ضياء داوود: التمديد للحكومة الحالية يتجاوز حدود المنطق واستقرار البلاد    وزير العمل يلتقي مُمثلي شركات إلحاق عِمالة موسم حج 2024    إطلاق اسم الشيخ محمد رفعت على المسابقة العالمية الحادية والثلاثين للقرآن الكريم    مؤتمر "العلم والإيمان" يجمع المجمع العلمى والأزهر والإفتاء والكنيسة الأسقفية على مائدة واحدة    «بنك مصر» شريكًا استراتيجيًا ومستثمرًا رئيسيًا في مشروع بالمزاد أول منصة رقمية للمزادات العلنية في مصر    البورصة المصرية تغلق تعاملات الثلاثاء على صعود جماعي بدعم مشتريات أجنبية    البورصة المصرية.. «EGX30» يتراجع وحيدًا في منتصف التعاملات    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    رئيسا البورصة المصرية والرقابة المالية يشهدان بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع    وزير الخارجية الأردني: هجوم إسرائيل على رفح الفلسطينية يهدد بمذب حة جديدة    تين هاج بعد رباعية كريستال بالاس: هذا فقط ما أفكر فيه    ضبط 4 أطنان أسماك ودواجن منتهية الصلاحية بالشرقية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    دم المصريين خط أحمر| «السرب» ملحمة وطنية تليق بالفن المصري    أمين الفتوى يحذر من فوبيا جديدة منتشرة (فيديو)    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بالقرى    الكبد الدهني.. احذر هذه الأعراض المبكرة    برلماني: الاستجابة للمقترح المصري طوق النجاة لوقف نزيف الدم    الإليزيه: الرئيس الصيني يزور جبال البرانس الفرنسية    العراق تقدم مشروع قانون لحماية النازحين داخلياً فى الدول العربية    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    الأردن.. الخصاونة يستقبل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    هل يشبه حورية البحر أم الطاووس؟.. جدل بسبب فستان هذه النجمة في حفل met gala 2024    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    أوكرانيا تعلن القبض على "عملاء" لروسيا خططوا لاغتيال زيلينسكي ومسؤولين كبار    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    وزير الصحة يتفقد مستشفى حروق أهل مصر.. ويؤكد: صرح طبي متميز يٌضاف للمنظومة الصحية في مصر    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    تريلا دخلت في الموتوسيكل.. إصابة شقيقين في حادث بالشرقية    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» تفتح الملف (1) اليهود فى مصر.. وجود بطعم الغياب

لا يمكنك وأنت تتابع مشهد افتتاح معبد «موسى بن ميمون»، والدعاوى القضائية التى رفعها يهود يطالبون فيها باستعادة أملاكهم، والمطالب المستمرة بترميم المعابد اليهودية وتحويل أحدها إلى متحف للآثار اليهودية، إلا أن تدرك هذه الحقيقة: اليهود فى مصر رغم أن وجودهم محدود وربما يكون غائبا لكنه يبحث عن الخلود.
«المصرى اليوم» تفتح هذا الملف الشائك، فى محاولة جادة لإعادة واكتشاف حقائق أوشكنا على نسيانها، ورصد تفاصيل «غاية فى الأهمية» نمر عليها «بمنتهى السطحية» وتصحيح مفاهيم خاطئة كادت ترسخ فى عقول لم تبحث يوماً عن الصواب.
«اليهود فى مصر» ليسوا مجرد مجموعة من الأشخاص يعتنقون هذه الديانة السماوية، تذهب أعمارهم إلى زوال قريب، والقضية ليست عددا من المعابد يلفها «الخراب» تبحث عمن يعمرها، و«النفوذ» لا تجسده كارمن وينشتاين رئيسة الطائفة بالقاهرة، ولا مظاهر مولد «أبوحصيرة» فحسب، لذلك سنفتش فى «التاريخ»، ونرصد «الحاضر».. ونحاول استكشاف المستقبل.
