فى قرية «ألفنتين» جزيرة تقع فى نيل أسوان، ولد محمد سيد إبراهيم أو (محمد حمام) فى 3 نوفمبر 1933، وكان أبوه ريس عمال فى ورشة الترسانة البحرية، ولذا أراد محمد حمام أن يكون مهندساً، فأبوه الصارم يصير ليّن الجانب أمام إصرار ابنه الذى قرر أن يكون مهندساً يمنح أباه القوة فيكون هو أبوالباشمهندس، لكن جنسيته السودانية تعارضت مع البيروقراطية المصرية فلم يتحقق حلمه، لكن الكاتب فيليب جلاب هون عليه الأزمة وقال له: «يمكن أن تكون مهندساً بأن تلتحق بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة»، التى تخرج فيها حمام عام 1967 وبسبب نشاطه السياسى اعتقل وأودع معتقل المحاريق فى الواحات وخرج منه مطربا. ومشوار حمام لم يبدأ من الأغنية التى كتبها له الأبنودى «يا بيوت السويس» ولم يقتصر عليها رغم ما حققته له من شهرة واسعة، فقد سمعه لويس عوض حينما كان معه فى نفس المعتقل فتحسر وقال: «لولا الظروف لأرسلتك إلى الأكاديمية الموسيقية فى فيينا»، وفى نفس المعتقل تحمس له حسن فؤاد الذى رعى موهبته وشجعه على الغناء لرفاق المعتقل، فلما احترف الغناء غنى من ألحان محمد الموجى وإبراهيم رجب، وغنى من أشعار الأبنودى وعبدالرحيم منصور ومجدى نجيب. وفى حفل أقيم فى سينما قصر النيل عام 1968 خرج الموجى على الجمهور ليقول: «كما هى العادة وضمن هوايتى فى رعاية البراعم الجديدة وتقديمها، وكما قدمت من قبل أصواتاً جديدة أقدم لكم اليوم صوتاً جديداً، صوت بلدنا الأستاذ محمد حمام»، وخرج حمام على الجمهور فى تباطؤ ويده فى جيبه لا من قبيل التعالى أو الغرور ولكن من قبيل الارتباك، وغنى حمام «راجعين إحنا لحبايبنا.. راجعين إحنا لبيوتنا.. راجعين إحنا يا بلدنا.. راجعين للبر التانى.. وراجعين لبلد الحبايب».. حمام فى تلك الفترة غنى للقدس أيضاً وبعد النكسة.. فقال: «اخرجوا بره بيبان الهزيمة.. واعبروا صحراء العذاب والفرس.. واثبتى يا البيوت القديمة.. وقومى من تحت الجراح يا قدس». ولا يعلم كثيرون أنه فى رحلة مبكرة من عمر محمد حمام كان شارك مع الفنان القدير الراحل محمد رضا فى مسلسل اسمه «الأفريكى» لعب حمام فيه دور الفتى الأفريقى وكان من نجوم المسلسل سعيد أبوبكر وسعيد صالح وعبدالسلام محمد وسيد زيان وصلاح السعدنى، ومثل حمام أيضاً فى فيلمين هما «ظلال على الجانب الآخر» و«أغنية على الممر» وفيلم «فى العشق والسفر» إخراج هانى لاشين وبطولة حنان ترك، كما أنه شارك فى نحو 200 مهرجان دولى. وكان حمام بعد خروجه من المعتقل سافر إلى الجزائر وعمل هناك مهندسا معماريا ثم سافر إلى فرنسا وبقى هناك خمس سنوات، فى باريس، حقق فيها شهرة واسعة وسط الجالية العربية لكنه لم يجن ثروة من وراء هذا إلى أن عاد إلى مصر. وكانت شركة فرنسية سجلت لحمام أسطوانات صمم غلافها الفنان عدلى رزق الله، وفى عام 1998م كان قد داهمه المرض وظل ملازما له فى السنوات السبع الأخيرة من حياته، ومثلما تنقل بين السجون تنقل بين المستشفيات، إذ أصيب بجلطة فى المخ وتوقفت ذراعه اليسرى عن الحركة وأصيب بشلل نصفى فى الجانب الأيسر، فذهب «كعب داير» إلى مستشفى الهرم ثم عين شمس التخصصى ثم مستشفى مصر القديمة ثم أسوان للعلاج الطبيعى، ووقع فى الحمام وتعرض لكسر فى عظمة الساق المشلولة فعادوا به للقاهرة ودخل مستشفى فلسطين وأجريت له جراحة وتم تركيب شريحة له، وخرج لبيت أخيه فى المهندسين ثم إلى بيته.. وفى منزله كان يساعده شاب اسمه أحمد وقريبته صباح وليس له أبناء، وإنما له أشقاء هم مصطفى وعبدالعزيز وأحمد، ومصطفى هو الذى لازمه، وعبدالعزيز فى باريس، وأحمد يقيم فى أسوان كما كان له أصدقاء كثيرين فى الوسط الفنى وعلى رأسهم الأبنودى الذى كتب له معظم أغانيه وصاحب النصيب الأكبر فى شهرته. وكان طاهر البهى تبنى حملة من خلال مجلة الكواكب لإنقاذ حمام، وهاتف الفنان عادل إمام وزير الصحة الذى استجاب، واتصل به عادل إمام وإبراهيم نصر ومصريون فى الخارج وكان المذيع مفيد فوزى قد أثار مشكلة حمام، وصدر قرار بعلاجه على نفقة الدولة وكان يزوره هانى لاشين. وعلى أثر حملة البهى اتصل عادل إمام بالكواكب وبمحمد حمام ثم تكلم مع وزير الصحة لاستصدار قرار بالعلاج على نفقة الدولة واستجاب إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق على الفور، كما استجاب فاروق حسنى وزير الثقافة على الفور، وكان قد شمل حمام بمنحة تفرغ. ومن الفنانين الذين حرصوا على متابعة حالته المنتصر بالله والسيدة جيهان حفيدة عقيلة راتب وبعد سبع سنوات من المرض توفى محمد حمام وفى نفسه حسرة من أهل الفن، فلم يهتم به أحد من أصدقائه الفنانين سوى من ذكرناهم هنا ولم تهتم به نقابة الموسيقيين التى لم تعتبره عضواً رغم أنه كان لديه ما يثبت عضويته. ول«حمام» محاولات شعرية كثيرة قام شقيقه مصطفى بجمعها فى كتاب ضم كل ما كتب عنه فى حياته وبعد وفاته. لقد ظلم حمام حياً وميتاً وتعرض تراثه الغنائى للظلم أيضا فلا تذاع له أغنية واحدة، ولم يعرض أى من الأفلام التى شارك فيها، ورغم عمق إيمانه بهذا الوطن فإنه حُسب على قائمة الفنانين اللاعبين بنار السياسة. توفى حمام فى 26 فبراير 2007 وحسب وصيته فقد نقل جثمانه إلى أسوان ليدفن إلى جوار والدته بعد الصلاة عليه فى مسجد جمال عبدالناصر.