ونحن نلعب مع الإنجليز الليلة فى استاد ويمبلى الشهير فى لندن.. لابد أن يكون أحد نجوم اللقاء هو اللورد كرومر.. المندوب السامى البريطانى فى مصر.. وإذا كان اللورد كرومر اشتهر فى التاريخ السياسى المصرى بالظلم والعنف والقسوة وحادثة دنشواى.. فكثيرون لا يعرفون أيضاً أنه هو الذى سمح للمصريين بتعلم كرة القدم.. فلأن اللورد لم يكن يريد أن يتعلم المصريون ما يجعلهم يفهمون أو يفكرون فى شؤون بلادهم.. فقد قرر تعديل مناهج التعليم واختصار الدروس والسماح بممارسة الرياضة.. أو بالتحديد كرة القدم.. وهكذا قرر محمد زكى باشا، وزير المعارف، فى عام 1892 تعديل مناهج الدراسة.. واعترض مجلس شورى القوانين.. وجريدة الأهرام.. وكتب أحمد شوقى، أمير الشعراء، قصيدة سخر فيها من اللورد كرومر الذى جعل المدارس المصرية تنسى العلوم وتكتفى بتدريس «الفوتبول».. لكن نجح اللورد فيما كان يريده.. فكانت نقطة فاصلة فى تاريخ مصر مع الكرة.. فالكرة أصبحت لعبة رسمية فى المدارس وبات من حق تلاميذ مصر لعب الكرة والوقوع العلنى فى غرامها.. وتغيرت الخريطة الاجتماعية لكرة القدم المصرية.. فلم تعد الكرة هى لعبة تخص الفقراء وحدهم وإنما انضم التلاميذ إلى العمال وصبية الشوارع والورش.. باختصار بدأت مصر كلها هذه المرة تكتشف وتحب لعبة جديدة اسمها كرة القدم.. وبدأ موظف بإدارة الورش الإنجليزية فى العباسية اسمه محمد أفندى ناشد التفكير فى تشكيل أول منتخب لمصر يلاقى الإنجليز.. وبعد طول تدريب ومران وصبر واستعداد.. أحس محمد أفندى بأن فريقه أتم استعداده لتحقيق الحلم الكبير أو الفوز على الإنجليز.. فأقيمت أول مباراة كروية فى تاريخ مصر عام 1895 بين أول منتخب لمصر وبين الإنجليز فى ملعب قرة ميدان بالقلعة.. ولعب التيم المصرى مباراة عمره.. أحرز محمد أفندى هدفاً.. وأضاف أحمد أفندى رفعت هدفاً ثانياً.. وحين أطلق الحكم الإنجليزى صافرة النهاية معلنا فوز التيم المصرى على فريق الأورانس الإنجليزى.. كانت لحظة فاصلة فى تاريخ الكرة المصرية.. ولحظة جميلة واستثنائية أيضاً فى حياة المصريين حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بكرة القدم.. الصحف التى كانت لا تكتب عن الكرة وأخبارها كتبت عن هذا الانتصار.. المقاهى تغنت بهذا الانتصار.. البيوت والشوارع والحوارى.. الكبار والنساء والعواجيز والأطفال فى المدارس.. انقلبت الدنيا.. كأن المصريين جميعهم اكتشفوا فجأة أن هزيمة الإنجليز ممكنة.. وياليت اللورد كرومر يحضر الليلة ويشاهد أحفاد المصريين فى استاد ويمبلى.. يلعبون الكرة وقد ينتصرون أيضاً. [email protected]