محمد المنسى قنديل، طبيب، تفرغ للأدب وفاز بجائزة ساويرس للرواية عام 2006، وذلك عن روايته الفذة «قمر على سمرقند»، وفى هذا العام صدرت له رواية ضخمة بعنوان «يوم غائم على البر الغربى»، والرواية تتناول فترة الاحتلال الإنجليزى فى أوائل القرن العشرين، وبطلة الرواية فلاحة من قرية فقيرة فى المنيا، تعيش فى ظروف صعبة، وتلتحق بجهود أمها بالقسم الداخلى للمدرسة الأمريكية للبروتستانت فى أسيوط، حيث تعلمت الإنجليزية وأجادتها، وكانت المدرسة تضم الفتيات من أبناء باشوات الصعيد من الأقباط، وقبلت الفتاة عائشة المسلمة بعد أن ادعت أمها أنها مسيحية. تحكى الرواية الحياة فى مدرسة راهبات، وتأثير فيضان ما قبل السدود الذى اكتسح كل شىء أمامه، وقد طردت عائشة من المدرسة بعد أن أصبحت صديقتها الراهبة الأمريكية حاملاً من حارس المدرسة، وذهبت إلى منزل صديقتها إيزيس بنت أحد باشوات المنيا. وفى هذا القصر تشهد عائشة حفلاً كبيراً على شرف اللورد كرومر، المندوب السامى البريطانى، وفى هذا الحفل شاهدت لأول مرة الشاب الإنجليزى هوارد كارتر، وكان يعمل فى هيئة الآثار، وأعجب بعائشة وتحدث معها، وظهر فى الحفل تعجرف اللورد كرومر وزوجته. وتحكى الرواية أن هوارد كارتر جاء من عائلة فقيرة من الريف الإنجليزى، وبعد أن تم اكتشاف مهارته فى الرسم، أرسل إلى مصر لرسم الآثار، وكانت أول محطة له فى العمل هى بنى حسن فى المنيا، وظهرت موهبته وأصبح ذا دراية واسعة بتاريخ الفراعنة ولغتهم، وتبلورت ملامح إعجابه بأخناتون هناك. ثم ينتقل الروائى إلى عائشة مرة أخرى، وهى بصحبة الباشا والد إيزيس فى القطار المتجه من المنيا إلى القاهرة، وذلك لتسليمها إلى اللورد كرومر الذى اقترح أن تعمل عنده فى قصر الدوبارة، مقر السلطة، كمترجمة لليدى كاترين زوجته، بعد أن شاهدها فى الحفل. وفى القصر تشاهد البذخ والغنى للإمبراطورية البريطانية، وتشاهد النفوذ البالغ لكرومر، حاكم مصر الحقيقى، وتتعرف على باشوات مصر وهم يقدمون فروض الولاء والطاعة للحاكم، وتقوم بالترجمة لليدى كاترين، وبعد ذلك استعان بها اللورد لترجمة الصحف المصرية، خاصة جريدة «اللواء» التى كان يرأس تحريرها مصطفى كامل، ومدير تحريرها عبدالرحمن الرافعى، وكانا يقودان حملة عنيفة ضد كرومر والاستعمار، وذلك إثر أحداث دنشواى الرهيبة، وفى إحدى الجلسات مع اللورد حضر هوارد كارتر ليحتج على نقله من آثار الصعيد إلى طنطا، لأنه رفض الاعتذار لمجموعة من الفرنسيين قاموا بضرب حارس هرم سقارة، فقام هوارد بطردهم، ولكن اللورد رفض احتجاجه، فقدم استقالته من مصلحة الآثار. وتحدثت الرواية عن كارتر والباحثين عن الآثار من علماء ولصوص وأفاقين وتجار ووكلاء لمتاحف أوروبا ودهبيات مليونيرات أوروبا وأمريكا، الذين لا يتركون الأقصر خلال الشتاء، بحثاً عن شراء آثار مصرية، والتمتع بشمس الأقصر، ومن هؤلاء اللورد الذى قام بتمويل عمليات التنقيب لكارتر، وعن ولع كارتر بالفرعون الشهير أخناتون الذى عبد الشمس آتون وأول من آمن بالإله الواحد. وتخرج عائشة من بيت اللورد لتعمل مترجمة فى صحيفة «اللواء» وتقابل مصطفى كامل وعبدالرحمن الرافعى يومياً، وتشهد يوم مغادرة كرومر مصر إلى غير رجعة، ثم شهدت وفاة مصطفى كامل وبداية نشاط محمد فريد، وهناك قابلت المثال الشهير محمود مختار، وكانت هناك بداية علاقة عاطفية اختلطت فيها العاطفة بالفن والوطنية، والاشتراك فى مظاهرة كبرى وانتهت بسفر مختار إلى فرنسا للدراسة. ثم أصبحت عائشة بلا مأوى وصادفت صعاباً ضخمة، حتى وجدها زوج أمها الذى هو عمها وطلبها لزيارة الأم التى تحتضر، وذهبت معه فوجدت أن الأم قد ماتت وقام باغتصابها وحبسها حتى انقضت عليه الذئاب وقتلته، وهربت عائشة من القرية والتقت مرة أخرى مع كارتر وسافرت معه إلى الأقصر، وهو يعمل تحت ضغط عصبى وصعوبات بالغة، حتى اكتشف مقبرة توت عنخ آمون، ابن أخناتون فرعونه المفضل، وهى المقبرة الوحيدة التى لم يتم فتحها من قبل. وهناك أحداث كثيرة متشابكة عن الحزب الوطنى القديم والفنان مختار، ودور الدعارة المنتشرة فى مصر آنذاك، وما يحدث فى البر الغربى بين الأثريين واللصوص، ويظهر عبدالرسول، كبير العائلة التى تسكن وادى الملوك، وتحدث بينه وبين كارتر علاقات إنسانية ومشادات ومعارك. الرواية ممتعة وشيقة، وبها نبض التاريخ الذى اختار منه الروائى البارع حقائق موثقة خلطها مع إبداع وتخيل لينسج رواية جميلة، وكان الذئب حيواناً محورياً وبطلاً فى خلفية الرواية، فقد طارد عائشة منذ طفولتها مثلما طارد كارتر. وأعتقد أن هناك أجزاء طويلة من الرواية لا علاقة لها بالعمل الفنى، وأهمها الصفحات الطويلة عن حياة أخناتون وفلسفته، وعن انهيار الفراعنة وانتصار طيبة، وقد تعدت مائة صفحة، بالرغم من أنها مكتوبة بلغة شعرية بالغة الجمال، وبلمحة تاريخية تجمع بين التاريخ والأسطورة، وتعبر عن عشق الروائى لهذه الشخصية. والشىء الثانى هو مدى أحقية الروائى فى إضافة أشياء متخيلة عن حياة شخصية معروفة مثل هوارد كارتر وعلاقته بإحدى بائعات الهوى فى الإسكندرية. أخيراً فهذه رواية مبهرة نسج فيها الكاتب الفنان ببراعة فترة مليئة بالأحداث من تاريخ مصر، مع حياة فتاة مصرية فقيرة عرفت عن قرب كرومر ومصطفى كامل ومختار وكارتر.