لا أعرف من أين أبدأ فالحديث عن الأبنودى هو السهل الصعب، ولكن دعونى أصفه لكم بعين زوجة عاشرت الإنسان وسكنت إليه. دوما يملؤه الأمل فى الغد يؤكد لى أن لا شىء يدوم للأبد، وأن كل معوقات النجاح الطبيعى لابد أن تنتهى وتزول فى يوم ما، فمن الصعب أن نتقدم إذا كانت الأمور تدار تبعا للأهواء الشخصية. ولذا فإيمانه بالغد لا يتزعزع، يردد دوما أن هذا الغد لابد أن يأتى وأن يكافئ، من مازال على قيد العطاء، ولعل هذا ما يفسر قدرة الأبنودى على تحمل المضايقات ومحاولات النيل منه بصبر وشجاعة يدعمهما إيمانه وقدر موهبته وحب الناس له والتفافهم حوله والدفاع عنه. أذكر تشاركنا فى تقديم برنامج «أيامى الحلوة» على قناة المحور الذى حكى فيه ذكرياته، كان الأبنودى بجوارى يساندنى إيمانا بنهال المذيعة. وكان أحد أسباب نجاحنا فيه أنه كرجل صعيدى كان على راحته مع زوجته يضحك ويحكى دون تكلف، وأنا أيضاً. أتذكر سنوات زواجنا الأولى حينما انزعج الكثيرون سواء من جانبى أو جانبه من علاقتنا. القريبون منى اعتقدوا أننى تسرعت وأننى تعرضت لعملية غسيل مخ، والقريبون منه ظنوا أنه يمر بمراهقة الرجال المتأخرة لارتباطه بفتاة صغيرة السن. لكنهم لم يعرفونى ولم يعرفوه. لقد تزوجنا عن قناعة كاملة على الرغم من الخلافات الفكرية لكل منا ولكن من قال إن الحب يعنى التطابق؟ لقد أوجد الحب بيننا صيغة مشتركة للتواصل فى الحياة، ودعَّم تقاربنا إنجابنا لابنتينا «آية ونور» الإضاءة الكبرى التى أثرت حياتنا ومنحتنا ذلك الهدوء الذى ننعم به، إلى جانب أن بنا طبائع مشتركة أهمها عدم التكالب على الحياة، كل ما نحلم به أن نؤدى عملنا على أكمل ما يمكن ومن هنا تأتى السكينة. أما قضية السن فلم أشعر بها يوما لأن للأبنودى روحاً وثابة شابة تزداد نشاطا بمرور الزمن، فكل منا يجد فى الآخر ما يفتقده. لا فرق بين الأبنودى فى المطبخ، والأبنودى الذى يجلس ليكتب قصيدة أو سيناريو عمل فنى. هو يعتبر أن كليهما إبداع لابد من الإجادة فيه. لذا تجده يطهو شوربة العدس بنفس الإجادة التى يكتب بها قصيدة. الاثنان فى النهاية لا يختلفان. ونحن أسرته نحب طعامه الذى يطهوه لنا كما نحب شعره الذى نتذوقه بكل إحساس. أحد أسرار الأبنودى هو الإخلاص فى الصغيرة والكبيرة. وحين أجلس وأستمع لقصيدة له أو أقرأها تصيبنى الدهشة هل هذا الرجل هو ذاته الذى يطبخ لنا ويزرع شجرة بيده فى حديقة المنزل؟ كيف يحمل هذا الصفاء والتركيز النادرين؟ ولكن الإجابة فى عبقرية الأبنودى أنه يمتلك القدرة على الفصل بين الإنسان والشاعر وهذه قدرة لا تتاح للكثيرين. فقد تعرض هذا العام لأزمات صحية كانت مخيفة فى بعض الأحيان، ولكنه تقبلها بصدر رحب وروح مرحة، يتعالى على ألمه ويرفض بإصرار أن يزعزع مرضه استقرارى أنا وابنتيه، حتى لو اضطر لإخفاء حقيقة ما يعانيه عنا. وليس بغريب أن أعترف أننى و«آية ونور» بتنا نفصل أيضا بين الأبنودى الشاعر والأبنودى الزوج والأب. فحينما يكتب نبتعد وحينما يلتف الناس حوله ونرى الحب فى عيونهم له نشعر بالفخر وكأن هذا الرجل العظيم ليس هو ذاته الذى يحيا بيننا. وأعتقد أن ما أبدعه الأبنودى مؤخرا يعبر عن مرحلة شعرية جديدة تماما، ف«التناتيش» و«الأنابيش» و«الطقاطيق» وغيرها هى قوالب جديدة عليه تؤكد أنه قادر على استحداث قوالب جديدة وأن لديه الكثير الذى لم يقله بعد. فالأبنودى ثائر لديه القدرة على تغيير وتجديد حياته بصورة فذة، ينتقل من مرحلة لأخرى وكأنه يقلب صفحات كتاب. حينما يشعر بالاختناق من شىء أو شخص ما ينهى العلاقة، وقد حدث ذلك مع البعض لمجرد إحساسه بأن هناك تضييقاً أو لعباً على الحبال. هو يفعل ما يشعر به مهما حاولت أن تكبح جماح تلك المشاعر. وكثيرا ما أفزع من أفكاره السياسية وأحاول كبح جماحها لكنه يدور من خلفى ويكتب ما يشعر به وينشره فأسلم أمرى لله وأقول: «إنه الأبنودى». لا تنقطع عن الأبنودى زيارات الأصدقاء القدامى ولا الجدد فى الإسماعيلية، لا يشكو الوحدة ولا يبخل بشىء على تلك الصداقات ولكنه من الممكن أن يرتد آلاف الكيلو مترات لو شعر فى لحظة واحدة بأى نشاز ويصبح من الصعب إعادته لساعات الوصل والصفاء الأولى. بالنسبة لى هو مؤسسة كبيرة بلا موظفين لا تتبع حزباً أو تياراً، تنتج لنا إبداعا متواصلا وهى مفتوحة للجميع يدخل لها الأصدقاء ويخرجون دون أن يعطل عملها علاقتنا به. فهو رب بيت يقدر المسؤولية ويحملها بأكملها وعينه على كل صغيرة وكبيرة، ورغم صعيديته فإنه ديمقراطى يسمع لابنتيه ويسمح لهما بالسفر والمعرفة والتمتع بكل ما حرم منه صغيرا. هو صعيدى بالمعنى الإيجابى للكلمة يحمل عناصر الأصالة والشهامة والكرم والنخوة والغيرة على أصدقائه وأحبابه.. ببساطة يعيش الأبنودى حياة جادة بطريقة بسيطة ومرحة وهو ما انعكس على شخصياتنا أنا وابنتينا. لن أتحرج فى القول إننى أتمنى أن يكرم الأبنودى عالميا فهو يستحق ذلك وعن جدارة. وأحلم الآن بعد علمى بمجىء المذيعة الأمريكية «أوبرا وينفرى» لمصر فى شهر يونيو المقبل أن يحدث لقاء بينها وبين الأبنودى، أتخيل الحوار بين ذلك الصعيدى من الجنوب المصرى المحمل بثقافة وعراقة حضارة 5000 عام، وتلك التلقائية الشهيرة ذات الجذور الأفريقية التى يتابعها ملايين الجماهير. سيكون هذا أسهل طريق لتحقيق حوار الحضارات الذى فشلنا فيه حتى اليوم. نهال كمال