أنا على يقين أنكم مثلى، تشعرون أحيانا بالزهق من أحاديث السياسة وألاعيبها، ومن أخبار اعتصامات لا تعيرها الحكومة اهتماما، ومن قضايا الفاسدين الذين ينهبون ثروات البلد بشكل فاجر ويوزعونها على الأبناء والأصدقاء والمحاسيب!.. على أن الزهق من كل هذه الأشياء لا يعنى التوقف عن التعاطى معها.. أبداً!.. فقط، أشعر بأن من حقكم علىّ أن نأخذ بين حين وآخر استراحة قصيرة، لنستنشق معا هواء نقيا، لم يلوثه فاسد أو لص!.. من واجبى تجاهكم أن نتوقف أمام نماذج ناصعة، تعكس المعدن الطيب لأبناء هذا الوطن، لذا سأحدثكم عن.. عمرو الليثى!.. أعترف بأنى تأخرت فى الكتابة عنه، وبأن ما دفعنى اليوم إلى ذلك هو شعورى بأن الليثى لم يأخذ حقه فى التكريم، بعد فوزه بجائزة اليونسكو فى التنمية البشرية. لم ألتق مع عمرو إلا مرة واحدة بشكل عابر فى أحد المؤتمرات، لكن فوزه بتلك الجائزة أثلج صدرى بدرجة شعرت معها بأننى الفائز وليس هو!.. تابعت أخبار ترشحه وترقبت باهتمام مراحل التصفيات، تطمئننى قناعة عجيبة بأن الليثى سيتوج فى النهاية فائزا.. وقد كان! بالنسبة لى يمثل هذا الفوز انتصارا لجيل يحفر فى الصخر، ليحقق ما نحلم به من تغيير.. على الأقل فى مجال عملنا!.. كان بمقدور عمرو أن يكتفى بقعدة الاستوديو المكيف، وارتداء ثياب المصلحين الاجتماعيين أو الزعماء السياسيين، وهاتك يا وعظ وخطابة وتنظير واستعراض للعضلات والكرافتات.. لكنه لم يفعل ذلك رغم سهولته ومغرياته، بل اختار النزول بكاميرا برنامجه الرائع (واحد من الناس) ليكون بصدق بينهم، يتجول فى القرى الفقيرة وفى الأحياء العشوائية المحرومة من مقومات الحياة الآدمية، ينقل الواقع بلا تهويل، مستندا إلى مهنية حقيقية وهدف نبيل يتمثل فى وصول صوت الغلابة إلى ولاة الأمور! لن تكفى هذه المساحة لأعدد الحلقات التى بدّلت أحوال كثير من المواطنين إلى الأفضل.. ولن تكفى كل علامات التعجب (والغيظ!) إزاء ما تردد عن رغبة مسؤولين كبار فى إلغاء الفقرة الإنسانية التى يتضمنها برنامج ( واحد من الناس)!.. تحدث معى أحد الزملاء حول هذه النقطة، فأشار إلى تفهمه رغبة هؤلاء المسؤولين.. قال لى: معهم كل الحق، فتلك الفقرة بالذات تساهم فى سقوط ورقة التوت عن حكومة الحزب الوطنى، وتبرهن على فشلها الذريع فى توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لرعاياها!.. معه حق! لم أكن متابعا جيدا للتليفزيون المصرى أثناء سنوات طويلة قضيتها فى الخارج، وما كنت أشاهده بالصدفة، لعب دورا كبيرا فى بقاء حالة (صد النفس) كجدار عازل بينى وبين شاشته!.. لكن شيئا من الأمل كان يلوح أحيانا، بواسطة برامج هادفة مثل برنامج (اختراق) الذى غاص من خلاله الليثى فى دفاتر مجهولة، وقدم لنا أشكالا ممتعة من التحقيقات التليفزيونية عن شخصيات شهيرة وحوادث تاريخية.. باختصار شديد.. رفع هذا الرجل قامة الإعلام المصرى عالية فى اليونسكو، وأزاح عنه بعض ما يغطيه من غبار الفشل! [email protected]