إذا كان الزعيم الوطنى مصطفى كامل، الذى ناضل ضد الاحتلال الإنجليزى، صاحب المقولة الشهيرة «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»، هو محامى الشعب، فإن الدكتور عبدالعزيز عمران، شريك مصطفى كامل ومحمد فريد فى النضال، هو طبيب الشعب، فضلاً عن أنه واحد من الجنود المجهولين فى تاريخ هذا الوطن. ولن تجد ل«عمران» ذكرا إلا شذرات متناثرة بين المراجع والكتب مثل مذكرات محمد فريد وخطاباته المنشورة، وحكايات أخرى متفرقة وغير مجمعة أو متماسكة، توارثها الأبناء والأحفاد فى الصدور، فهى مصدر لفخرهم واعتزازهم مهما طال الزمن ومهما تعاقبت السنوات. عندما التقى مصطفى كامل وأحمد لطفى السيد وعدد من الوطنيين بمنزل محمد فريد، وتم تأليف «جمعية الحزب الوطنى» كجمعية سرية كان هناك طبيب شاب، آنذاك، تربطه علاقة صداقة ب«محمد فريد».. جلس إلى جوار مصطفى كامل، وطرح أفكاراً لاقت استحساناً من الحضور وجرى الاتفاق على ضرورة نقل القضية إلى الرأى العام الأوروبى، وسافر أحمد لطفى السيد بالفعل إلى أوروبا والتقى بعض المصريين هناك، وبعد عودته كتب تقريراً عن رحلته, قرر فيه أن مصر لا يمكن أن تتحرر إلا بمجهود أبنائها. وكان مصطفى كامل، لسان حال الجمعية، فسافر إلى بعض الدول للدعاية للقضية المصرية واستقلال مصر، غير أنه أدرك حقيقة مهمة كما أدركها لطفى السيد، هى أن أسلوب الدعاية للقضية المصرية فى أوروبا لا يكفى لحدوث الاستقلال، وأن العبء الأكبر يقع على عاتق المصريين أنفسهم، وعليهم نقل ما يجرى فى مصر وما يفعله الاحتلال إلى الرأى العام هناك. وسافر مصطفى كامل إلى برلين فى نطاق حملة سياسية ودعائية ضد الاحتلال البريطانى، وأصبح من الأسماء المصرية اللامعة فى أوروبا، وتعرف على الصحفية الفرنسية الشهيرة «جولييت آدم» التى فتحت صفحات مجلتها «لانوفيل ريفو» ليكتب فيها، وقدمته لكبار الشخصيات الفرنسية، فألقى بعض المحاضرات فى عدد من المحافل الفرنسية وزار الدول العثمانية وعدداً من دول أوروبا. كان حادث دنشواى محطة فارقة فى مسار القضية المصرية عام 1906، والتى أعدم فيها الاحتلال البريطانى عدداً من الفلاحين المصريين أمام أعين ذويهم بعد محاكمة صورية برئاسة بطرس غالى باشا، رئيس الوزراء، فكانت حادثة بشعة ارتكبها الإنجليز أججت مشاعر الوطنية والإحساس بالظلم فى نفوس المصريين. وكان مصطفى كامل يعالج من المرض فى باريس فقطع رحلة العلاج وسافر إلى لندن وكتب مجموعة من المقالات العنيفة، ضد الاحتلال والتقى فى لندن رئيس الوزراء البريطانى، الذى عرض عليه تشكيل الوزارة غير أنه رفض العرض وفى الوقت نفسه كان الدكتور عبدالعزيز عمران، يعالج الجرحى ويواسى المنكوبين فقد رأى أن من واجبه أن يداوى جراح أهل دنشواى. وهذه كانت عادته دائماً، أن يداوى ضحايا الاحتلال والمناضلين مجاناً، فقد كان يرى أن هذا واجب عليه ألا يتخلى عنه. وظل «عمران» عدة سنوات يداوى جراح الزعيم الوطنى محمد فريد فى المنفى، وعندما لقى حتفه أصر الدكتور عمران على أن يحمل جثمان فريد إلى مصر كى يدفن فيها، وفى أعقاب وفاة مصطفى كامل، انقسم الحزب الوطن إلى جناحين الأول بقيادة محمد فريد ومعه الدكتور عبدالعزيز عمران، والثانى بقيادة الشيخ عبدالعزيز جاويش. وبحسب الكاتب الإنجليزى آرثر سميث، فإن من أهم الأشياء التى كانت تميز الحزب الوطنى القديم هو العمل الاجتماعى فى مجال الصحة وهذا ما كان يركز عليه الدكتور عبدالعزيز عمران.