التاريخ اليهودى يعود إلى وصول أسرة «يعقوب بن إسحاق» لتلحق بالنبى يوسف هرباً من المجاعة
فى البداية يجب أن نطرح هذا السؤال: لماذا نفتح هذا الملف فى هذا الوقت بالتحديد؟! الإجابة تتلخص فى أمرين الأول هو أن اليهود فى مصر شئنا أم أبينا لهم تاريخ طويل والحقيقة التى لابد من التركيز عليها، هى أن الوضع فى مصر حتى الأربعينيات من القرن الماضى، كان فى غاية الهدوء بين كل عناصر الأمة من مسلمين وأقباط ويهود، تلك الأيام التى قام فيها «نجيب الريحانى» بتأليف وعرض مسرحية «حسن ومرقص وكوهين»، وقدم «عادل خيرى» فيما بعد مسرحية «فاطمة وماريكا وراشيل».
وقبل الأربعينيات من القرن الماضى يستحق تاريخ اليهود فى مصر أن نقف عنده قليلاً، فالوجود اليهودى فى مصر ليس وليد قرن مضى، وإنما قديم منذ الديانة اليهودية نفسها، ويرجع تاريخ اليهود فى مصر إلى أسرة «يعقوب بن إسحاق»، وهى أول أسرة يهودية هاجرت إلى مصر هرباً من المجاعة لتلحق بالنبى يوسف، الذى وصل إلى منصب رفيع فى حكم مصر، وعاش «بنى إسرائيل» فى مصر حتى خروج النبى «موسى» بهم، وقبل أن يخرجوا منها كلم الله موسى فى سيناء، وأنزل الله عليه التوراة والوصايا العشر، ورغم خروج «بنى إسرائيل»، فإن الديانة اليهودية استمرت فى الوجود ومن آمن بها على أرض مصر، حتى إنهم أقاموا لأنفسهم معبداً فى عصر الأسرة الفرعونية السادسة والعشرين بجزيرة فيلة فى أسوان، واستمروا فى الحياة حتى اليوم.
وعلى مدار التاريخ لعب يهودها دوراً لا يمكن لعاقل أن يغفله، أو يتجاهله، وبرزت شخصيات يهودية فى المجتمع لعبت دوراً لا يمكن أن يستهان به، ومن هؤلاء «قطاوى باشا» الذى كان وزيراً للمالية، ثم للنقل والمواصلات وظل عضواً فى مجلس النواب حتى وفاته، بالإضافة إلى «يعقوب صنوع»، الشهير ب«أبونضارة»، رائد المسرح، وكان يصدر صحيفة مهتمة، بل ومتحمسة للشأن الوطنى، اسمها «أبونضارة»، كانت سبباً فى إصدار الخديو «إسماعيل» أمراً بنفيه، ليواصل إصدار جريدته من هناك ويهربها إلى الداخل.
من بين الشخصيات اليهودية التى لمعت فى التاريخ المصرى، المخرج «توجو مزراحى»، و«ليليان ليفى كوهين»، الشهيرة باسم «كاميليا»، والموسيقار «داوود حسنى»، و«راشيل إبراهام ليفى»، الشهيرة باسم «راقية إبراهيم»، و«نجمة إبراهيم»، و«نظيرة موسى شحاتة» الشهيرة باسم «نجوى إبراهيم»، والتى حصلت على درع «الجهاد المقدس» لدورها أثناء حرب الاستنزاف، بالإضافة إلى المحامى اليهودى الشهير «مراد فرج»، كما يوجد العديد من الأسماء اليهودية التى لاتزال موجودة حتى الآن مثل «شيكوريل»، «شملا»، «عدس»، «ريكو»، و«بنزايون»، ومعناه باللغة العربية «ابن صهيون»!.
والأمر الثانى أن الآونة الأخيرة شهدت جدلاً كبيراً حول قضية ممتلكات الطائفة اليهودية فى مصر، والتى يتم بيعها من قبل المسؤولين عنها، والنزاع عليها بين عدد من رجال الأعمال، وهو الأمر الذى استوقفنا كثيراً وجعلنا نتساءل حول ماهية ممتلكات الطائفة، خاصة أن هناك دعاوى قضائية مرفوعة على الحكومة، وهى القضايا التى بلغ عددها حوالى 3500 قضية.
هذان الأمران هما اللذان دفعانا إلى فتح ملف «يهود مصر»، الذين كانوا فى فترة من الفترات جزءاً لا يتجزأ من نسيج مجتمعنا.
