"كم أتمنى أن أزور مصر وأشاهد الأهرامات عن القرب" تعجبت لسماع هذه الجملة من زميلتي الإيرانية، وكان سبب تعجبي هو معرفتي بأن هذه المراة وزوجها ميسوري الحال وقاموا بزيارة العديد من الدول الأوربية والمدن السياحية حول العالم، مما دفعني لأن أسالها وما المانع في أن تزوري مصر إذا كانت لديك تلك الرغبة الملحة في زيارتها؟! فكان ردها صدمة بالنسبة لي حيث قالت وهي في شدة الأسى: "ليس الامر بهذه السهولة، فإننا كإيرانيين ليس مسموح لنا الحصول على تصريح لدخول الأراضي المصرية من قبل السفارات المصرية، لأن العلاقات الدبلوماسية الايرانية المصرية مقطوعة تماما". بالطبع لم تكن صدمتي بسبب أنها أخبرتني أن العلاقات المصرية الإيرانية مقطوعة لأنني على علم بهذا الأمر من قبل، ولكن الصدمة هي أن الإيرانيين غير مسموح لهم بدخول الأراضي المصرية حتى لو على سبيل السياحة. لا أعرف إذا كان الجميع يعلم سبب هذه القطيعة أم لا، فهذه القطيعة بدات عندما قامت الحكومة الإيرانية بإطلاق اسم قاتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات على أحد أكبر الشوارع في العاصمة الإيرانيةطهران، وكان الدافع الذي جعل الحكومة الإيرانية تقبل على هذا الفعل هو غضبها الشديد من الرئيس السادات رحمه الله عندما قبل استضافة شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي في مصر بعد طرده من إيران إبان الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، وزاد هذا الغضب بعد توقيع السادات على اتفاقية كامب دايفيد في نفس العام واتهامهم له بالخيانة والعمالة. لن أتوقف كثيرا عند أسباب القطيعة ودوافعها، وبغض النظر عن التاييد للموقف المصري من إيران أو عدم تأييده، هناك سؤال يطرح نفسه، هل يصل الحد بالحكومة المصرية إلى منع الشعب الإيراني من دخول مصر لمجرد أن حكومتهم (التي لانعلم مدى اتفاقهم اواختلافهم معها في هذا الشان) تكره السادات وتخلد ذكرى قاتله، في حين أنها تعطي هذا الحق للاسرائيلين الذين قامت حكومتهم (التي نعلم تمام العلم تأيدهم لها) في الأمس القريب بقتل المئات والالاف من شباب مصر ومازالت (فكل فترة نسمع عن مقتل جندي مصري على الحدود الاسرئيلية متذرعين أنه قتل خطأ) إضافة إلى قتلهم بشكل يومي لأشقائنا الفلسطينين على مرئى ومسمع من العالم أجمع، بل اكثر من ذلك فإنها تعطيهم الغاز المصري بأبخس الأسعار رغم شدة احتياجنا له في هذه الأيام بسب أزمة الكهرباء، في حين تدرس الحكومة استيراد الغاز من قطر لسد العجز(وطبعا سنشتري الغاز من قطر بسعره العالمي) حتى لاتخل بعقودها مع الكيان الصهيوني، ويعاني الشعب الاسرائيلي من انقطاع الكهرباء وخصوصا في هذه الأيام الحارقة وتتعطل مصانعهم وتتاثر استثماراتهم (بينما المصريون تنقطع عنهم الكهرباء يوميا لمدة ساعة او ساعتين لتخفيف الاحمال على حد قول المجلس الأعلى للطاقة برئاسة رئيس الوزراء الدكتور احمد نظيف!). هذا للاسف هو موقف الحكومة المصرية لكن دعونا ننحي الموقف الحكومي جانبا ونتطرق إلى الموقف الشعبي على كلا الجانبين المصري والايراني. لقد قابلت الكثير من الإيرانيين ولم أشعر للحظة واحدة بأنهم أعداء بل على العكس وجدتهم ودودين تجاه العرب والمسلمين خصوصا المصريين، أول من قدم لي المساعدة والعون في غربتي كانوا إيرانيين، هم حقا يحبون المصريين وهم غير مؤيدين لموقف حكومتهم تجاه إطلاق اسم خالد الاسلمبولي (قاتل السادات) على أحد الشوارع بطهران، هم أصلا غير راضيين عن حكومتهم وغير راضيين عن تلك الثورة التي قلبت البلاد رأسا على عقب ومن النقيض للنقيض، وأغلبهم يشعر بأن أحمدي نجاد يمشي نفس طريق صدام حسين، وأن بلادهم في طريقها للحاق بجارتها العراقية المنكوبة (كانت هذه مفاجاة بالنسبة لي فالصورة من بعيد توحي بأن الشعب والحكومة على وفاق ولكن عندما تقترب أكثر وتدقق النظر ترى تفاصيل قد تدهشك في أغلب الأحيان). دون الخوض في الحديث عن الشأن الإيراني الداخلي (قد نتطرق له بالتفصيل لاحقا) فنحن بصدد موضوع آخر. لم أكن لاكتب كل هذه التفاصيل لولا ما حدث