العودة إلى كنف أبيه والإحساس بالدفء مع الالتفاف حول مائدة الطعام وسط والديه، أبسط - وأهم - أحلام «مصطفى». هو حلم يراود آلاف غيره، لأنهم يواجهون المعاناة نفسها التى يواجهها بعد انفصال والده عن والدته. «مصطفى» عمره 7 سنوات يرفض كتابة اسم والده بعد اسمه فى المدرسة «لم أشعر بوجوده فى حياتى.. اكتب اسمه إزاى»، ورغم ذلك هو يعبر بطفولته البريئة الصادقة عن اشتياقه الشديد لحضن والده الذى لم يره منذ سنتين قائلا: «نفسى أبوس بابا، وألعب معاه زى أصحابى». وتوضح والدته أنه على الرغم من صغر سن «مصطفى» فإنه يعبر عن مشاعره وكأنه شاب فى ال20 من عمره، مؤكدة أنها تشعر بتناقضه، فأحيانا يشعر بالحنين إليه ويشتاق إلى حضنه، ومرات كثيرة يعتبره «مات». وتضيف: للأسف أصبح «مصطفى» يحاول لفت الأنظار إليه بكل الطرق حتى ولو بالعنف مع أصدقائه وأقاربه ليصبح «محور اهتمام» الجميع. وتقول الدكتورة هيام سيد: طلقت منذ 10 أعوام، ولو عاد بى الزمن لطلقت مرة أخرى، والسبب الرئيسى لطلاقى هو عدم تحمل زوجى السابق للمسؤولية، وعلى الرغم من تحمل زوجى الثانى للمسؤولية فإن ذلك كان له تأثير نفسى سلبى على الأولاد، لأنهم رأوا فى زوج الأم صورة الأب المثالى الحنون الذى حرموا منه منذ طفولتهم . ويقول الابن الأكبر : تبدلت حياتنا منذ ترك والدنا المنزل على الرغم من أن زوج أمى حل محل أبى، ولكننا فقدنا الإحساس بالاستقرار، ويبدو أن المثل الذى يقول «قلبى على ولدى انفطر وقلب ولدى علىَّ حجر» قد تبدل هذه الأيام وأصبح «قلبى على والدى انفطر.. وقلب والدى على حجر». وتقول دينا «15 سنة»: «الطلاق كان هو الحل الوحيد والأفضل لأسرتى، فبعد دخول امرأة أخرى فى حياة والدى بدأت المشاكل تزداد، وكنت أصحو مرات كثيرة على صراخ أمى وهى تشكو من عدم اهتمامه، بينما يدعو هو عليها (ربنا ياخدك عشان أخلص منك)». وتضيف «دينا»: «بالنسبة لى أصر على النجاح لأعوض إحساسى بالاستقرار فى حياتى المستقبلية مع زوجى وأولادى» . وهنا تدخلت الأم قائلة : «كنت أتمنى استمرار زواجنا حرصاً على مستقبل ابنتى ولكن دخول امرأة أخرى فى حياة زوجى بدد كل ما كنت أتمناه». أما رانيا يوسف فتقول: «تركتنا أمى بسبب كثرة المشكلات مع أبى حول العمل والماديات، وهى تخلت عن أمومتها وضحت بنا من أجل ذلك، وأصبحت أتحمل مسؤولية البيت وإخواتى، لدرجة أنهم أصبحوا ينادونى ب«ماما». وفى النهاية أصبح المثل «يعملوها الكبار.. ويقعوا فيها الصغار». وعن مثل هذه التجارب، يؤكد الدكتور أحمد البحيرى استشارى الطب النفسى، أنها تسبب تناقضاً فى شخصية الأبناء، بسبب حبهم الفطرى للآباء وكرههم فى الوقت نفسه لتصرفاتهم، الأمر الذى يؤدى إلى عدم الثقة بالنفس والإحساس بعدم الأمان، واعتبار ذلك نهاية الكون بالنسبة لهم، مشيراً إلى أن الذكور يتأثرون أكثر من الإناث بسبب فرض تحمل المسؤولية عليهم، ويضيف: «هنا يأتى دور الفن» تعامل الوالدين مع الأبناء، فقد يختلف الوالدان فى العديد من الأشياء، ولكن يجب عليهما الاتفاق على تربيتهم تربية سليمة».