فخورة اليوم وأنا بالخارج وعلى وشك العودة إلى مصر. أحتفل بحق بنجاح العملية السياسية وعدم إجهاضها. الأيام الماضية كان الجميع من حولى، سواء صحفيين أو أكاديميين أو مواطنين أمريكيين عاديين يسألوننى: «بماذا تشعرين؟.. كيف تقرئين نتائج الانتخابات؟»، كانت إجابتى واحدة: Awesome! ولماذا لا أشعر بسعادة بالغة وقد شاركت فى الانتخابات الرئاسية ولم أقلع أو أقاطع، وقد تم إعلان نتائجها بإحصاء تمنيته ليكون 51٪ لطرف ما وفقاً لصناديق الاقتراع، والتى كنت سأتقبل نتائجها أياً ما كانت؟ لماذا لا أسعد وأفخر بالمصريين ولم يحدث عنف رُوج له كى نخشى خطواتنا الديمقراطية الأصيلة، وكانت لابد أن تُتخذ؟ لماذا لا أحاول أن أزيد من تفاؤلى العام وقد جاءت خطابات الرئيس المنتخب محمد مرسى واحداً تلو الآخر على مدى الأيام القليلة الماضية تحاول أن تبث روح الطمأنينة فى نفوس الأطراف المختلفة؟ فالشعور العام لدىَّ وأنا فى الخارج وكأننا فعلاً نستعيد الأيام الأولى للثورة حين كانت أعين العالم علينا. كانت الأسئلة فى حينها: هل ينجح المصريون فيما شرعوا لإتمامه؟ هل يصمدون؟ هل بعدما يُسقطون الرئيس ويطالبون بإسقاط النظام، يستطيعون أن يبنوا شيئاً ما؟ هل يكون الجديد أفضل؟ أم أن «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية» تتقلص مع التغيير بدلاً من أن تتحقق وتتزايد؟ أسئلة كثيرة على الرئيس الجديد محمد مرسى أن يضعها نصب عينيه. فرغم عفويته العامة، نظراً لكون الأمر كله جديداً عليه، ورغم تكراره الجمل والعبارات وهو يحاول أن يرتجل الحديث ولا يقرؤه قراءة، بل إنه ربما نظراً لهذه العفوية والتكرار، وليس بالرغم منهما، هناك شىء ما فى إلقاء مرسى يجعلك تشعر ب«الطيبة» و«التواضع» فى كونه «مستجداً» فى عملية إلقاء الخطاب! ولسبب ما، كون الأمر «جديداً» عليه، يجعلك تود له أن ينجح وألا يخفق. أقول هذا على هامش خبرتى الأكاديمية فى تحليل الخطاب السياسى الأمريكى للرؤساء كلينتون وبوش وأوباما ومن جاءوا قبلهم ومن سيلحقهم! حيث إدراكهم أن كل كلمة نطقوها أو أغفلوا عن نطقها تُحسب لهم أو ضدهم ومن ثم استعداداتهم بطاقم إعلامى يقيس الصدى السياسى لكل حرف ينطقونه بميزان من ذهب. ولكن كى أقيس درجة تفاؤلى كان علىَّ أن أقارنها منذ بداية إجراء الانتخابات بتشاؤم الآخرين كى أتأكد ما إن كنت أبالغ. لذلك حرصت على التحدث إلى المرتابين من صعود ممثلى الإسلام السياسى عموماً، ومن المسيحيين، ومن النساء، ومن العاملين فى السياحة، ومن الاقتصاديين، ومن الأجانب الذين كثيراً ما يعطونك مؤشرات على قراءة أوضاع وطنية قد تشعرنا بأنهم ينتقدوننا ولكن عادة ما يكون فيها شىء من الصحة، نفلح لو انتبهنا لها وعالجنا القصور كيلا يتفاقم - حين تحدثت إلى كل هؤلاء وجدت أنهم بعد يوم أو يومين من الصدمة الأوليّة لسماع النتائج بدأوا تدريجياً يشعرون بالارتياح النسبى والتفاؤل ذى الحيطة. وبذلك تأكدت لدىَّ منطقية الشعور الإيجابى حتى الآن، فالعملية السياسية تأخذ مجراها، ومعها اللاعبون السياسيون الأساسيون الثلاثة: المؤسسة العسكرية، المؤسسة الرئاسية، التى يعتليها رئيس جاء على خلفية جماعة دينية دعوية محافظة مثل جماعة الإخوان المسلمين، والتيار الاجتماعى ذو الطابع التقدمى التحررى المنفتح والثورى الفكر. مؤسستان وتيار. ربما يُدرك الجميع لماذا على هذا التيار أن يُبلور نفسه حتى لو كان هذا يعنى أنه يتطلب عشرات السنين كى يتحول هو الآخر من «تيار» أو «حركة اجتماعية» إلى قوة سياسية يؤسَّس لها institutionalized. تستطيع أن تنافس وتُفرز رئيساً يفوز بانتخابات مقبلة. بذلك تتكرر قصة حركة الإخوان المسلمين نفسها، التى بدأت بكونها تياراً اجتماعياً غيّر من أوجه الحياة الاجتماعية فى مصر، سواء بالصالح أو الطالح، حتى صار هذا التيار حزباً بل حزباً قدم مرشحاً، وفقاً لظروف عديدة ومعقدة فاز فى انتخابات رئاسية عامة. الآن ألتفت لعبارات قليلة من خطاب مرسى فى الهايكستب والذى عكس تحسناً تدريجياً فى الإلقاء من خطاباته الأولى: فقد قال عن علاقتنا بالخارج «نسالم من يسالمنا ولا نسمح لأحد بأن يعتدى علينا»، وفى حديثه عن الشرطة، وفى عبارة ربما عكست إحساساً شخصياً قال: «لا أريد أن أنظر خلفى أبداً، ولا أنظر ولا أنتم أسفل الأقدام وإنما ننظر أمامنا دائما»، وعن الاقتصاد وعلاقته بالأمن قال: «قمة الأولويات أن يطمئن الناس للأمن والاستقرار. حين يطمئن الناس إلى ذلك سوف ينتجون». وأخيرا قال: «هذا يوم يشهده العالم معنا والغد أفضل إن شاء الله»، لعل الأمر كذلك، ولعلنا جميعاً من مواقعنا من مختلف الأطياف السياسية نسعى لأن يكون الأمر كذلك، بأن نحافظ على تعدديتنا الفكرية وكذلك قدرتنا على التعاون فى آن. [email protected]