ليس بدعة أن يكون للنظام أبناء يرعاهم ويدللهم ويسبغ عليهم النعم ألواناً وأشكالاً!.. طبعاً النظام معذور، لأنه ببساطة يرى فى هؤلاء أذرعه الطويلة وظهره المتين.. لكن المصيبة أن النظام مُصرٌ على رعاية جميع أبنائه، الصالحين منهم والطالحين.. وإلا بماذا نفسر الحماية المعنوية التى منحها لمحمد إبراهيم سليمان عقب خروجه من الوزارة؟!.. كيف نفهم أن يُمنح المذكور وساماً رفيعاً رغم غرقه لشوشته فى بحر من الشبهات؟!.. طيب.. دعنا من سليمان باشا!.. أىّ شيطان سوَّل للنظام الصمت على كُتّابه الملاكى الذين يحاولون تلطيخ سيرة الدكتور محمد البرادعى بحكايات مخجلة ومضحكة من نوع جنسيته المزدوجة وعمالته لأمريكا؟!.. هل يصدق النظام أن من وسائل تحسين صورته أن يسمح لأحزاب الأنابيب بالتطاول الوقح على البرادعى؟!.. أسئلةٌ عديدة يزدحم بها رأسى فى كل مرة يبرهن فيها نظامنا على تمسكه بالفاسدين والمنافقين والمهرجين!.. فى بعض الدول الشبيهة بمصر يلجأ النظام أحيانا إلى غسل يديه بالتضحية بابن أو ابنين من السيئين، خاصة قبل موسم الانتخابات.. أما عندنا فالنظام بارٌ بأبنائه فى كل المواسم !.. الأمثلة لا تحصى، لكنى سأكتفى، لضيق المساحة، بمثالين! الأسبوع الماضى تناولتُ واقعةَ قيام وزير التعليم العالى الدكتور هانى هلال بطرد الدكتور محمد السعدنى أثناء اجتماع للجنة التعليم فى مجلس الشعب.. نبهنى أحد القراء الأفاضل إلى أن الصفحة المجاورة لمقالى تحمل خبر قرار الوزير بإنهاء ندب الدكتور السعدنى كرئيس لمدينة مبارك للأبحاث العلمية!.. فى تلك اللحظة زاد شعورى بالراحة لاستخدامى وصف (صاحب عزبة) فى تفسير ما قام به الدكتور هلال!.. يومها أيضا تلقيتُ عدة اتصالات من أساتذة جامعيين، دارت كلها حول معارك خاضها الوزير بطريقة كمسارى عصبى فى أتوبيس مزدحم!.. وأخرى تبرهن على خشيته من ترك منصبه، وتوجسه الشديد إزاء تميز أى شخصية داخل الوزارة.. أعادنى أحدهم إلى حكاية الدكتور هانى الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث، الذى استبعده الوزير من الحصول على جائزة الدولة التقديرية بعدما رشحه جميع أعضاء اللجنة المانحة للجوائز! تزامنت واقعة الدكتور هانى هلال فى مجلس الشعب مع واقعة أخرى مشابهة، نشرتها (الدستور) يوم الخميس الماضى.. البطل فيها كان الدكتور نصرالدين علام، وزير الرى والموارد المائية، الذى اتهم مزارعى محافظة كفر الشيخ بسرقة مياه الرى من الأراضى المستصلحة!.. كان الوزير يتحدث فى مؤتمر شعبى، ولم يكن يتخيل أن يسمع رداً على اتهامه.. لكنه كان مخطئا!.. وقف الفلاح الفصيح (عبدالوهاب كرسون) ليؤكد للوزير أن فلاحى مصر شرفاء وليسوا حرامية، وأن السبب فى أزمة مياه الرى هو الوليد بن طلال!.. لم يتحمل الوزير الهمام فصاحة كرسون، ولم تسعفه أعصابه المتوترة إلا بعبارة (اتكلم بأدب مع الوزير!).. على الفور أمر اللواء أحمد زكى عابدين، محافظ كفر الشيخ، باستدعاء الأمن وطرد كرسون من المؤتمر! يعتبرنا النظامُ بلداً متحضراً، ويسهب كتبتُه فى البرهنة على ذلك.. لابأس.. دعونا نوافق على سبيل الجدل ليس إلا!.. طيب يا نظامنا المتحضر، لو حدثت هاتان الواقعتان فى بلد متحضر لسارع رئيس الحكومة المتحضر بتقديم استقالته مصحوبة ببيان يعتذر فيه للشعب المتحضرعن فعلة الوزيرين.. فهل ستبرهن لنا على تحضُّرِك أم على برّك غير المحدود بأبنائك؟! [email protected]