بدأنا بحارة اليهود، تحديداً معبد «بار يوحاى» الذى وجدناه مفتوحاً على مصراعيه، هممنا بالدخول، وإذ بنا نصطدم ب«رؤوف»، نظر إلينا باستغراب شديد وقال «نعم، فى حاجة؟»، قلنا له صراحة عن سر وجودنا فى حارة اليهود، فقاطعنا قائلاً: «رئيسة الطائفة مش موافقة، وبصراحة ممنوع تدخلوا أى معبد يهودى إلا بموافقتها»، وعندما سألناه عن هويته وعمله أجاب بلا تردد «مصرى وكمان مسلم والمسؤول عن المعابد فى الطائفة اليهودية».
حاولنا أن نشرح له فكرة الملف بشكل أكثر تفصيلاً، فوعدنا أن يرد علينا بعد أن يحاول إقناع المديرة «كارمن وينشتاين» وحاولنا الاتصال به على هاتفه المحمول فيما بعد فلم يستجب لنا لنسمع عبارة «الهاتف الذى طلبته قد يكون مغلقاً أو خارج نطاق الخدمة»، والحق يبدو أن «رؤوف» هو الذى كان خارج نطاق الخدمة، ويبدو أنه كان فى خدمة «وينشتاين» فقط!!.
ومن الصعوبات التى واجهتنا هى أن يهود مصر كادوا أن يختفوا أو يندثروا ، اللهم من بعض السيدات العجائز، اللاتى يعشن تحت ظلال رئيسة الطائفة فى انتظار الفتات، الذى تلقى لهم به فى أول كل شهر، حاولنا الاتصال بهن للحديث معهن فكانت الإجابة بالرفض أو التهرب، حتى إن واحدة منهن قالت لنا إنها تخشى أن تتكلم دون إذن من «كارمن» التى قد تعاقبها فتحرمها من مصروفها الشهرى!!.
ومن القاهرة إلى الإسكندرية يا قلبى لا تحزن، حاولنا الحديث مع رئيس الطائفة اليهودية هناك «يوسف جاؤون»، الملقب ب«أصغر يهودى فى مصر»، 54 عاماً، استقبلنا الرجل بترحاب عبر الهاتف، ولكنه رفض واشترط علينا الحصول على موافقة كتابية من الجهات الأمنية التى تحظر عليه الحديث. ومع ذلك فتحنا الملف فى محاولة لمعرفة حقيقة ما جرى بالضبط مع اليهود فى مصر، وهل طردوا أيام «عبدالناصر» أم هم الذين أخذوا قراراً بالهجرة إلى دول أخرى وعلى رأسها إسرائيل؟!!
ثم من هم يهود مصر؟!، هل هم قراؤن أم ربانيون، وما هى طوائفهم وجماعاتهم، وهل يقسمون أنفسهم على أساس عرقى أم دينى؟، وإذا كنا لم ننجح فى محاورة ما تبقى من اليهود فى مصر سوى الابنة الكبرى لليهودى الجميل «شحاتة هارون»، والتى فتحت النار على الكيان الصهيونى، فهل نفشل أيضاً فى الوصول إلى بعض من اليهود الذين هاجروا من مصر إلى دول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرها من دول العالم.
أما عن حدوتة ممتلكات اليهود فى مصر، والتى يطالبون باستعادتها، حاولنا أن نصل إلى الحقيقة، خاصة أن هذه الحملة يقودها اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة بالإضافة إلى إسرائيل، وهى حملة هدفها الأساسى إسقاط المطالبة بحقوق وممتلكات وأراضى الفلسطينيين المغتصبة، بالإضافة إلى حق العودة فى مقابل «حق عودة» اليهود والممتلكات اليهودية المستولى عليها من قبل العرب!.
أسئلة وعلامات استفهام كثيرة نحاول الإجابة عنها عبر هذا الملف الشائك، إذا نجحنا أن نضيف لك جديداً وأن نوصل إليك ما وصلت إليه أيدينا من معلومات فهذا كل ما نتمناه، وإن فشلنا فليبق لنا شرف المحاولة.
