فى ساقية عبدالمنعم الصاوى ننظم لقاءات للنكتة لاقتناعنا بأن الضحك فى حد ذاته مفيد، وبأن الكثير من النكات لها معانٍ عميقة وتأثيرات إيجابية. بعضها كالأدوية ممتدة المفعول، كلما تذكرتُها أضحك من كل قلبى، ومنها النكتة التالية: الشيطان بَدَا عليه الضيق الشديد وأخبر أصدقاءه أنه قرر الهجرة من مصر، التفوا حوله بقلق بالغ يسألونه عن السبب، بامتعاض شديد قال: هل تنكرون أنى أنا من علمتكم الغش والتزوير والنفاق والكذب والسرقة والتربح والرشوة والاستغلال؟ ويستطرد: أسستم الشركات ودخلتم مجلس الشعب، وأصبحتم وزراء ومحافظين وكُتَّابًا لامعين.. امتلكتم القصور وشاليهات مارينا والعين السخنة وحسابات سرية فى سويسرا.. طبعًا نسيتم دورى فى هذا كله، وإلا فما تفسيركم للوحة التى يعلقها كل منكم وراء مكتبه: «هذا من فضل ربى»؟! تمت النكتة، ولكنه لم يرحل، بكل أسف نجحوا فى إقناعه أنهم يستخدمون هذه اللوحة لدفع الاتهامات التى تلاحقهم. بارك الله فى مبتدع هذه النكتة التى تحاول تذكير الناس بأن الفضل لله وحده. خلق الله آدم وحواء كما يعتقد أغلب الناس، واختار لهما كوكب الأرض وطنًا. تكاثر بنو آدم، وَكَوَّنُوا مجتمعات تطورت وتعقدت وتشابكت وتناثرت، حتى أصبحنا اليوم فى بداية القرن الواحد والعشرين، نجنى ثمار تعاون البشر وَتَأَلُّق المبدعين منهم، كما ندفع ثمن الحماقات والتراث الإنسانى الملوث بالدماء والحقد وكل أشكال العدوان. أخيرًا، وجدنا الحل العبقرى الفَذَّ: لِنَتْرُكْ جميعًا أسباب الصراع ونعمل على تحقيق النهضة التى ننشدها. بدون لف ودوران أقول: إنه قد تكونت فى مصر مؤخرًا قاعدة كبيرة من دعاة ما يطلقون عليه «المجتمع المدنى»، وهو - حسب ما فهمت - مجتمع يقوم على احترام القانون، ويعيد الدين إلى المسجد والكنيسة بعد أن أخطأت الأجيال التى سبقتنا بإخراجه من دور العبادة، وكأنه مخلوق متوحش يُخشى على الناس منه، ولا مَفَرَّ من حبسه وَتَجَنُّبِ مخاطره. وعلى الرغم من أنى اقتربت منه واحتضنته، فإننى أقسم لكم: إنه لم يُؤْذِنِى أبدًا، وهو ما دعانى لمحاولة فهم وجهة النظر الأخرى: يدعون إلى تجنيب الدين والعمل بالقوانين: لِنَتْرُك الدين - الذى فتح علينا أبواب الجحيم - ونطبق القوانين التى استقرت وَتَعَدَّلَتْ مرات ومرات لتلائم حياتنا المعاصرة. وحتى لا أقفز إلى نتائج أسألهم ببراءة: ومن أين جئتم بالقوانين؟ يقولون: القوانين صاغها البشر المتميزون بالحكمة وإدراك شؤون الحياة. أقول: ومن أين جاؤوا بالحكمة؟ ولا أستشهد بنصوص سماوية حتى لا تُحسم المناقشة لصالحى قبل استكمال الحوار. عند هذه النقطة يفقد معظمهم أعصابه ويبدأ فى الصراخ فأنسحب. أما أصحاب المنطق، فأجد سعادة كبيرة فى الصبر عليهم. يقولون: القانون هو خلاصة خبرة البشر ورصدهم للحق والباطل، والخير والشر، والعدل والظلم، فأبادر قائلاً: إنكم تستخدمون كلمات الدين للتبرؤ من تأثيره على حياة البشر. من الذى عرَّف الإنسان بالخير والحق والعدل والجمال، لابد أنه أعلم منه، ولا أَعْلَمَ منه سوى خالقه، أرسل الله الأنبياء والرسل ليرشدوا الناس إلى هذه المعانى والقيم النبيلة.. هذا الإرشاد هو الدين.. ومنه أخذ الحكماء وطرحوا رؤاهم التطبيقية على شكل قوانين. القوانين التى تحكم العالم المتحضر ما هى إلا مذكرات تفسيرية للدين، ومن هنا فنحن لسنا مختلفين. طَبِّقُوا القوانين واشكروا الله عليها، فبغير نعمة الهداية التى أنعم بها علينا، لبقينا على ما سجله التاريخ لبشر يأكلون بعضهم تطبيقًا للقانون الإنسانى الأعظم: البقاء للأقوى. وأختم بكلمة السر: اطمئنوا.. أمريكا تعيش بالدين.. فمعظم قوانينها مازالت مستوحاة منه، كل حضارات العالم قامت على الدين وأسست على مبادئه القوانين. بالدين تحل المشكلات، وتخف حدة التشدد التى أعتبرها رَدَّ فعلٍ ما كان ليقع لو لم تظهر هذه الدعوة وتتصاعد. فى غياب الدين يتراجع دور الضمير فتنفتح أبواب التحايل على القانون، وما أكثرها. كلمات فرضها علىَّ ضميرى. [email protected]