هل تعلمون أن فى مصر واحدا وسبعين ألفا ومئتين وواحدا وأربعين مبنى حكومياً؟ وأن الحكومة تمتلك أكثر من نصف هذا العدد من المبانى وتستأجر الباقى، وأن العدد الأكبر من هذه المبانى يتبع وزارة التربية والتعليم التى تحتل ما يقرب من خمسة وعشرين ألف مبنى، وأن من هذه المبانى عدداً لا بأس به من المبانى الأثرية ذات القيمة التاريخية، ومع ذلك تحتلها الحكومة وتعاملها معاملة المبانى العادية، وما أدراك ما هذه المعاملة التى أحالتها جميعا إلى ما يشبه المبانى الآيلة للسقوط أو التى سقطت بالفعل من جراء الإهمال وعدم النظافة وسوء الاستخدام وانعدام الصيانة. تمر فى القاهرة وفى محافظات مصر الأخرى فتلمح فيلات جميلة كأنها القصور أو هكذا كانت قبل أن تضمها الحكومة إلى أملاكها بوضع اليد وتطرد أصحابها منها، لأسباب كثيرة تبتعد غالبا كلها عن العدالة، ويستمر وضع اليد، سنة وعشراً وأربعين وخمسين سنة، استيلاء بمعنى الكلمة وسرقة واحتلال بالمعنى الأدق، وقد لا تعود المبانى إلى أصحابها مع تعاقب أجيال الورثة وخلافاتهم مع بعضهم ومع الحكومة ويبقى الحال على ما هو عليه لحين الاتفاق الذى لن يتم وإن تم فبعد سنوات عديدة جديدة، صحيح أنه صدر قانون منذ سنوات يقضى بإعادة الأملاك التى تحتلها الحكومة إلى أصحابها إلا إذا.... وإذا هذه كثيرة جداً ويستمر الحال لفترة مقبلة لا بأس بها، الحكومة تستأجر بيوتا حولتها إلى مدارس والمدارس بها تلاميذ وتلميذات ولا يجوز إعادة المدرسة إلى أصحابها إلا إذا تم تدبير مبنى جديد آخر يستوعب التلاميذ، أم أنه من المفروض أن نلقى بالتلاميذ فى الشوارع؟ طبعا لا يجوز، وحدات للشهر العقارى، فروع لشركات قطاع الأعمال العام الذى كان، مقار لجرائد ومجلات قومية... وهلم جرا، ويبقى الحال على ما هو عليه فى كثير من الأحيان. المبانى التى مازالت تستأجرها أو تحتلها الحكومة وبالرجوع إلى هذا الإحصاء السابق عددها يزيد على خمسة وثلاثين ألف مبنى حكومى فى مصر، وأكثر منها تمتلكها، سواء كانت قد تملكتها زمان بطرق شريفة أو غير شريفة، بطرق مشروعة أو غير مشروعة ثروة معمارية تتآكل وتتساقط وتعامل أسوأ معاملة من أصحابها أو واضعى اليد عليها أو حتى المترددين عليها والمتعاملين معها من الجمهور العام، وتخلّف فى النهاية مظهراً لا يليق بحكومة إلكترونية أو حكومة ذكية كما لا يليق على الإطلاق بكرامة المواطنين الذين يتعاملون معها وتراهم تارة يتيهون فى آرجائها أو يتكدسون أمام مكاتب موظفيها أو يستريحون على سلالمها أو يستندون إجهاداً على حائط من حوائطها الكالحة التى خاصمها الطلاء والترميم والإصلاح والنظافة، ربما منذ الخمسينيات أو الستينيات، دورات مياه قديمة بما تحمله حوائطها المتهالكة من آثار سيراميك محطم أصبحت مكاتب حكومية، يجلس الموظف وبجانبه حوض غسيل ويضع الملفات على رخامة قديمة كانت لغسيل الأطباق، بقايا نقوش جميلة قديمة على زجاج ملون كان لنافذة فى منزل يقدر أصحابه الإتقان والروعة تحطم بعضه، وأهال الزمن والحكومة التى احتلته التراب على البعض الآخر حتى يكاد يخفيه.. أوراق مبعثرة وبقايا فى كل مكان، سلالم مظلمة وأسانسيرات مكدسة وبشر متعبون متهالكون يجاهدون من أجل استيفاء ورقة حكومية عليها عشرات التوقيعات والدمغات والأختام فى جميع المبانى الحكومية. ومنذ أيام كان قد طلب د. أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، إعداد دراسة سريعة لوضع منظومة متكاملة لصيانة ونظافة المبانى الحكومية بما يحقق الجودة والكفاءة والترشيد، ومع أن مسألة النظافة والصيانة مسألة بسيطة لا تحتاج إلى منظومة أو غيرها وإنما فقط إلى عمق إحساس والتزام بالنظافة والنظام وتوفير مستلزمات تحقق تلك النظافة من أدوات ومواد ورقابة ومتابعة وتفرغ العاملين بها فى المصالح الحكومية لإنجازها وليس لتقديم الشاى والقهوة والجلوس على كرسى أمام مكتب السيد المدير، ومع أن المهمة سهلة وليست مستعصية ويتم تأديتها فى جميع الدول الأخرى الفقيرة والغنية، المتقدمة والمتخلفة ببساطة ودون الحاجة لتدخل رئيس الوزراء أو وزراء- فإننا من فرط الإهمال ومن طول المدة وسوء الحال الذى وصلت إليه المبانى الحكومية يبدو الأمر فى مصر أملا بعيد المنال وصعب التحقيق و«كلام جرايد» لكن ربما حقق هذا التصريح الوزارى العالى هذه المعجزة الصغيرة وربما انتقلت هذه المنظومة الجديدة إلى وسائل المواصلات العامة وإلى الشوارع العامة والحوارى العامة، وربما أصبحت بعد طول انتظار من الدول النظيفة التى لا تتراكم فيها أكوام القمامة شهوراً وسنين والحق على الخنازير وعلى الشركات الأجنبية وعلى الزبالين الذين تفرغوا للشحاتة، وليس أبداً الحق علينا ولا على إهمالنا ولا على كسلنا ولا على انسحاب إحساسنا بالنظافة. المهم ليس أمامنا إلا انتظار النتائج وترديد كلمة «يا ريت». [email protected]