عندما يبدو طريق المستقبل مغلقا، يزداد الميل إلى التمسك بأى أمل فى فتحه سواء كان حقيقيا أو وهميا، وبغض النظر عما إذا كان قويا أو واهيا. وقد يقل الاهتمام بالتفكير فى مدى جدية هذا الأمل بالرغم من أهميته، لتجنب إحباطات جديدة. ويحدث شىء من ذلك الآن فى المجتمع المصرى المخنوق، إذ تتجه بعض فئاته إلى تعبئة طاقات محجوزة عن التطور الطبيعى وتوجيهها نحو الرهان على د. محمد البرادعى. وظهر ذلك فى الجدل العام خلال الأيام الماضية، حيث ظهر اتجاه يضيق بمناقشة مدى جدوى الرهان على د. محمد البرادعى إلى حد المطالبة بالامتناع عن فلسفة الواقع السياسى حتى لا نلحق الضرر بالوطن! وفى مقابل هذا الاتجاه، الذى يحترم كاتب السطور رأيه ويتفهم دوافعه، يوجد اتجاه آخر يبدو فاقدا أى أمل فى أدنى تغيير على أساس أن نتيجة الانتخابات محسومة سلفا. وليس هذا الاتجاه الثانى إلا الوجه الآخر للأول، لأن انغماسه فى اليأس يمكن أن يدفعه لاحقا إلى الرهان على شخص آخر يظن أنه المخلّص بعد فشل الرهان على د. البرادعى، فالإنسداد هو الذى يؤدى إلى انتظار الخلاص على يد (فارس رمز يقود المسيرة) - وفق الوصف الذى اختاره البعض للدلالة على أهمية دور البرادعى الآن. وهذا هو ما ينبغى أن ننتبه إليه لأن تحويل الرغبة فى الإصلاح والتغيير إلى بحث عن خلاص إنما يمنع إثارة السؤال الذى ينبغى أن نقف أمامه اليوم بصراحة وشجاعة وهو: «هل نريد رئيسا تنتخبه الأغلبية بحرية ويستطيع الشعب مساءلته ومحاسبته وتغييره، أم نبحث عن مهدى منتظر يحقق لنا الخلاص.. «وخلاص»؟!». فالمعضلة، هنا، أن البرادعى الذى يمكن الوثوق إلى حد معقول فى ليبراليته وعقلانيته لا يستند إلى قاعدة تكفى لحمله إلى مقعد الرئاسة، ولذلك فإذا كان اعتباره الأمل فى الإصلاح والتغيير رهانا فى غير محله، فتحويله إلى مخلّص أو رمز للخلاص خطأ، قد ندفع ثمنه فادحا، لأنه يفتح الباب أمام البحث عن «مخلِّص» والسلام. ويصبح هذا الخطأ خطراً إذا كان المخلّص القادم من نوع يستطيع استغلال أن حاجتنا للخلاص تسهِّل تحوله إلى حاكم مطلق فى صورة جديدة، كما حدث عقب ثورة 1952. فقد أدى النفور من النظام البرلمانى الذى عجز عن تجديد نفسه إلى شغف بالتغيير الذى حدث فى ذلك الوقت دون تفكير. وهذا هو أول ما يثير القلق فى الاتجاه الذى يرى أن البرادعى ليس مرشحا لرئاسة وإنما هو (مؤسس لدولة ما بعد الاضمحلال الثورى) وفقا لما ورد فى أحد التعليقات. وليتنا لا ننسى أن شعوبا كثيرة كانت فى أوضاع أكثر صعوبة لم تبحث عن فارس رمز ولا بطل يؤسس لها دولة جديدة، وإنما كان مواطنوها، الذين سعوا إلى التغيير، فرسانا كلهم ومؤسسين جميعهم لعصر الحرية. أما ثانى ما يثير القلق، فهو حجم الإحباط الذى سيترتب على اكتشاف خطأ الرهان على البرادعى، حين تتضح حدود قدرته على قيادة حركة من أجل التغيير. فالاندفاعة الهائلة وراءه تُخّلف وراءها صدمة قد تدفع شباباً واعدين إلى الانصراف، مثلما حدث فى حالة أيمن نور. وإذا سيطرت علينا فكرة الخلاص من واقعنا الراهن بأى طريقة، وصار انتظار مخلّص أو «مهدى منتظر» هو كل ما نملكه، فربما نساهم بذلك من حيث لا نقصد فى تكريس الانسداد.