أول أمس, فلقد كنت جالسا في الترام في طريقي إلى الجامعة وجلس بجواري رجل وامراة تبدو عليهم ملامح شرق أوسطية (بشرة قمحية وشعر اسود)، لم أعر الأمر إهتماما والتفت جانبا تجاه النافذة أتامل المناظر الطبيعية كما هي عادتي عندما أركب الترام، رن هاتفي المحمول كان صديق مغربي يتصل بي ليؤكد على ضرورة حضوري حفل الإفطار الجماعي للجالية الاسلامية في اليوم التالي، كان من الطبيعي أن أحادثه باللغة العربية وفي أثناء الحديث سالت صديقي هل سيحضر هذا الحفل مصريين أم لا، وبمجرد انتهاء المكالمة لاحظت ابتسامة الرجل لي وسألني: "هل أنت مصري؟" كانت إجابتي بالقطع نعم، ثم أخذ يسالني الاسئلة المعتادة عن سبب وجودي في النرويج ومنذ متى وطبيعة الدراسة ... الخ، وتولد عندي يقين أنه عربي ولكن لم استطع تحديد أي بلد عربي ينتمي له، فكان من الطبيعي أن أسأله من أي بلد أنت؟ "أنا إسرائيلي." كانت هذه هي إجابته مصاحبة بابتسامة لا أعرف لها معنى، خالطني شعور غريب لم أشعر به من قبل وشعرت بغضب عميق في نفسي وهممت بالنهوض والنزول من الترام عند المحطة التالية (رد الفعل الطبيعي لكل المصرين عندما يتواجد شخص إسرائيلي في نفس مكان تواجدهم، لا أعلم إن كان هذا خطأ أو صواب ولكنني أيقنت أنه رد فعل تلقائي) ويبدو أنه فهم سبب نزولي المفاجئ لأنها لم تكن محطة الجامعة فكان سخيفا ومتبجحا في سؤاله لي: "إلى أين أنت ذاهب؟ هذه ليست محطة الجامعة". لا أعلم لماذا أنعقد لساني عن الرد عليه بمنتهى الصراحة بأنني لا أطيق التواجد في مكان فيه شخص إسرائيلي يذهب لانتخاب حكومة تقوم بقتل وتشريد المئات والآلاف من الفلسطينيين وتهدم بيوتهم وتقوم بالاعتداء على مقدسات الغير وتزييف وتزوير التاريخ، اكتفيت بعدم الرد عليه ونزلت من العربة غير مكترثا بسؤاله السخيف، رغم أن العربة التالية لم تستغرق أكثر من 7 دقائق لتاتي ورغم أنني غير متاخر على موعد محاضرتي لكنني ندمت على ما فعلت، وسألت نفسي هل ما فعلته كان صحيحا هل يتوجب علينا دائما أن نترك لهم كل شيء؟ ماذا لو كان هذا زميلي في الجامعة هل سأترك الجامعة وأعود! كان يتوجب علي البقاء وتجاهله تماما أو أن أذهب وأجلس في مكان آخر، شعرت بالندم والتخاذل في حق نفسي. شعوري تجاه هذا الإسرئيلي وزوجته بالاشمئزاز والتقزز وعدم الرغبة في التواجد معهم في مكان واحد جعلني أشعر بمدى اتساع الهوة بين الشعب والحكومة في مصر، فمن نشعر بالراحة لهم و يصادقونا ونصادقهم ويوحدوا الله كما نوحد ويومنوا بالرسول الذي به نؤمن لا تسمح لهم حكومتنا بزيارة بلادنا، لكن من نكرههم ولا نطيق التواجد معهم في مكان واحد ويؤيدوا حكومتهم التي تقتل أشقائنا وتصدر لنا الفساد والموبقات والمخدرات عبر حدودهم معنا تسمح لهم بالدخول على الرحب والسعة. ولأول مرة أعرف السبب الحقيقي في قوة إسرائيل وتقدمها وضعف مصر وتذيلها قائمة دول العالم من حيث التقدم. في إسرائيل الحكومة والشعب يسيروا في اتجاه واحد فالحكومة تنفذ ما يريده الشعب، تحب من يحب وتكره من يكره، أما هنا في مصر فالحكومة تعمل ضد رغبة الشعب تسير في اتجاه معاكس لما يريد، تحب من يكره وتكره من يحب! الشعب يرفض تصدير الغاز لإسرائيل وتصدر هي الغاز لإسرائيل! الشعب يشعر بتدهور الأحوال ويخرجوا هم عليه بأنهم حكومة الإنجازات والمشاريع العظيمة! الشعب لايطيق الحزب الوطني ومع ذلك قابض على زمام الحكم والأمور! وفي النهاية أريد أن أطرح سؤالا وأتمنى أن يجاوبني عليه من يسمحون للإسرائيليين بأن يدنسوا أرض مصر ولا يسمحون للإيرانيين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بالدخول حتى لو على سبيل السياحة. أيهما أحق بدخول مصر. شعب لا يوافق حكومته على إطلاق اسم قاتل السادات على أحد شوارع عاصمته إضافة إلى أنه مؤمن بالله ورسوله، أم شعب يؤيد حكومته ويدعمها في عدوانها السافر على الفلسطينيين كما أيدها في السابق في عدوانها على مصر، وانتشى باغتصابها لسيناء في 67 إضافة لاعتدائهم المستمر على مقدساتنا الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية؟