كانت غاية من يضبط مخالفة أن يتوجه بها إلى صحفى «شريف» يفجر بها قضية رأى عام، اليوم حل الإنترنت بديلا سريعا لطرح جميع المخالفات أمام المجتمع، وعلى رأسها مخالفات التعذيب والاعتداءات البدنية على المواطنين، بعض المدونين تحولوا إلى منفذ عبور لهذه الكليبات، لكن ما زالت هذه القناة مليئة بالعوائق وما زال الإبحار فيها يمثل نوعا من المغامرة. التوثيق بالفيديو داخل صفحة «أنا اسمي خالد محمد سعيد» على شبكة فيس بوك الاجتماعية لقطات فيديو متنوعة من مظاهرات وبرامج إخبارية تناولت قصة الشاب السكندرى، الذى ما زالت التحقيقات تبحث عن ملابسات مصرعه والاتهامات الموجهة إلى مخبرين ينتميان إلى جهاز الشرطة بأنهما كانا وراء الحادث، إلا أن إسهامات أكثر من 200 ألف مشترك فى الصفحة لم تسفر عن ظهور «الكليب البطل» الذى يقطع الشك باليقين. كان أقصى ما توصل إليه البعض هو نشر لقطة تحت عنوان «الفيديو الذى قتل بسببه خالد»، إذ ذكر ناقلوه أنه تم تصويره داخل أحد أقسام الشرطة لضابط يوزع كمية من الحشيش على بعض معاونيه، لكن اللقطة التى يشوبها كثير من الغموض لم تكن مقنعة للبعض، أحدهم علق قائلا: «إزاى يكون الفيديو ده هو اللى قتل خالد الله يرحمه وإزاى الناس دى عارفة إنها بتتصور وعادى يعنى ومبسوطين»، ناشر الكليب دافع عن وجهة نظره قائلا: «لكل جواد كبوة»! فى تلك الأثناء كان وائل عباس أحد أهم ناشرى كليبات التعذيب فى السنوات الماضية يطرح القضية بمنظور آخر على موقع تويتر لتدوين الرسائل القصيرة، قائلا: «فيه ناس صوروا حادثة ضرب خالد ومش عايزين يدونى الفيديو بيقولوا لما يشوفوا التحقيقات هتعمل إيه!». الجملة نفسها أكدتها أسرة خالد، التى ذكرت أن بعض شهود الواقعة قد صوروها، لكنهم لم ينشروا تسجيلاتها بعد، وهو ما يعيد إلى الأذهان بقوة صورة كليبات مخالفات الشرطة والتعذيب، التى أتاح لها الإنترنت الظهور على الساحة فى السنوات الأخيرة. قضية عماد الكبير يقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: «بعض المعلومات الأولية التى انتشرت بعد حادثة خالد سعيد وجدت فيها بعض التشابه مع قصة نشر كليب عماد الكبير، إلا أن ظروف نشر الكليب وقتها بواسطة المدون محمد خالد كانت أفضل بكثير». قضية عماد الكبير التى يشير إليها جمال عيد الذى دافع عن بعض المدونين، الذين تعرضوا لمضايقات أمنية دارت أحداثها فى بداية عام 2006، حين تعرض أحد سائقى الميكروباص للتعذيب فى قسم شرطة بولاق، وأسفرت القضية عن حبس رجلى شرطة أحدهما برتبة نقيب، يتابع جمال عيد: «لم يكن المدون محمد خالد الذى نشر الكليب أول مرة على درجة كبيرة من الشهرة، لذا استعان بزملائه المدونين خاصة المدون وائل عباس لينشروا بالتزامن ويفجروا القضية، التى تابعتها الصحافة فيما بعد وأسفرت عن نتائج طيبة». كليبات التعذيب منذ تلك الفترة وحتى اليوم يتوالى نشر كليبات التعذيب والتجاوزات المختلفة، ولم تسجل خلال هذه الفترة حوادث اعتقال أو اعتداء مباشر بسبب نشر كليب بعينه على عكس ما شاع مؤخرا على الإنترنت مع حادث خالد سعيد، الذى يتناقل رواد الفيس بوك أن مصرعه كان بسبب اللقطة، التى نشرها من داخل قسم الشرطة، يختلف وائل عباس صاحب مدونة الوعى المصرى مع هذه الصورة، التى تروج أن نشر كليبات التعذيب يتم فى أمان، قائلا: «من قال إن نشر مثل هذه الكليبات لا يعرض صاحبه للمضايقات؟ أنا عن نفسى أتعرض للتضييق فى كل مرة أعبر منها بوابات المطار». تحوى مدونة وائل عباس أرشيفا كاملا من كليبات التعذيب وتسجيل المخالفات المتنوعة، التى حصل عليها من زوار مدونته أو بالبحث المباشر عنها. يتابع قائلا: «كنت شاهدا على ضغوط تعرض لها البعض، وكتبت فى مدونتى عن أحد المدونين، الذى اضطر إلى ترك مصر والهرب بزوجته إلى ليبيا جراء التهديدات والملاحقات التى طالته. الأجواء العامة فى مصر ليست بهذه السلاسة، حتى فى قضية خالد سعيد كل شىء بدأ بالتعتيم، وربما تكشف الأيام المقبلة عن كليبات جديدة توضح حقيقة الموقف أو إذا ما كان تعرض للقتل بالفعل بسبب حيازته على كليبات تدين رجال شرطة». تزامن نشر الفيديو الأجواء الشائكة التى تحيط بمن قرر التعامل مع الكليبات، التى تظهر مخالفات السلطات هى التى دفعت محمد خالد ناشر كليب «عماد الكبير» فى 2006 إلى اللجوء إلى زملائه حسبما يروى: «اتفقنا على نشر الكليب بشكل متزامن لينتشر بعدها الإنترنت، وبعدها أصبح الأمر يتكرر بشكل تلقائى دون اتفاق كنوع من التضامن بين رواد الإنترنت.. الحقيقة أننى اليوم أقدر المشكلة التى يتعرض لها من يملك لقطة لمخالفة ما ولا يعرف كيفية نشرها، وأؤكد أننى شاهدت لقطات كثيرة على موقع يوتيوب لتحميل لقطات الفيديو لمواطنين نقلوا ما يحدث فى الشارع من مخالفات إلى الإنترنت، لكنها لم تحقق أى نجاح، بل إن بعضهم حذفها فيما بعد». لقطات المغمورين ما يذكره محمد خالد قد تؤكده جولة مخلصة بين ربوع موقع يوتيوب، الذى يكشف عن وجود مستخدمين مغمورين يحملون أسماء مستعارة سجلوا لقطات لما اعتبروه تجاوزات فى الشارع المصرى، لكن لقطاتهم ظلت مختبئة فى الإنترنت. أحدهم نشر لقطة تحت عنوان «إلى من يهمه الأمر فى قسم الحدائق فى مصر»، هذا العنوان قد يظهر أثناء البحث على الإنترنت لكن بمجرد الدخول إلى اللقطة يكتشف الزائر أنه قد تم حذفها دون سبب واضح. شاب آخر يحمل حسابا تحت اسم dode706 نشر كليبات وقعت فى حى عين شمس القاهرى تحت عنوان «بلطجة الحكومة المصرية فى عين شمس»، تاركا تعليقا يشرح فيه الفيديوهات، التى تصور اشتباكات بين رجال الشرطة والأهالى بسبب تنفيذ قرار إزالة أحد المنازل موجها شكواه إلى السيد حبيب العادلى وزير الداخلية. التواصل مع صاحب هذا الكليب لم يسفر عن استجابة، كما لم يحقق نشر الكليب أى تأثير ىذكر. اللجوء لمؤسسات حقوقية يرى المحامى الحقوقى جمال عيد أن نشر الكليبات التى تكشف عن عنف بدنى أو وقائع تعذيب من الأفضل أن تتم عبر مؤسسات متخصصة، كذلك فهناك حل أفضل يشرحه: «هناك مجموعة من المدونين نجحوا فى تحقيق اسم ومصداقية عبر نشر لقطات التعذيب وغيرها، بإمكان من لديه مثل هذه المواد أن يتضامن مع هؤلاء المدونين، سواء اختار أن يعلن هويته أو أن يكتفى بإرسالها فقط تاركا المهمة لآخرين فى المجال الحقوقى». هذا الثقل الذى اكتسبه بعض المدونين فى السنوات الماضية يعتقد البعض أنه يمثل نوعا من الحماية لهم، لكن محمد خالد «صاحب مدونة دماغ ماك» يقول: «لا أحد يضمن حمايته من أحد، حتى إن كنت عاملا فى المجال الحقوقى، كل ما هناك هو أن سمعة بعض المدونات فى كشف بعض التجاوزات الجسيمة وتسليطها الأضواء على قضايا جديدة من نوعها، قد رسخ مصداقيتها سواء فى مصر أو فى الخارج حين نتحدث عن تجربة المدونات المصرية». البحث عن الشهرة لا يخفى محمد خالد أن هناك من حاولوا ركوب هذه الموجة بحثا عن مكاسب، حسب تعبيره: «كان ممكن تلاقى واحد جاى بيقول أنا عايز أبقى مدون مشهور..!»