عاجل.. النفط يهبط بأكثر من 6% بعد هجوم إيران على قاعدة أمريكية في قطر    تركيا تبرم اتفاقية مع الأونروا لاستضافة مكتب تمثيلي للوكالة بأنقرة    تشكيل باريس سان جيرمان الرسمي أمام سياتيل ساونديرز    أحمد مصطفى "بيبو" مديرًا فنيًا للجونة.. تعرف على مشواره التدريبي    سعر الدولار أمام الجنيه مساء الاثنين 23 يونيو 2025    مجلس الشيوخ يستعرض حصاد الفصل التشريعي الأول بحضور وزير التواصل السياسي    أزمة في ليفربول بسبب محمد صلاح    النيابة تكشف تفاصيل حريق نشب بسبب مشاجرة بين البائعين في حدائق القبة    تأجيل محاكمة 35 متهمًا في قضية "شبكة تمويل الإرهاب الإعلامي" إلى 26 يوليو    القوات المسلحة الإيرانية: لن ندع أي اعتداء على أراضينا دون رد    طائرتان تابعتان لسلاح الجو الألماني تقلان 190 مواطنًا من إسرائيل    وزير الخارجية الفرنسي يطالب بضرورة وقف الهجمات على إيران منعًا للتصعيد    "حقوق إنسان النواب" تطالب بتعزيز استقلالية المجلس القومي وتنفيذ توصيات المراجعة الدولية    رغم اعتدال الطقس.. شواطئ الإسكندرية تحتفظ بسحرها وتواصل جذب المصطافين    وزير الثقافة يختتم زيارته في سيناء بلقاء موسع مع شيوخ القبائل وأعضاء البرلمان    تامر عاشور يصل المغرب استعدادا لإحياء حفله بمهرجان موازين    صندوق النقد: مخاطر أوسع على النمو العالمي بعد الضربات الأمريكية لإيران    اعتراضا على رفع رسوم التقاضي.. وقفة احتجاجية لمحامي دمياط    الخميس 26 يونيو إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالقطاع الخاص    الداخلية: ضبط 5 قضايا مخدرات خلال حملات أمنية في أسوان ودمياط    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 5 أشخاص مرتبطين ببشار الأسد    «الظهيران».. طرفان بلا أنياب في الأهلي    فيلم "المشروع X" يواصل التألق 117 مليون جنيه في 5 أسابيع    سامو زين يستعد لبطولة فيلم رومانسي جديد نهاية العام | خاص    وظائف شاغرة في الهيئة العامة للأبنية التعليمية    ليكيب: سان جيرمان يغلق الباب أمام رحيل باركولا رغم عروض بايرن وأرسنال وتشيلسي    رينار: حققنا هدفنا في الكأس الذهبية.. وهذا ما يفتقده المنتخب السعودي    حوار - جوزيه يتحدث عن غضبه من مدير الكرة بالأهلي وعروض الزمالك.. ورأيه في كأس العالم للأندية    نقيب المحامين يشارك في الوقفة الاحتجاجية لرفض زيادة الرسوم القضائية.. ويؤكد: ندافع عن حق دستوري يتعلق بالعدالة    انطلاق مؤتمر الوعي الوطني للشباب تزامنًا مع ذكرى 30 يونيو الإثنين المقبل    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    بعد نشر "أهل مصر".. محافظ المنوفية يوجه بصرف مساعدات مالية لفتاتين يتيمتين من ذوي الهمم    انتهاء رفع أنقاض "عقار شبرا المنهار".. ولا ضحايا حتى الآن | فيديو وصور    السيسي يُعلن تدشين مقر جديد للمكاتب الأممية الإقليمية بالعاصمة الجديدة    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ الوادي الجديد فرص الاستثمار في المخلفات    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    وزير الثقافة يفتتح قصر ثقافة نخل بشمال سيناء لتعزيز الدور التنويرى    سامو زين يستعد لطرح ميني ألبوم جديد    مجمع البحوث الإسلامية في اليوم الدولي للأرامل: إنصافهن واجب ديني لا يحتمل التأجيل    ما هي سبب بداية العام الهجري بشهر المحرم؟.. المفتي السابق يجيب    محافظ الدقهلية يفاجئ مستشفى السنبلاوين ويبدي رضاه عن الأداء    عبدالغفار: مصر حريصة على ترسيخ شراكات أفريقية مستدامة في المجال الصحي    تناول هذه الأطعمة- تخلصك من الألم والالتهابات    في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة    مي فاروق تحيي حفلا بدار الأوبرا مطلع يوليو المقبل    دعاء الحفظ وعدم النسيان لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحان    وفاه شخص وإصابة آخرين إثر انفجار فى وحدة تكرير صينى بمصنع بنى قره للزيوت بالقوصية فى أسيوط    محافظ أسيوط يؤكد أهمية متابعة المحاصيل الزراعية وتقديم الدعم الفني للمزارعين    وزير التعليم العالي يضع حجر الأساس لمركز أورام الفيوم    المجموعة الخليجية بالأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار التصعيد بالشرق الأوسط    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    علاج 1632 مواطنا بقافلة طبية بقرية بالشرقية.. مجانا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    احتفاء رياضى باليوم الأوليمبى فى حضور وزير الرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«التعذيب في مصر».. مدونة فضح الجلادين!