يحتفلون برأس السنة اليهودية مرتين فى العام
ينقسم اليهود فى مصر إلى طائفتين، الأولى هى طائفة «الربانيين»، والأخرى طائفة «القرائين»، والخلاف بينهما يتركز بشكل أساسى حول الأحكام الدينية اليومية والمناسبات، كأحكام يوم السبت والتقويم، حيث تعتمد طائفة القرائين فى تقويمها على القمر، بينما تعتمد طائفة الربانيين على الحساب، لذلك فإن رأس السنة اليهودية تختلف بين الطائفتين.
والربانيون يمثلون الطائفة اليهودية الأكبر فى مصر وفى العالم كله، ويطلق عليهم البعض اسم «التلموديون»، ويؤمن أتباع هذه الطائفة بالعهد القديم بأسفاره التسعة والثلاثين، بالإضافة إلى التلمود الذى يضم 63 سفراً وينقسم إلى قسمين: «المشناه» و«الجمارا»، ويضم شروحاً للتوراة وأبحاثاً فى العقيدة اليهودية والتاريخ الدينى والقانون، كتبها حاخامات اليهود، ويؤمن أتباع هذه الطائفة بأن التوراة التى نزلت على موسى منقسمة إلى قسمين: توراة مكتوبة وأخرى شفهية.
أما طائفة القرائين، فقد نشأت فى القرن الثامن الميلادى على يد «عنان بن داوود» المولود فى العراق، وكان معظم أبنائها من الفقراء وتركز معظمهم فى «عطفة اليهود القرائين» بالقاهرة، وكان أبناؤها يتعلمون فى المدارس المصرية، وكانت لهم صحف منها «الكليم» التى كانت مهتمة بالأمور الوطنية، واستمرت فى الصدور بين 16 فبراير 1945 و4 مايو 1957، وهم يختلفون عن «الربانيين» بأنهم يؤمنون بالأسفار الخمسة الأولى من «العهد القديم» فقط، لا يؤمنون ب«التلمود» الذى يعتبرونه من «أعمال البشر».
وتتميز هذه الطائفة بأنها كانت الأكثر اندماجاً مع بقية طوائف الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه، ولم يختلفوا عنهم سوى فى ممارساتهم الدينية فقط. ولعل مواقف هذه الطائفة بالتحديد من الصهيونية هى التى أدت بقسم الهجرة فى الوكالة اليهودية إلى التقدم عام 1949 بطلب لوقف هجرة «القرائين» إلى إسرائيل، إلا أن الطلب قوبل بالرفض.
وبعيداً عن الانقسام الدينى، فإن هناك انقساماً عرقياً، ويتلخص فى قسمين هما «السفارديم» وهم اليهود الذين أتوا إلى مصر من دول شرقية ومن إسبانيا، والمصريون الذين يدينون بالديانة اليهودية، ولا يختلفون عن أى مصرى سواء فى اللغة أو اللكنة أو الشكل أو المظهر، وكان الاتجاه العام فى هذا القسم مناهضاً للصهيونية، نتيجة اندماجهم فى المجتمع المصرى على مدار سنوات طويلة، على اعتبار أنهم جزء لا يتجزأ منه، مثلهم فى ذلك مثل مسلمى مصر ومسيحييها.
والقسم الآخر هو اليهود «الإشكيناز»، الذين قدموا من أوروبا هرباً من الاضطهاد، واعتبرت الغالبية منهم مصر محطة لهم فى طريقهم إلى فلسطين، وهذا القسم من اليهود لم يحاول حتى تعلم اللغة العربية وكانوا يتعاطفون بشكل كبير مع الحركة الصهيونية، وشكلوا العديد من المنظمات الصهيونية، منها جماعة منعزلة عاشت فى «درب البرابرة»، وكانوا يتحدثون اللغة اليديشية، وهى مزيج من العبرية والألمانية، وكان لهم برنامج خاص فى الإذاعة المصرية باللغة اليديشية ومسرح خاص.
هذه التركيبة السابقة لليهود وتعدد الجنسيات، التى كانوا يحملونها جاءت معظمها مهاجرة من أوطانهم الأصلية، وكان ذلك واضحاً بشكل كبير فى تعداد سنة 1948، الذى أوضح أن حوالى 10 آلاف يهودى كانوا يحملون الجنسية المصرية و30 ألفاً يحملون جنسيات أجنبية، و40 ألفاً لا يحملون أى جنسية.
