التوقيع على اتفاقية «سايكس بيكو»

على أثر فشل هرتزل فى الحصول على تسهيلات من السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى لإقامة وطن لليهود فى فلسطين رغم الإغراءات الكبيرة والتخويفات الأكبر فقد تكالبت عليه أوروبا لخلعه وقد كان لهم هذا وما إن تم خلعه حتى تجددت الرغبة ذاتها بقوة وتزايد النشاط الصهيونى فى فلسطين.
وفى 1908، وبسبب ضعف الدولة العثمانية كانت الدوائر الأوروبية كلها تتربص برجل أوروبا المريض لاقتسام تركته وتم التشاور والتحرك بقوة للإجهاز على هذه الإمبراطورية إلى أن توصلت بريطانيا وفرنسا لاتفاقية «سايكس بيكو» التى تم التوقيع عليها فى مثل هذا اليوم 16 مايو 1916 بعد الوصول للصياغة النهائية لبنودها التى ظلت سرية لفترة من الزمن، وكانت الاتفاقية تقضى باقتسام أوروبا لدول المشرق العربى فيما بينها بينما كانت نيران الحرب العالمية الأولى لاتزال مستعرة بين بريطانيا وفرنسا وحلفائها من جهة والدولة العثمانية وألمانيا وحلفائهما من جهة ثانية.
وجاءت هذه المعاهدة التى عرفت باسم معاهدة «سايكس بيكو»، نتيجة محادثات دارت بين ممثل بريطانيا سير مارك سايكس وممثل فرنسا جورج بيكو اللذين عرضا نتائج محادثاتهما السرية على روسيا القيصرية فوافقت عليها فى مقابل اتفاق تعترف فيه بريطانيا وفرنسا بحقهما فى ضم مناطق معينة من آسيا الصغرى بعد الحرب.
وبموجب المعاهدة قسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربى باستثناء شبه الجزيرة العربية إلى خمس مناطق، ثلاث مناطق ساحلية هى المنطقة الزرقاء (السواحل اللبنانية السورية وأعطيت لفرنسا)، والحمراء (السواحل العراقية من بغداد إلى البصرة وأعطيت لبريطانيا) والسمراء (فلسطين)، ثم منطقتين داخليتين رمز لهما بحرفى (أ) للمنطقة الداخلية السورية و(ب) للمنطقة الداخلية العراقية وظلت معاهدة «سايكس بيكو» سراً لا يدرى به العرب، إلى أن نشرتها الحكومة السوفيتية بعد الثورة الشيوعية سنة 1917.
وعندها سارعت بريطانيا إلى طمأنة العرب إلى أن المعاهدة أصبحت ملغاة بعد انسحاب روسيا من الحرب وانضمام العرب إلى جانب الحلفاء أما الزعماء الصهيونيون فقد احتجوا عليها لدى الحكومة البريطانية، على أساس أن تدويل فلسطين يتنافى وفكرة الوطن القومى اليهودي، فأكدت لهم أن التدويل هو مجرد خطوة مرحلية تكتيكية أملاها موقف فرنسا وروسيا، اللتين كانت لهما مطامع عديدة أيضا فى فلسطين، وأنها أى بريطانيا ستعمل لإلغائه، الأمر الذى أكده فعلا صدور تصريح «بلفور».