لعل تواضعه وسماحة وجهه أهم ما يلفت نظرك له، عندما نسير فى الشارع سوياً يتهافت الناس للسلام عليه، ويبذل هو كل جهده لإبداء الاهتمام، ولذا إذا أردت أن ترى التواضع يسير على قدمين، فانظر لأبى، ورغم علاقتى الوثيقة به إلا أنه كثيراً ما يتحدث معى طالباً منى قراءة شعره دون أن يعلم أننى أقرأه منذ سنوات طفولتى دون أن أعلن له عن ذلك، فى أحد الأيام ظل يلح على فى القراءة واستغلال الوقت، فأسمعته شعره فدهش وصمت وخبأها لى، إلى أن كان يوماً كنا فيه أنا وأمى وشقيقتى نور بصحبته فى دبى فى حفل ضخم لدعم فلسطين وجمع التبرعات لها. كان الحفل يضم الكثير من العرب يتقدمهم الفلسطينيون وكنا نجلس وسط الحضور فى القاعة نستمع لشعر يلقيه أبى، كان عمرى وقتها 16 سنة، فجأة وجدته يطلب منى الصعود للمسرح وإلقاء قصيدة «القدس». نظرت له باسمة ظناً منى أنه يهرج معى، ولكن نظرته كانت حاسمة لا هرج فيها، فصعدت وكانت ساقاى تتخبط فى بعضهما البعض. بدأت فى إلقاء القصيدة كانت أبياتها تقول: القدس قدس يمامة صيف فى غيتها تطير وتجيلى بأشواجها وغيتها فاكرانى من يد صيادها أنا أغيتها فاكرانى صوت الأدان الحى فى حطين ومخبى فى ضلوعى جلبك يا صلاح الدين شايل صراخ اليتامى ولوعة المساكين فاكرانى كفن الشهيد وخيمة اللاجئين وأول الأتقيا وآخر الهاربين يومها ومن شدة رعبى لم أسمع تصفيق الناس جريت على القاعة حيث تجلس أمى وشقيقتى، ولكن وسط كل هذا استطلعت وجهه فلمحت به نظرة إعجاب ربما أو يجوز نظرة فخر. هذا هو أبى الذى يبهرنى بإبداعه كما يبهرنى بعلاقته بالبشر. فكرت كثيراً فيما أحب أن يكون فى شريك حياتى من أبى، فوجدت تلك الثقة فى علاقته بأمى، إنها ثقة تمنحك القوة لمواجهة أمواج الحياة، وتفتح لك الطريق لقلب الشريك تكمن فيه وتستأنس بالأمان. ولذا دائماً ما أرددها.. قلب الأبنودى مساكن شعبية. آية عبدالرحمن الأبنودى