لذلك جاءت دعوات الحاخام الأكبر «حاييم ناحوم» المتكررة لليهود فى مصر الذين لا يحملون جنسية بضرورة التقدم للحصول على «الجنسية المصرية». ويرى الدكتور «محمد أبوالغار»، مؤلف كتاب «يهود مصر بين الشتات والازدهار» أن اليهود المصريين الأصليين هم من عاشوا على أرض مصر أجيالاً متعددة، تكلموا بلغتها وتشربوا بعاداتها وتسموا بأسماء أبنائها ونالهم من الأذى ما نال المصريين، وتحسنت أحوالهم كلما عم رخاء نسبى فى مصر، مشيراً فى ذلك إلى اليهود القرائين وبعض اليهود الربانيين، الذين عاشوا فى مصر قروناً طويلة، وكانوا يتكلمون العربية مثل كل المصريين، ومنهم الفقراء ومتوسطو الحال وبعض الأغنياء، وقد تكلموا العربية فقط، إلا من حصل منهم على قدر من التعليم مثلهم مثل باقى المصريين تماماً.
قيادة فى القاهرة.. وأخرى بالإسكندرية
قيادة الطائفة اليهودية فى مصر على مدار تاريخها كانت منقسمة بين طائفتين فى القاهرة والإسكندرية، إلا أن خلافاً بين كل من الطائفتين منذ 1966 أدى إلى انفصال كل منهما عن الأخرى حتى الآن، حتى فى إدارة الأملاك تختص الطائفة اليهودية فى الإسكندرية بإدارة أملاكها بمعزل عن رئاسة الطائفة فى القاهرة، ولها مجلس عام يتكون من رئيس ونائب له وسكرتير، ويقع مقرها فى معبد «إلياهو هنابى» فى الإسكندرية.
وتفردت طائفة «القاهرة» بالسيطرة النسائية على قيادتها بعد أن وقع انقلاب نسائى داخلها نهاية 1996 على إدارة رئيس الطائفة آنذاك، إيميل روسو، وقررت الجمعية العمومية للطائفة إقالته أثناء زيارته لفرنسا، وتنصيب «إستر وينشتاين» لتكون أول رئيسة لطائفة يهودية، لتشهد الطائفة من بعدها صراعاً على رئاسة الطائفة بين ابنتيها «كارمن» و«ماريكا سموحة ليفى»، ليحسم الصراع فى النهاية لصالح «كارمن»، المولودة لأب إشكنازى وأم سفاردية، والتى درست فى مدرسة الليسيه، لتلحق من بعدها بجامعة القاهرة التى تخرجت فيها 1954، لتكمل دراستها بالجامعة الأمريكية فى القاهرة وتتخرج فيها 1972.
أما الطائفة فى الإسكندرية فلها حكاية أخرى، خلال يوليو 2008 توفى رئيس الطائفة فى الإسكندرية، د. ماكس سلامة، عن عمر يناهز 94 عاماً، بعد أن خدم فى رئاسة الطائفة 8 سنوات، وكان سلامة طبيب الأسنان الخاص بعائلة الملك فاروق، وشقيق الرئيس جمال عبدالناصر، واستقبل قبل وفاته حسب صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية وفداً على رأسه «كارمن وينشتاين»، رئيسة الطائفة فى القاهرة، والسفير الإسرائيلى فى مصر شالوم كوهين، والقنصل الإسرائيلى إيلى عنتابى، وأديرت المحادثة فى هذا اللقاء باللغة الفرنسية، وأبلغه السفير الإسرائيلى رسمياً تهنئته بالعام الجديد قائلاً: «جئت لأقول لكم باسم حكومة إسرائيل سنة طيبة»، ووعده القنصل الإسرائيلى بالحضور للصلاة «يوم كيبور» فى المعبد.
ونشرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، قالت نهاية العام الماضى تقريراً مطولاً عن طائفة الإسكندرية، قالت فيه «إن عدداً قليلاً من أعضاء الطائفة يعيشون الآن فى مرحلة الشيخوخة، يعيشون فى دور المسنين، من بينهم السيدة التى سجلت كل المواليد والوفيات وحالات الزواج فى الطائفة لمدة حوالى 3 عقود».
