عادة ما ينسى التاريخ أبطالاً وهبوا حياتهم ومالهم من أجل استقلال مصر، لكثرة الأحداث والأسماء والتواريخ، أو بحكم الزمن والذاكرة التى لا تجعلنا نتذكر من ساهموا فى استقلال وطننا الحبيب، ويمتلئ الكفاح المصرى ضد الاحتلال الإنجليزى بأبطال مجهولين وضعوا اللبنات الأولى لثورة 1919، ويأتى الدكتور «عبدالعزيز عمران» على رأس هؤلاء الأبطال. ولأن أحفاده أدركوا الدور الكبير الذى لعبه جدهم، من أجل المساهمة فى استقلال مصر، ولأن التاريخ عادة لا يذكر كل الأبطال الذين يكون هدفهم دائماً هو التضحية بكل شىء من أجل الوطن، بدأ أحدهم البحث عن كل شىء يتعلق بجده الأكبر وتاريخه وتضحياته. كان الدكتور سامح الجنيدى، يستمع منذ صغره من جدته «سعاد عبدالعزيز عمران» عن دور والدها فى محاربة الاحتلال الإنجليزى ونشاطه السياسى وانضمامه إلى الحزب الوطنى، وكانت «الجدة» تحكى بشغف وحماس عن كفاح والدها، وبعد وفاتها تجددت الحكايات على ألسنة والده اللواء «سعيد الجنيدى» وعمه المهندس «مصطفى الجنيدى»، واستطاع بالبحث أن يحصل على «جواز السفر العثمانى» لجده د. عبدالعزيز عمران، والمختوم بأختام ألمانية، وبمساعدة أصدقاء له يجيدون اللغة الألمانية تأكد من صحة المعلومات التى كانت «الجدة» تحكيها له بأن والدها تم إبعاده من قبل الاحتلال الإنجليزى عن مصر وسافر إلى ألمانيا وكان يعامل هناك كلاجئ سياسى. وفى لقاء خاص ل«المصرى اليوم» مع أحفاد الدكتور عبدالعزيز عمران كشفوا عن تاريخ كفاح جدهم ضد الاحتلال الإنجليزى، واستعادوا ذكرياتهم معه وهم أطفال. وقال المهندس مصطفى الجنيدى، الذى شارك فى حربى 1956 و1967: «وُلد جدى الدكتور عبدالعزيز عمران عام 1882 بشبين الكوم، والتحق بمدرسة الطب وكان زعيم الطلاب وقتها، ومنذ شبابه سعى لاستقطاب أهالى المنوفية والإسكندرية، التى كان يعمل بها فى علاج المرضى، وتعرف على الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد، وانضم إلى الحزب الوطنى وأصبح من كوادره المتحمسة لاستقلال الوطن، وتم اعتقاله أكثر من مرة على يد الاحتلال الإنجليزى». أضاف المهندس مصطفى: «جدى حكى لى أن مصطفى كامل، مات مسموماً على يد الإنجليز، بعد أن أعطوا له عصا مسمومة كهدية بحيث إن السم انتقل إلى يديه، لأنه كان مشهوراً بتوكئه على العصا، وقرروا إبعاده عن مصر وسافر وقتها إلى النمسا وحصل على شهادة الدكتوراه من هناك، ثم سافر إلى ألمانيا بعد ذلك، وهناك كان يعالج الزعيم محمد فريد فى المنفى، ويساعده فى دعوته بالخارج والاتصال بالألمان أثناء الحرب العالمية الأولى، للمساعدة فى حصول مصر على استقلالها ودفع وقتها سنوات كثيرة من النفى والعنصرية ومحاولة توفير لقمة عيش لزوجته وابنتيه (سعاد وصفوت) ورفض أن يتسلم ميراث عائلته وكان نصيبه 23 فداناً تنازل عنها لشقيقه مقابل رعايته لأسرته فترة إبعاده عن مصر». وبعد وفاة الزعيم محمد فريد وظهور دستور 23 وحصول مصر على الاستقلال الصورى، قدم طلباً للعودة إلى مصر، وعاد إلى الإسكندرية وكانت له اتصالات قوية ببعض الزعماء مثل مؤسس باكستان، محمد على جناح، وشقيقه شوكت على جناح، الذى زاره فى الإسكندرية وعندما عاد إلى باكستان قال: إن موائد المصريين تستطيع أن تطعم شعب باكستان بالكامل. ويكمل مصطفى الجنيدى: «فى الإسكندرية ساهم فى تأسيس جمعية الشبان المسلمين فى شقة بعمارة الملك سنوسى، وشاركوا فى عمليات ضد الإنجليز، وكانت تربطه علاقة قوية بالأمير عمر طوسون الذى ساعده فى تأسيس مستشفى الشاطبى، وتولى إدارة مستشفى المواساة، وبعد فترة عاد إلى مسقط رأسه فى شبين الكوم، وارتبط بعلاقة قوية مع الدكتور سعيد مبارك، وكان كل همه علاج الفقراء والفلاحين والمساهمة فى تعليم المرأة وتثقيفها وأرسل ابنتيه إلى المدرسة، حتى نالتا الشهادة الابتدائية وكان وقتها شيئاً نادراً فى هذا الوقت، حتى توفى عام 1947». وتأثر المهندس مصطفى الجنيدى منذ صغره بالدور الوطنى الذى لعبه جده لدرجة أنه فى إحدى المرات وهو طالب كان يراجع مادة التاريخ وجاءت سيرة الإنجليز وكان الإنجليز مركزين على الاحتلال التركى، فقال له جده الدكتور عبدالعزيز عمران: «يا بنى التاريخ اللى انت بتدرسه ده غلط.. الإنجليز اللى كتبوه، ماتكتبش إلا اللى انت مقتنع به وتسقط أحسن»، وكانا هذه هى الشرارة التى جعلته يصمم على أن يستمر فى الجيش بعد ذلك.