، لكن هذا لم يمنع أن تقوم بعض المنابر الإعلامية وبيانات وزارة الداخلية بالتشكيك فى مصداقية المدونات، بل تجاوز الأمر هذا الحد إلى أن تقوم بعض المدونات بهذا الدور الذى يشير إلى الاستفادة المادية، التى قد يحصل عليها الشخص من سمعته كمدون. يعلق وائل عباس على هذه النقطة: «أنا مثال واضح على كذب مثل هذه الادعاءات، فالرد الوحيد هو أننى كان بإمكانى أن أحصل على دعم من أى مؤسسة حقوقية عالمية وأفتتح مركزا أديره بنفسى، وهو ما فعله آخرون لم يحققوا ربع مصداقيتى أو يبذلوا الذى بذلته فى السنوات الماضية، هذا إلى جانب ما أتعرض له من تضييقات أمنية أثناء أسفارى المتكررة». يختلف أداء مدون مثل وائل عباس فى تعامله مع قضية نشر كليبات التعذيب أو غيرها من المخالفات عن مدونات أخرى أكثر تخصصا فى قضية التعذيب مثل مدونة «التعذيب فى مصر»، فبينما يعلن هو وبعض زملائه عن هويتهم، اتجهت محررة المدونة إلى الاكتفاء باسم المدونة محاولة الابتعاد عن إعلان هويتها موضحة ذلك: «السبب فى ذلك ببساطة هو إكساب المدونة مظهرا احترافيا، فالزائر لن يهتم بالناشر بقدر اهتمامه بالمادة المنشورة. التعذيب في مصر فى مدونة (التعذيب فى مصر) كل ما تقرأه هو حصريا عن هذه القضية». تعتمد مدونة التعذيب فى مصر على عدة مصادر مختلفة مثل: المنظمات الحقوقية والإعلام والمواقع والمدونات الموثوق فيها على الإنترنت، إلى جانب ما يرسله الضحايا أنفسهم. وتضيف محررة المدونة «فى البداية طبعا كان الأمر أصعب بكثير، لأن المؤسسات الحقوقية لم يكن لها وجود كبير على شبكة الإنترنت، ولم تول الصحافة اهتماما كبيرا لقضية التعذيب قبل ظهور كليبات التعذيب، خاصة كليب عماد الكبير وتصعيد قضيته، لكن مؤخرا أصبح الأمر مجهدا فهناك كثير من المواد، وهو أمر يحتاج إلى تدقيق». تشبيك مدونات التعذيب على نفس درب «مدونة التعذيب فى مصر» تأسس قبل أقل من أسبوعين موقع «التعذيب عندهم.. واحنا ضدهم»، وهو يعتمد فى عمله على نشاط مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، إذ يبرز فى أحد أركانه أرقام الخط الساخن لمركز النديم، إلى جانب إشارة من الموقع تحت عنوان «لو كنت مدونا، تقدر تساعدنا أكثر»، الذى يعتمد فيها على التشبيك مع المدونين ودعوتهم إلى رفع شعار الموقع الجديد فى مدوناتهم، يوضح مصطفى حسين مدير الموقع: «هناك لدى الكثير من المدونين مهارات جيدة فى صنع الأفلام إلى جانب رصد بعضهم لحالات تعذيب بعينها، وبصفة عامة يعمل الموقع تحت مظلة ما يسمى قوة العمل المناهضة للتعذيب، وهى مجموعة من المنظمات الحقوقية والأطباء والمحامين والصحفيين والمدونين يعملون ضد التعذيب». حسبما يذكر مصطفى حسين فإن إنشاء الموقع كان مخططا له منذ فترة ولم يكن بسبب إثارة القضية مؤخرا بعد حادث الشاب السكندرى خالد سعيد. الرصد قد يؤدي للحل بين أكثر من 14 مليون مستخدم للإنترنت فى مصر قد يتصادف أن يسجل أحدهم لقطة ترصد مخالفة من داخل خبايا المجتمع المصرى، لكن هل سيجد مثل هذا المستخدم تأييدا أو أدنى اهتمام؟ يقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: «دور الصحافة المستقلة أن ترصد مثل هذه اللقطات، التى تكشف لنا عن مشاكل فى المجتمع، وسأضرب مثالا بما حدث فى دولة المغرب حين توالى نشر كليبات على موقع يوتيوب بواسطة شخص مجهول رصد فيها فساد بعض رجال الشرطة هناك، وأثار جدلا بعدها فى الصحافة، أما فى مصر فقد كانت قضية عماد الكبير هى النموذج الأهم فى هذا المجال، الذى تسبب فى عودة العدالة للمظلوم عن طريق نشر كليب فيديو فى البداية».