وأضاف تقرير ال«جيروزاليم بوست» أن البقية يغادرون أخيراً، أحدهم سيدة ولدت فى الإسكندرية وعاشت بها كل سنوات عمرها ال86، والتى قالت: إنها تقوم بالترتيبات النهائية لمغادرة مصر والالتحاق بابنتها وأحفادها فى أستراليا، وأضافت السيدة التى رفضت ذكر اسمها للصحيفة قائلة: «أشعر بضرورة أن أكون مع عائلتي، أعيش وحيدة الآن، لا أخرج كثيراً بسبب مشاكل المواصلات، وهذا ليس سهلاً بالنسبة لى».
من بين اليهود المصريين الذين تبقوا فى الإسكندرية يوسف جاؤون، الذى يعد واحداً من أصغر اليهود المصريين الذين لا يزالون يعيشون فى مصر، حيث يبلغ عمره 54 عاماً، وهو الرئيس الحالى لطائفة الإسكندرية بعد الدكتور ماكس سلامة، وقال جاؤون ل«جيروزاليم بوست» إنه يشعر بأن مصر وطنه الوحيد، مؤكداً أنه تتم معاملته بشكل جيد من المصريين، بسبب الطريقة المحترمة التى يعاملهم بها».
جاؤون ابن جو يوسف بنيامين جاؤون، الذى كان خياطاً ناجحاً للطبقة العليا، وقام بحياكة عدد من ملابس الرئيس جمال عبدالناصر، بحسب تقرير ال«جيروزاليم بوست» وقال للصحيفة: إنه يؤمن أن عائلته لم تطرد أو تجبر على الهجرة من مصر، وأضاف أن والده لم يكن يتدخل فى السياسة، وكان رجلاً بسيطاً، ويحتفظ جاؤون فى مكتبه بصورة للرئيس حسنى مبارك ويردد «ديانتنا شىء نحتفظ به فى قلوبنا»، مؤكداً أنه مازال يتم قبوله كيهودي، وعادة ما تتم دعوته على الإفطار فى رمضان من قبل أصدقائه، ويجلب لهم حلوى أثناء الأعياد، بحسب تقرير الصحيفة.
وأضاف تقرير ال«جيروزاليم بوست» أن عدداً كبيراً من يهود الإسكندرية أكثر حذراً، ورفض عدد من أعضاء الطائفة إجراء حوار معهم فى هذا الموضوع وطلبوا عدم ذكر أسمائهم، ويخشى بعض الأبناء أن يتأثروا فى أماكن عملهم، إذا ما تم اكتشاف أن أحد أو كلا والديهم يهود، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من نساء الطائفة تزوج من مسيحيين أو مسلمين واعتنق عدد قليل من الأعضاء الإسلام لتسهيل الزواج أو تربية الأطفال.
إحدى عضوات الطائفة اليهودية فى الإسكندرية، 77 عاماً، تحدثت إلى ال«جيروزاليم بوست» بعد أن طلبت عدم ذكر اسمها قائلة: «نفضل أن نكون بعيداً عن الأنظار هنا، نحن لا نفضل أن تكون قصصنا معروفة للجميع، لأن وضعنا غير واضح، عندما يفكر الناس فى اليهود هنا، فإنهم دائماً ما يخلطون بينهم وبين إسرائيل، وبالطبع هذا يؤلمنى، لأننى لا علاقة لى بالسياسة».
ويقول محرر ال«جيروزاليم بوست» إن «سيدة أخرى طلبت من زائر أجنبى أن يتصل بأصدقائها فى إسرائيل لأنها لم تشعر بالراحة فى الاتصال بإسرائيل بنفسها عبر شخص مصرى فى مركز الاتصالات»، وأضاف أن «الطائفة مازالت مستمرة فى دعم اليهود دعماً اقتصادياً ونفسياً وروحانياً ويحصلون كل شهر على حوالى 350 جنيهاً مصرياً وأدوية على حساب الطائفة ويشير التقرير إلى إجراء عمليتين جراحيتين للسيدة «كلير مزراحى» بأحد المستشفيات الجيدة فى الإسكندرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.