اختلف المشاركون فى ندوة «الأبعاد السياسية والقانونية لموضوع حوض النيل» حول اللجوء إلى التحكيم الدولى بعد الاتفاقية التى وقعتها بعض دول الحوض، وتهدد مصالح مصر والسودان المائية. فى حين اتفق الجميع على قصور الأداء الرسمى المصرى وقوة الموقف القانونى وفق قواعد القانون الدولى واتفاقيتى 1929 و1959. وبينما اعتبر معظم المتحدثين، فى الندوة التى أٌقيمت أمس الأول بالجمعية المصرية للتشريع، اللجوء إلى ورقة التحكيم الدولى مسألة لا تقلق مصر، دعا الدكتور عابدين قنديل، أستاذ القانون الدولى، إلى الابتعاد عن استخدامها بما يسلتزمها من تدابير قد تضر بأشكال التعاون مع دول الحوض. وقال الدكتور أحمد الرشيدى، أستاذ القانون الدولى، إن الإطار القانونى للقضية محسوم بالفعل، مؤكدا القصور الحالى فى الاهتمام بأفريقيا رغم التاريخ الطويل من الاهتمام، الذى بدأ منذ أيام حتشبسوت ورحلتها الشهيرة إلى بلاد بونت، مرورا بمحمد على وانتهاءً بالرئيس عبدالناصر، وقال: «كان الهدف دائما تأمين منابع النيل». وانتقد رجال الأعمال المصريين قائلا: «إنهم لا يولون وجوههم شطر الجنوب». ووجه الدكتور السيد فليفل، عميد معهد البحوث الأفريقية السابق بجامعة القاهرة، انتقادات إلى الأداء الرسمى، صاغها فى شكل أسئلة بدأها بالسؤال: ماذا لو لم يبن الجيل السابق السد العالى؟. وقال: «جميع الدول الواقعة فى حوض النيل تقع بنسبة مائة فى المائة فى حوضه، فإثيوبيا لديها 15 حوضاً نهرياً، أحدها حوض نهر النيل، فهل تفاوضنا مع إثيوبيا فى أحد أنهارها؟». وتساءل: «لماذا تفاوضنا من البداية على التسعير والبيع للمياه فى مبادرة حوض النيل؟ ولماذا لم ننظر لتجربتنا السابقة مع البنك الدولى فى بناء السد العالى عندما جعلنا الدول المانحة والبنك الدولى طرفاً فى معادلة حوض النيل ومبادرته». وأكد «فليفل» أن دول حوض النيل لا تملك حجزاً لمياهه، وقال: «النيل الأزرق يفيض هدارا لا يحجزه شىء فى حين أن النيل الأبيض يسير فى مساحة عملاقة لا يمكن فيها بناء سد أو حاجز». وأضاف: «لماذا لم تبلغنا دول المتوسط التى دخلنا معها فى شراكة بمشروعاتها فى حوض النيل؟ ولماذا يذهب رئيس الدولة إلى إيطاليا للحديث عن حوض النيل فى حين لم يزر دولة مثل إثيوبيا؟ وختم تساؤلاته قائلا: «هل هناك مخطط فى الجنوب للضغط على مصر لترضخ فى الشمال لإنفاذ مخطط الترانسفير للفلسطينيين؟ وهل يشعر المصريون حقيقة أنهم أفارقة ولماذا لا تكون هناك وزارة للشؤون الأفريقية مثلما فعلت بريطانيا وفرنسا اللتان لا تقعان فى حوض النهر». وذكر «فليفل» أن الرئيس عبدالناصر أرسل مبعوثا خاصا لرئيس ساحل العاج ليعرض عليه شراء منتجاته من الكاكاو ومنتجات أخرى بعد مماطلة فرنسا فى الأسعار، الأمر الذى دفع فرنسا للرضوخ إلى طلبات الرئيس العاجى والشراء بالأسعار المناسبة، ويوم زار الرئيس «بونيه» مصر شكر عبدالناصر فقال ناصر: «هذا لشعب ساحل العاج وليس لفليكس بونيه». ودعا الدكتور «على الغتيت» المحكم الدولى إلى استنهاض الهمم لمراجعة العلاقات مع دول حوض النيل وتقييم مكونات السياسة الخارجية المصرية لإعادة التوازن وتفادى المنحنى الخطير المتعلق بالتوجه الأخير لبعض دول الحوض بعد الاتفاقية التى وقعت فى «عنتيبى» وتضر بمصالح مصر والسودان المائية. واقترح «الغتيت» إصدار كتاب أبيض بالتحفظات المصرية على الاتفاقية الأخيرة بما يحقق الحماية واستقرار الأوضاع المائية دون أن نقف موقف الرافض فقط، لافتا إلى ضرورة الإعداد الفورى لدراسات عاجلة لاستعادة التوحد مع السودان شماله وجنوبه وحماية القطر الشقيق من دعاوى الانفصال. وقال الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة: «موقف مصر القانونى (قوى مائة بالمائة) ولا تنقصه الحجة أو البرهان، وهو ما يدفعنا إلى الانتقال إلى المفاوضات السياسية والتحركات الدبلوماسية». وحذرت الدكتورة إجلال رأفت، الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، من انفصال جنوب السودان الذى وصفته ب«الوشيك بنسبة 90%»، وقالت: «سنكون قريبا بصدد دولة أخرى تضاف إلى دول المنابع حيث يقع حوض بحر الغزال فى جنوب السودان». وأضافت: «هناك أمام سيناريو يجب أن نضعه فى الحسبان، فهناك أيضا احتمالية لانفصال ولاية فى الجنوب، ومن ثم علينا ألا نضع البيض فى سلة واحدة». واختلف الحضور على مصطلح الحقوق التاريخية فى مياه النهر حيث اعتبر الدكتور محمد شوقى عبدالعال، الأستاذ بجامعة القاهرة، مدير منتدى القانون الدولى، أن الاتفاقيات السابقة فيما يخص مياه النيل لم تنشئ حقوقا تاريخية بل كشفت عن حق موجود بالفعل. ولفت إلى أن رفض مصر الاتفاقية الجديدة التى وقعتها بعض دول الحوض يأتى لأن التوقيع يعنى تنازلها عن حقوقها المحفوظة فى الاتفاقيات السابقة. وقال: «قال جمال حمدان إن هذه الدول تشكو من إفراط المصر وهى نقطة ينبغى التركيز عليها، وتدفعنا إلى مبدأ الانتفاع المنصف لهذا الودر غير المستغل فى منطقة الحوض». واعترض الدكتور عابدين قنديل، أستاذ القانون الدولى، على فكرة اللجوء للتحكيم الدولى بما يستتبعها من إجراءات وتدابير تلزمها سنوات وآليات وقرارات قد لا نستفيد منها بالشكل المطلوب وتعطل أشكال التعاون مع دول الحوض. وقال: «الخلاف الأخير حلقة من سلسلة حلقات بدأت منذ نهاية الخمسينيات، فقد كانت هناك محاولات انفرادية من جانب إثيوبيا وصلت إلى حد تهديد مصر بشن حرب عليها أيام السادات. ودعا قنديل إلى الكف عن التلويح بخيار الحرب فى مسألة حوض النيل مشددا على إعمال الوسائل السياسية والقانونية». واتفق المتحدثون على ضرورة بناء خطة تحرك قومية توظف فيها جميع الإمكانيات مشددين على عدم وجود أى تناقض بين العروبة والإسلام والأفريقية، منتقدين الاتجاه الرسمى المصرى إلى الشمال دون الجنوب رغم تركز مصالحنا الاستراتيجية فى ربوع الأخير.