الاسم: أرض الجمعية، ضاحية من أشهر ضواحى إمبابة وأكثرها تميزاً، استوطنها متوسطو الدخل لنظافتها وحسن تقسيم شوارعها وبعدها عن العشوائية، لكن فى زمن أهل الثقة وفاقدى البصيرة، يصير النظام فوضى، والجمال قبحاً، ويسقط أهالى ضاحية أرض الجمعية من علياء الثقة بالنفس إلى منتهى الإحساس بالامتهان، بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة، غارقين فى تلال من القمامة، لا يعرفون من أين أتت؟ وكيف أتت؟ ولماذا تركت؟ لا يعرفون ما إذا صاروا جزءاً من القمامة، أم صارت القمامة جزءاً منهم؟ لا يعرفون لماذا يدفعون فاتورة نظافة - لا تقل عن 9 جنيهات شهرياً مثلهم مثل أرقى المناطق رغم أن ضاحيتهم تزداد اتساخاً يوماً بعد يوم؟ حتى إن جميع الطرق التى كانت تصل هذه الضاحية بالخارج قد تحولت لجسور من أكوام القمامة، اعتاد الناس السير عليها ذهاباً وإياباً، فمثلاً، من جهة النيل هناك شارع اسمه (مصنع الكراسى)، أهم مداخل هذه المنطقة يصل طوله لأكثر من كيلومتر، ومع ذلك لا يوجد فيه صندوق قمامة واحد، ولا عامل نظافة إلا فى شهر رمضان، وعلى الرصيف الممتد وسط الطريق، أكياس متراصة من القمامة، وعلى جانبى الشارع: أهرامات أخرى منها استثمرها رعاة الأغنام، كغذاء مجانى يملأون به بطون قطعانهم من الخراف والماعز، ويترددون للظفر به يومياً فى مآدب بذيئة الصورة مهينة لآدمية الإنسان، لأن هذه القطعان التى تتغذى على كل هذه القذارة، يتم بيعها وذبحها بعد ذلك، ليأكلها الناس بلا هناء ولا شفاء، أما عن مدخل المنطقة من الطريق الدائرى، فحدث ولا حرج، لأنه عن طريق شارع يسمى بشارع القومية العربية، وهو اسم على غير مسمى، فرغم اتساعه وكونه الشريان المهم الذى يصل أرض الجمعية خصوصاً، وإمبابة عموماً، بأنحاء القاهرة الكبرى، تحول لعائق فظيع أمام الناس، يستنزف وقتهم، ويثير أعصابهم، ويعطل مصالحهم، لما فيه من انفلات يعز على الوصف، فهذا الشارع العجيب الرهيب المريب يتم إصلاحه منذ سنوات كثيرة، ومن خلال هيئات كثيرة، مرة باسم تركيب مواسير للمياه، وثانية باسم توصيل الكهرباء، وثالثة لتركيب المجارى ورابعة للرصف، وخامسة للبنية التحتية والبنية الفوقية والبنية الجانبية والبنية الأمامية.. إلخ، ورغم كل هذه الإصلاحات المزعومة، فلايزال الشارع فى أسوأ حالاته، ولا أبالغ إذا اعتبرته أسوأ شوارع محافظة الجيزة على الإطلاق، لكونه مفعماً بالحفر الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وأوناش ثابتة ومتحركة وتكاتك أكثر من البشر وميكروباصات وباعة جائلين وأرصفة عامة مملوكة لأصحاب المحال وأكوام من القمامة المنتشرة فى كل شبر من الشارع وحيوانات نافقة وروائح كريهة وبلطجية من أشباه البشر ولا وجود لرجل مرور واحد، شارع أقل ما يوصف به، أنه شارع متعثر متعذر مرتبك، غير قابل إلا للتطاحن، حتى إن المرء قد ينجح فى المجىء من الإسكندرية للقاهرة فى ساعتين، بينما قد يقف فى هذا الشارع اللعين ضعف المدة، والخلاصة أن مخارج ومداخل أرض الجمعية، لا تليق حتى بعبور الحيوانات، والمنطقة نفسها تزحف عليها القمامة تدريجياً، والمدهش والمخيف أنه لا يتحرك أحد ولا يشعر بالمأساة أحد والمدهش والمخيف أن هناك كوارث بيئية تقع وأمراضاً تنتشر وقذارة تستشرى وحرائق تندلع وقد يأتى يوم يصعب السيطرة عليها، ولا حياة لمن تنادى، وكأن هناك عمداً فى الإضرار بالناس وإلحاق البلاوى بهم مع سبق الإصرار والترصد، كأن هناك عمداً فى الاستمتاع برؤية القافلة تسير والكلاب تنبح، كأن هناك عمداً فى ترك الكوارث تقع أولاً، ثم يتم التحرك بعد فوات الأوان، كأن هناك من له مصلحة فى أن ينشغل الناس بما يفرض عليهم، وليس بما يجب التفكير فيه فعلياً، وإلا بماذا نفسر ترك الناس فريسة لكل هذه القمامة؟ ولماذا تركت هذه المدة حتى صارت تعبر عن نفسها ليس فى منطقة أرض الجمعية فحسب بل على أرض مصر كلها، ليس فى المناطق الفقيرة فقط بل والغنية أيضاً؟ بماذا نفسر تكليف شركات أجنبية بالقيام بعمليات نظافة القاهرة، ثم إظهار فشل هذه الشركات فى المهمات التى أوكلت إليها؟ ومن يتحمل نتيجة هذا الفشل؟ ومن المستفيد الأول من توقيع العقود معها؟ ثم من المستفيد عندما يتم الفسخ؟ وبالمناسبة أقول لمحافظ الجيزة، أعلم أن لديك من الخبرة ما يعينك على النائمين فى العسل، وسبق أن فتحت آذانك وقلبك لحل الكثير من المشاكل، فمتى تزور هذه المنطقة المنكوبة لتقف على حقيقة المهزلة التى يعانيها الناس، أقول لك أيضاً: ضع بين يديك مشكلة هذه الضاحية، التى تتجرد من ثياب حسنها يومياً، حتى تعرت من كل شىء إلا من ثوب القبح، وأدعوك لزيارتها، وأنا واثق من أنك سوف تجد ما يغضبك ويستفزك ويوجع قلبك، أنا واثق من أن أكوام القمامة ستدفعك للتساؤل مع أبناء هذه المنطقة: ما معنى أن يدفع المواطن فاتورة خدمة لا تقدم إليه؟ وفى حالة الإصرار على فرضها، ألا يمكن اعتبارها إتاوة تفرض على الناس باسم القانون؟ ما معنى أن يدفع المواطن 9 جنيهات نظير رفع القمامة، ليجد نفسه قد غرق فيها؟ وإلى متى ستظل تدفع؟ وما مصير المبالغ التى سبق أن دفعت، ولم يستفد المواطن منها؟ وإذا كانت الشركة الإيطالية الموكل إليها عمليات النظافة قد توقفت منذ فترة لأسباب معينة، فإلى من كانت تسدد فواتير القمامة؟ وأين أنفقت؟ طبعاً لم أكن أقصد من هذا المقال فصل الخاص عن العام، أو شغل القارئ بما لا يهمه، بل على العكس، أطلقت الخاص وأردت به العام، وتحدثت عن مشكلة منطقة بعينها هى فى الواقع مشكلة مصر كلها، لأضيف لجملة المدن التى غرقت فى دوامة القمامة، مدينة أخرى، كانت بالأمس عروس إمبابة، ثم انضمت اليوم إلى مجموعة المدن التى امتلأ وجهها بالتجاعيد. [email protected]