نشر في المصري اليوم يوم 05 - 06 - 2012

تمشية قصيرة إلى مقهى إنترنت بحي كيلوباترا بالإسكندرية عجّلت بنهاية الشاب خالد سعيد في يونيو 2010، واحتجاج مشروع لسائق ميكروباص على سباب أمين الشرطة الموجه لأخيه انتهي إلى اغتصاب السائق المعروف باسم عماد الكبير في يناير 2006.
بين القصتين أربعة سنوات وبين بطلي الواقعتين فجوة اجتماعية. لكن بينهما في المقابل رابط قوي يضعهما في سلة واحدة مع الآلاف من ضحايا انتهاكات الشرطة والتعذيب الأمني في مصر قبل الثورة.
تعد قضية الشهيد خالد سعيد، الذي توفي نتيجة للضرب المبرح على يد أفراد شرطة (حصرهم قرار الاتهام في أمين الشرطة محمود صلاح محمود والرقيب عوض إسماعيل سليمان)، نقطة فاصلة في تاريخ تعذيب المواطنين على يد قوات الأمن في مصر. فقد تحول خالد – الذي لاحقته بعد وفاته ادعاءات قاتليه التي اتهمته بالاتجار في مخدر البانجو – إلى أيقونة للاعتراض على «عنف الشرطة وممارستها للتعذيب بحق المواطنين»، وهو ما مهد لقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير التي وضعت على رأس أهدافها إنهاء «قمع أجهزة الأمن».
ولكن قبل قضية خالد وبعدها، استمرت جهود عدد قليل من الشباب المهتم بوقائع التعذيب الذي استطاع تحويل أخبار مقتل وانتهاك المعتقلين على يد قوات الشرطة من روتين يومي لا يلفت نظر أحد إلى قضايا رأي عام تضغط من أجل استعادة حقوق المُنتَهَكين، وعقاب مرتكبي جرائم التعذيب، والضغط من أجل وقف جرائم التعذيب في السجون وأقسام الشرطة.
تضم قائمة المدونين الذين وجهوا قدرًا من طاقاتهم لفضح وقائع التعذيب والانتهاك وتوثيقها محمد خالد صاحب مدونة «دماغ ماك» ووائل عباس صاحب مدونة "الوعي المصري" ومصطفى حسين الطبيب النفسي المتعاون مع مركز النديم لمساعدة ضحايا العنف والتعذيب. لكن كانت هناك شخصية واحدة كرّست وقتها وكتاباتها كلها لقضية التعذيب عبر مدونتها التي حملت اسم «التعذيب في مصر».
البداية
لم تكن خريجة كلية الألسن نهى عاطف قد تخطت الثانية والعشرين من العمر عندما قرأت تقريرًا حول تعذيب النساء بأقسام الشرطة. حمل التقرير، الذي نشر في مطلع 2006، اسم «خبرات نساء في أقسام الشرطة». تحدثت نهى عن التقرير مع أسرتها وأصدقائها وفوجئت بعدم تصديقهم لما ورد فيه من انتهاكات، مما دفعها لبدء مدونتها «التعذيب في مصر» في الثامن من فبراير في العام نفسه لتتبع حالات التعذيب وتوثيقها وإثبات حقيقة قالت «أن الناس اختاروا التعامي عنها».
