«لا ألهث وراء شعبية، فما أقوم به هو جزء من واجبى، وسعيد بالقيام به..» مقولة قالها رجب الطيب أردوغان، رئيس الوزراء التركى، وهو من الشخصيات التى أكن لها إعجاباً وتقديراً عظيماً، شدنى إليه ما قرأته عنه، نشأ أردوغان فى أسرة فقيرة، كان يبيع البطيخ والسميط وهو فى المرحلة الابتدائية ليعاون والده على توفير مصروفات تعليمه، انخرط فى العمل الحزبى السياسى فى سن مبكرة، وانضم إلى حزب يسمى السلامة الوطنية كان قد تم تأسيسه بزعامة السيد أربكان عام 1972 والذى تم حظره فيما بعد، وظل عضواً فى حزبى الرفاه ثم الفضيلة اللذين شكلهما أربكان إثر موجات الحظر التى كانت تطال أحزابه، وفى عام 1985 أصبح رئيساً لفرع حزب الرفاه الوطنى فى إسطنبول، أما العلامة الفارقة فى حياته السياسية فقد حدثت عام 1994 عندما فاز وعمره أربعون عاماً برئاسة بلدية إسطنبول، والتى حقق فيها نجاحات مثيرة وتمكن من انتشال البلدية من حالة الإفلاس، واستطاع سداد ديونها للبنوك والتى بلغت، وقتها، نحو مليارى دولار، وقفز بقيمة الاستثمارات لقرابة 12مليار دولار، واستطاع أن يحول المدينة الكبيرة إلى مدينة فى غاية النظافة، كما تمكن مجلس البلدية برئاسته من تحقيق إنجازات فى تحسين أجور العمال ورعايتهم صحياً واجتماعياً، وقضى على مشكلة انقطاع المياه وخلق مئات البقع الخضراء فى المدينة. ويبدو أن تمويل حزب الرفاه كان موفوراً، فقد قدم أردوغان إعانات نقدية ومواد غذائية وملابس للفقراء والمحتاجين من أهالى المدينة فى المناسبات الإسلامية على الأخص شهر رمضان، وكان يذهب بنفسه على رأس فريق العمل لمتابعة توزيع تلك الإعانات. اكتسب أردوغان شعبية كبيرة وحباً جماهيرياً فى إسطنبول، ولكن هذا الحب لم يشفع له عند اتهامه بالتحريض على الكراهية الدينية عندما ردد أحد أبيات الشعر التركى فى خطاب جماهيرى والذى يقول: «مآذننا رماحنا والمصلون جنودنا»، فكان أن تم سجنه ومنعه من العمل فى وظائف حكومية، ولما تم حظر حزب الفضيلة بقيادة زعيمهم أربكان بسبب انتمائه للتيار الإسلامى، قام أردوغان وعدد من الأعضاء بالانشقاق على الحزب المحظور وتأسيس حزب العدالة والتنمية، والذى حرص أردوغان على أن يدفع عنه شبهة استمرار أى صلة أيديولوجية مع أربكان وتياره الإسلامى، وقد قال فى هذا الخصوص: «سنتبع سياسة واضحة من أجل الوصول إلى الهدف الذى رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر المعاصر فى إطار القيم الإسلامية التى يؤمن بها 99% من مواطنينا». واستطاع حزبه فى خلال فترة قصيرة أن يحصل على الأغلبية الكافية، الأمر الذى جعل حزبه يشكل الحكومة منفرداً ولكن برئاسة صديقه عبدالله أوغلو بدلاً منه حيث كان لايزال خاضعاً للمنع القانونى من العمل السياسى، لم يستسلم الطيب أردوغان وخاض معارك دستورية وقانونية انتصر فيها وتم إسقاط المنع القانونى عنه ومن ثم تولى رئاسة الوزراء. فى رأيى أن رجب الطيب رجل يحسب على التيار العلمانى، فالعلمانية الحقيقية لا تتعارض مع الديانات، تأسيساً على أن الدين لله والوطن للجميع، فعندما اتهمه الرئيس التركى السابق أحمد سيزر ب«محاولة أسلمة كوادر الدولة العلمانية» رد عليه الطيب بحدة قائلاً إنه «من حق المؤمنين فى هذا البلد أن يمارسوا السياسة» أياً كانت الديانة التى يؤمنون بها، واليوم، يخوض الطيب أردوغان وحزبه كبرى معاركه لإقرار إصلاحات دستورية تزيد من صعوبة حظر الأحزاب السياسية، وتقلص دور المؤسسة القضائية والجيش فى شؤون السياسة الداخلية والخارجية، وهى إصلاحات ضرورية للوفاء بمطالب الاتحاد الأوروبى الذى تسعى تركيا للانضمام إليه. ويبقى سر الشعبية العظيمة لهذا الرجل والحب الجارف له من الناس فى تركيا موجوداً فى صفاته التى اتصف بها من حبه للعدالة وصراحته وتواضعه وبساطته وشجاعته وعاطفته الجياشة تجاه الضعفاء، وتميزه بالنزاهة والأمانة ونظافة اليد واقترابه من الناس، ول«الطيب» مواقف شجاعة وشريفة كثيرة ضد الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين لا يتسع المجال لذكرها.. مواقف أقرب إلى مواقف الفرسان فى الزمن الجميل لا ساسة العصر الحديث، من يقرأ عن هذا الرجل لا يملك إلا أن يحبه.