الذين شاهدوا الدكتور زكريا عزمى، على القناة الأولى أمس الأول، وهو يعرض أوراقاً وقرارات جمهورية على الرئيس، لتوقيعها، أحسوا بأن رئيس ديوان رئيس الجمهورية، كان يفعل ذلك مع مبارك، بمنطق الحب له، لا الخوف أو الرهبة من رئيس يملك كل شىء فى يده، وكانت البهجة، على ملامح وجه الدكتور زكريا، تسبق مقتضيات البروتوكول الحاكمة، وكان يبدو أمام الكاميرا، فى صورة الذى يحتفى بالرئيس، ويبارك شفاءه بصدق، أكثر مما يكون قد ذهب يضع أمامه أوراقاً وقرارات! وقد كان المشهد، فى إجماله، باعثاً على الطمأنينة لدى المصريين، بعد أن كانوا قد عاشوا أياماً استبد بهم القلق خلالها، على صحة الرجل! وكان الرئيس، وهو يتصل تليفونياً بالدكتور أحمد نظيف، ثم يسأله عن الأحوال فى مصر، ويصف الجراحة التى أجراها بأنها كانت «علقة سخنة».. كان فى هذا كله، يبدو وكأنه قاهرى يتصل بأهله فى الصعيد، ليطمئن عليهم، ويتكلم فى تلقائية، وبساطة، دون أن يتكلف فى الحديث! وكانت الاتصالات، التى أجراها الرئيس، مع رئيسى مجلسى الشعب والشورى، ثم مع عدد من الوزراء، ورئيس المخابرات العامة، تشير، من حيث أجواؤها العامة التى جرت فيها، إلى أنهم، جميعاً، يشعرون معه بالأمان،.. وإلا.. ما كان صفوت الشريف، قد عمل مع الرئيس، لأكثر من ثلاثين سنة، وهو آمن خلالها على حياته، وما كان زكريا عزمى، قد اشتغل معه، كل هذه السنين، وهو آمن على نفسه.. وما كان فتحى سرور.. وما كان.. وما كان.. إلى آخر القائمة! إلى هنا، لا مشكلة تقريباً من أى نوع.. ولكن المشكلة سوف تبدأ، حين يكون علينا أن ندرك أن ملايين المصريين الذين أكلهم الخوف على صحة رئيسهم، كانوا، فى الوقت نفسه، فريسة للهلع، مما يمكن أن يكون فى انتظارهم، بعد مبارك، أعطاه الله الصحة وطول العمر! المرافقون للرئيس فى رحلته، والمسؤولون الكبار الذين اتصل بهم، بعد أن تماثل للشفاء، وبدأ فى ممارسة مهام عمله، يشعرون بالأمان معه.. هذه حقيقة.. ولكن باقى المصريين، يا سيادة الرئيس، لا يشعرون بالأمان نفسه تجاه المستقبل، لا الحاضر.. فالصحيح أن مبارك رجل إنسان، والصحيح أنه لا يحب أن يبطش بخصومه، كما كان يفعل عبدالناصر فى لحظات الغضب.. ثم الصحيح أيضاً أن الرئيس لم يجمع 1536 مصرياً، من شتى ألوان الطيف السياسى، فى السجن، خلال 5 دقائق، كما فعل السادات فى سبتمبر 1981.. والصحيح أن مبارك لا يميل إلى الانتقام ممن قد لا يعجبه رأيهم، أو كلامهم.. كل هذا صحيح، ونبصم عليه بالعشرة، ويظل هذا كله أيضاً، هو السبب الأساسى فى قلق المصريين عليه، خلال أزمته الصحية العابرة، ويظل كذلك سبباً فى تمسكنا به، وخوفنا عليه! ولابد أننا جميعاً، نتصرف بهذا المنطلق، بينما لسان حالنا يقول: يا سيادة الرئيس، إما أن تضمن لنا أن يكون الرجل القادم من بعدك، أياً كان اسمه، من نوعيتك، من حيث ابتعادك عن التنكيل بخصومك، وإما أن تسارع بتعديل المادة 77 من الدستور، حتى إذا كان حظنا سيئاً، لا قدر الله، مع الرئيس القادم، كان أمامنا أن نتحلل منه، بعد فترة ولايته الأولى، أو الثانية على أقصى تقدير! ولابد أن المنطق، ومعه العقل، يقولان يا سيادة الرئيس، بما أنك لا تملك ولا تضمن أن يكون رئيسنا من بعدك بعيداً عن بطش عبدالناصر، أو مكر السادات مع الخصوم، وبما أنك لا تملك هذا، فلا خيار إلا أن تتعدل المادة 77، بحيث تنص على أن تكون فترة بقاء الرئيس فى منصبه، مدتين فقط لا ثالثة لهما، كل مدة أربع سنوات، لا خمسة أعوام ولا ستة! هذا هو سر تمسكنا بتعديل هذه المادة، ولا يوجد سر غيره، ولا يرضيك يا سيادة الرئيس، أن يأتى من بعدك ديكتاتور، ونضطر، فى ظل بقاء المادة 77 على حالتها الراهنة، التى تسمح ببقاء الرئيس فى منصبه مدى حياته، إلى أن نلبسه طول العمر!