كتبت نهى تدوينتها الأولى عن «حسن»، العضو السابق بالجماعة الإسلامية، الذي قالت إنه «تعرض للاعتقال المتكرر والانتهاك الجنسي والتعذيب على يد قوات الأمن. وعند خروجه على الجماعة، عاودت أجهزة الأمن اعتقاله لاجباره على العمل كمخبر لها. ولما تكرر رفضه تعرض لمزيد من التعذيب والتهديد».
قصة حسن كانت مقدمة لسلسلة طويلة من توثيق وقائع الانتهاك امتدت إلى 139 «تدوينة» في أربعة سنوات. ومن اللافت أن ما جرى لخالد سعيد في الاسكندرية وجد طريقه لمدونة نهى لتكتب عنه بعد استشهاده بأيام أربعة، وتوثق واقعة الانتهاك عبر روايات الشهود.
تحمل المدونة شعارين جرت صياغتهما ببراعة، أولهما «سلامة الأفراد مسؤولية المجتمع»، والثاني «إهانة الفرد.. إهانة للوطن».
وجهت نهى عاطف رسالتها لكل زائر لمدونتها بأنه يتحمل عبء استمرار التعذيب بوصفه فردًا في هذا المجتمع، وحرصت على «إيقاظ الزائرين على حقيقة وجود تعذيب ممنهج بأقسام الشرطة والسجون ومقار جهاز أمن الدولة»، بحسب وصفها، لتصير مدونتها وجهة لأجهزة الإعلام التقليدية كمصدر أولي لمتابعة ضحايا التعذيب في مصر.
تتذكر نهى بدايات مدونتها متحدثة عن أحداث فاصلة بالنسبة لها مثل فض قوات الأمن المركزي لاعتصام اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود ليلة رأس السنة عام 2005، ومقتل المواطنة-الفلاحة نفيسة المراكبي على يد قوات الشرطة بعد احتجازها وتعرضها للتعذيب مع عدد كبير من فلاحي قرية «سراندو» الذين قامت قوات الأمن بانتزاع أراضيهم وتسليمها لعائلة «نوار».
تحديات
واجهت المدونة في البداية عدة تحديات تتصل بصعوبة الحصول على المعلومات، خاصة وأن حركة التدوين وقتها لم تكن تحظ باهتمام يذكر، كما أن قضية التعذيب التي اختارتها الباحثة (حاليًا) في علوم الإتصال بجامعة برمنجهام سيتي البريطانية لم تكن تواجه بالرفض في المجتمع. تذكر نهى جملة سمعتها من معارف لها: «ضرب الشرطة مش عيب»، وتضيف مذكرة إيانا أن «القانون لا يعتبر التعذيب جريمة تستوجب العقاب»، حيث لا توجد تهمة في قانون العقوبات اسمها «تعذيب» بل تندرج جرائم أفراد الشرطة ضد المواطنين في الأقسام تحت تهم مثل "الضرب" أو "إحداث عاهة".
كل هذه التحديات رسمت للمدونة نهى عاطف طريقًا يبدأ بأهداف مرحلية أولها «تغيير نظرة الناس للتعذيب» بحيث لا يُعَد وصمة على جبين المعتدى عليه، بل وصمة في حق من يقوم بالاعتداء. تدلل نهى عاطف على تلك النقطة بقضية عماد الكبير، «حيث رفض السائق المُعتدى عليه التقدم ببلاغ ضد الضابط إسلام نبيه الذي قام بتعذيبه وانتهاك عرضه. حتى ضغط عليه الصحفيون الذين تابعوا القضية ومنهم الكاتب وائل عبدالفتاح، الذي التقط القضية من مدونة (دماغ ماك)».
الهدف الثاني بالنسبة لنهي كان «فضح الانتهاكات التي تشهدها مراكز الاحتجاز بالأقسام والسجون، والتركيز على التعذيب باعتباره جريمة تستوجب الملاحقة والعقاب». فالقانون من وجهة نظر نهى لم يكن قادرا على معاقبة الجناة في وقائع التعذيب، وهو الأمر الذي دفعها للجوء إلى ما تسميه «عقاب شعبي».
