان يعتبر الأفخم فى أفريقيا والشرق الأوسط آنذاك، وأصبح عامل جذب سياحى للعديد من الشخصيات الملكية فى مصر وخارجها، إضافة إلى رجال الأعمال الأثرياء، وكان من ضمن نزلاء الفندق، مؤسس ومالك شركة «هيرشى» للشيكولاته الأمريكية الشهيرة، ميلتون هيرشى، والاقتصادى والمصرفى الأمريكى الشهير، جون بيربونت مورجان، مؤسس مجموعة J. P. Morgan الأمريكية، وملك بلجيكا ألبير الأول، وزوجته الملكة إليزابيث دو بافاريا. وقد عاصر فندق قصر هليوبوليس الحربين العالميتين، مما أدى إلى تردد العديد من الشخصيات المهمة عليه، كما تحول فى بعض الفترات من الحربين إلى مستشفى عسكرى، ومكانا لتجمع الضباط من قبل سلطة الاحتلال البريطانى فى مصر. واستخدم القصر أو الفندق الذى أصبح مهجوراً فى ستينيات القرن الماضى، بعد قرارات التأميم، كمقر لعدة إدارات ووزارات حكومية، وفى يناير 1972 فى فترة رئاسة الرئيس محمد أنور السادات، أصبح مقرا لما عرف باتحاد الجمهوريات العربية الذى ضم آنذاك مصر، وسوريا، وليبيا، ومنذ ذلك الحين عرف باسمه الحالى - غير الشائع - «قصر الاتحادية»، وفى الثمانينيات وضعت خطة صيانة شاملة له حافظت على رموزه القديمة، وأعلن بعدها اختياره المجمع الرئاسى فى مصر. ولا يقيم الرئيس مبارك فيه سوى فى أوقات العمل الرسمية، حيث يسكن الرئيس فى منزله الخاص المقابل للقصر، كما أنه لا يستقبل رؤساء وملوك الدول الأجنبية التى تزور مصر به، إلا إذا كانت الزيارات رسمية.