قد نختلف فى أمور ونتفق فى أخرى، إلا أن ما يجمع عليه الكل سواء أنصار الحكومة أو المعارضة بتياراتها المتنوعة هو أن مصر قد دخلت عصر المعالجة الرقمية من أوسع أبوابها، منذ أن تولى السيد الدكتور أحمد نظيف مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء، وهو وفريق العمل المتكامل الذى يمثل صفوة التكنوقراط فى مختلف المجالات، فكان ذلك تأصيلا للنهج الذى أقره السيد الرئيس محمد حسنى مبارك منذ أمد، والذى يرى أن الفكر السياسى لابد أن تدعمه خلفية علمية قادرة على استيعاب البعد التقنى أولا قبل اتخاذ القرار السياسى وهو ما يختصر العديد من الخطوات البيروقراطية التى عانى منها العمل الوزارى طويلا فى خطوة واحدة تجتمع لدى صانع القرار وتتراوح ما بين الفهم الواعى والإدراك الملم وصولا للقرار الصائب وهذا هو منتهى ما يسعى إليه كلٌ من صانع القرار والمواطن، على حد سواء. يأتى هذا الحديث وأنا أتابع خطوة رائدة تقوم بها وزارة الدولة للتنمية الإدارية حاليا بقيادة وزيرها الشاب صاحب الأداء النشط والمميز السيد الدكتور أحمد درويش وبالتعاون مع عدد من الوزارات والهيئات الحكومية المصرية، التى أرى أنها ستمثل نقلة نوعية فى نظم التوثيق سواء الشخصى أو العقارى أو العينى فى مصر، ألا وهى تنفيذ مشروع السجل العينى العقارى الموثق رقميا بجميع أنحاء مصر الحبيبة. قد لا يدرك البعض مدى أهمية هذا المشروع عندما يقرأ عنوانه، على اعتبار أنه نوع من الرفاهية التقنية، لكن إذا ما علمنا أنه مع تعداد مصر الذى وصل إلى 80 مليونا أو كاد وما يترتب على هذا العدد الكبير من تنوع أشكال العقارات ونظم بنائها واختلاف أنماط العلاقة ما بين البشر والمبانى، من امتلاك لاستئجار لانتفاع، وما بين ما هو سكنى وتجارى وخدمى، وما هو مخطط منها وما هو عشوائى، لعرفنا كم هو مهم أن نوجد طريقة دقيقة لرصد المنظومة العقارية والعينية المتشابكة فى مصر، والتى شهدت تطورا مهولا خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضى والسنوات العشر الأول من القرن الحالى. وللتعريف الموجز، فالسجل العينى المميكن فى المناطق الحضرية الذى يقابله فى المناطق الريفية السجل العينى الزراعى، هو نظام يعتمد على ترتيب التسجيل وفقاً لمواقع العقارات والأعيان، بحيث تخصص لكل عقار صحيفة مستقلة فى السجل تبين جميع التصرفات التى تتم عليه. ويعتبر السجل العينى ثورة فى نظام الشهر العقارى، إذ يترتب على تطبيقه تغيير جذرى فى أنظمة التسجيل القائمة، وقد أصبح من الضرورى تنفيذ نظام فعال لتسجيل الملكية العقارية يتيح إدخال هذه الثروة فى منظومة الاقتصاد القومى وتنشيط سوق التمويل العقارى مع التأكيد على تحقيق استقرار الملكية وإنهاء العديد من المنازعات وتنمية سوق الخدمات العقارية وتطوير نظم الإدارة العاملة به، وهو مشروع يهدف إلى استقرار الملكية، وتنشيط واختصار الإجراءات وتخفيف الأعباء عن المواطنين ورفع مستوى إدارة الثروة العقارية وتنشيط سوق التمويل العقارى وتكامل قواعد البيانات القومية ورفع كفاءة الشبكات الخدمية من خلال نظم معلومات جغرافية. وينفذ المشروع بالتنسيق مع عدة وزارات منها: العدل، الرى والموارد المائية، المالية، والإسكان، والمرافق، والتنمية المحلية، علما بأن بدء تطبيق نظام السجل العينى الحضرى قد استهدف مدينتى الشروق والشيخ زايد ليكونا أول منطقتين يطبق عليهما النظام الجديد فى مرحلته الاسترشادية. أعزائى القراء.. أعتقد أنه قد آن الأوان للاعتراف بأن الثورة الرقمية التى غزت العالم بقدر ما تحمل لنا من محدثات نراها غريبة، ولدى الكثير منا تحفظات على نتائجها والتى أثرت بقدر كبير على بعض من عاداتنا وتقاليدنا، إلا أن هذا الأخذ الواعى بمعطيات تكنولوجية متقدمة لخدمة إحدى أعز الثروات التى تحتضنها مصر وهى ثروتنا العقارية إنما يحسب لهذه الحكومة التى سينصفها التاريخ حتما عندما يذكر فى سجلاته مثل هذه الإنجازات. *عضو لجنة العلاقات الخارجية بالحزب الوطنى الديمقراطى أمين عام جمعية محبى مصر السلام