موسوعة الجلادين
بادرت نهى إلى تأسيس مشروع جديد أسمته «موسوعة الجلادين» ضمت فيها أسماء ضباط وأفراد الشرطة ممن ارتكبوا وقائع التعذيب. تطور المشروع سريعًا وتحول إلي موسوعة مصورة عبر موقع مشاركة الصور فليكر، واتسع بعد الثورة بمجهودات المشاركين ليضم صور ضباط بالقوات المسلحة إتهمهم المشاركون في الموسوعة بأنهم تورطوا في وقائع تعذيب موثقة.
بمرور الوقت صار للمدونة شبكة مصادر تستطيع أن تستقى منها معلومات حول وقائع التعذيب. وقد وضع هذا نهى في مواجهة تحدي أخر هو التحقق من المعلومات وتوثيقها قبل النشر. لكن من جانب آخر، نجحت مدونة التعذيب في مصر في تشجيع مدونين آخرين على الالتفات لقضايا التعذيب، وهو ما عدته نهى نجاحًا هوّن عليها ما لاقته من مضايقات أمنية، منها ما قالته ل«المصري اليوم» عن تدخلات أجهزة الامن للضغط عليها وأسرتها، مما تسبب في فصلها من عملها.
ورغم ذلك لا تجد نهى في هذه المضايقات التي تعرضت لها مشكلات تستحق الالتفات. فهي تحمد الله على انتقالها للعمل بعدة صحف عربية ومحلية، تركتها فيما بعد لاتمام دراسات عليا في الإعلام في جامعة برمنجهام البريطانية، مستفيدة من تجربتها مع الصحافة الشعبية التي خاضتها عبر مدونتها.
مشروع نهى تحمست له الزميلة الدستور في إصدارها الثاني، أثناء رئاسة الكاتب إبراهيم عيسي لتحريره، لتنقل الجريدة عن مدونتها وقائع التعذيب التي ترصدها عبر مصادرها، وعبر تعاون مدونين آخرين معها.
وأصبح النقل بابًا شبه ثابت في الصحيفة الأُسبوعية، لتنقل عنها صحف وبرامج تلفزيونية بعد ذلك، وتنجح المدونة في إعادة ترتيب أجندة أولويات وسائل الإعلام، جاعلة «التعذيب الممنهج» رقمًا هامًا في معادلة صياغة اهتمامات الرأي العام.
وصمة عار
أوقفت نهى مدونتها بعد افتضاح قضية خالد سعيد. حيث فوجئت بما استطاعت صفحة «كلنا خالد سعيد» فعله عبر استخدام شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك من تحويل قضية التعذيب إلى دافع للحشد والحركة في الشارع. تقول نهى: «وجدت أن هناك مدرسة جديدة تظهر في مقاومة التعذيب. لم يعد التوثيق ونشر الوعي كافيًا، بل صارت هناك حركة جماهيرية فاعلة. وهنا قررت التوقف وترك الساحة لمن لديه أدوات الحشد والمقاومة».
ترى المدونة أنها لم تدفع ثمنًا باهظًا مثل ذلك الذي قدمه نشطاء ضد التعذيب مثل محمد خالد ووائل عباس «اللذين تعرضا للاعتداء البدني وتلفيق الاتهامات». وهي تؤكد أن ما تعرضت له يعد «رأس مال لثروة جديدة» أفادت فيها من التجربة. حيث أن المجال بعد الثورة أصبح مفتوحًا للكتابة وفضح الانتهاكات. فقد صار المجتمع مهيئًا لرفض التعدي على كرامة المواطنين ومساندة من يتصدى للممارسات المماثلة، وهو ما ترى فيه مسئولية أكبر ملقاة على كاهل من يتصدون لهذه القضايا.
ربما لم توفق مدونة «التعذيب في مصر» في إنهاء «انتهاكات الشرطة» التي توجد وقائع عديدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير تثبت استمرارها وتواصلها. لكن تعذيب وقتل المواطنين لم يعد من الممكن أن يمر مرور الكرام بفضل مجهودات «الإعلام الشعبي» الذي حوّل التعذيب من روتين يومي إلى وصمة في جبين أجهزة الأمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.