دون مقدمات.. ترتكب «النخبة» فى مصر الآن جريمة كبرى فى حق المصريين، و«النخبة» فى أبسط تعريف لها هى الطبقة ذات الاهتمام الأعلى فى مجتمعها، وتقود الرأى العام وتكون اتجاهاته. وعلى مدى التاريخ قامت «النخبة» بدورها فى قيادة مجتمعاتها إلى النهوض، ومن نتاج أفكارها قامت الحضارات. فى مصر تنازلت «النخبة» عن دورها، واستسلمت للرأى العام، وبدلاً من أن تقوده تركته يقودها، ويوجهها إلى حيث لا يعلم أحد، وتلك هى الجريمة التى أقصدها. فى ظل أنظمة الحكم السابقة – قبل ثورة يناير – ضبطت «نخبة» السياسيين والمثقفين بوصلتها فى اتجاه قبلة الحاكم، أينما توجه يولوا أفكارهم شطره.. مع اشتراكية «عبد الناصر» .. كلنا كده عايزين صورة.. وناصر يا حرية!، ومع رأسمالية السادات.. أهلاً بالانفتاح على العالم.. وعاش اللى قال للرجال عدو القنال، ومع... «مبارك»، صاحب أول ضربة جوية، وقائد مسيرة الاستقرار والتنمية. وتكتشف بعد 60 عاماً أن الحرية لم تكن موجودة أبداً فى عهد «عبدالناصر»، ولا الانفتاح الاقتصادى بمعناه تحقق فى عهد «السادات»، ولم تتحقق التنمية – بمعدلاتها المفترضة – أو الاستقرار مع «مبارك». بطبيعة الحال كانت هناك استثناءات تؤكد القاعدة، حيث قام مثقفون وسياسيون بطرح آراء ووجهات نظر مغايرة لما يراه الحاكم.. وكانوا على قلتهم عبرة لغيرهم وهم الأكثرية فلا داعى للسجن أو النفى.. وباتت فضيلة الصمت منتهى الشجاعة وأفضل من مخالفة الضمير. نعود إلى الجريمة .. فى مصر الآن، ومنذ 11 فبراير، لا يوجد حاكم فرد بالمعنى المتعارف عليه، والمجلس العسكرى أحرص ما يكون على إخفاء رؤيته وتوجهاته، وارتفع صوت الشارع – أو الميدان – وأصبح للرأى العام الكلمة الأعلى.. وجرت خلفه «النخبة».. اقضوا على جهاز أمن الدولة.. ماشى.. ولا أحد من «النخبة» يقول إنه لا دولة فى العالم بدون جهاز أمن داخلى.. ولم يطالب أحد بتقويم أداء الجهاز بدلاً من إلغائه، ويحاصر المتظاهرون وزارة الداخلية، ويهددون باقتحامها، ويخشى المثقفون والسياسيون الدفاع عن كيان الدولة – وليس النظام - وتقر الأكثرية الدينية فى البرلمان قانون العزل السياسى.. ويطال القانون فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.. ويتفادى الصدام مع «المشير»، وتهلل «النخبة» خشية وصفها ب«الفلول» .. ويخطط متشددون لاقتحام وزارة الدفاع، ويلتزم المثقفون والسياسيون الصمت أياماً إلى أن تقع الواقعة، ويسقط الضحايا.. ولم يتطوع أحد بتوجيه الرأى العام مبكراً لخطورة ما يحدث ، وقد يشير البعض إلى ما نراه من صراع على الساحة من قبيل الدستور أولاً أو الانتخابات، ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ولازم حازم.. أو مش لازم، ويكتب المثقفون وقادة الرأى مع هذه الفكرة أو تلك.. ويوجهون الرأى العام فعلاً ولكن ذلك يتم فى إطار صراع سياسى انحيازاً لفصيل دينى أو ليبرالى يسعى للوصول للحكم، وليس من قبيل طرح الأفكار المجردة ومناقشتها مع الرأى العام بكل ما يعانيه من قلة المعلومات، وضبابية الرؤية، وما يتبع ذلك من قصور فى التحليل. أخيراً.. من لا يعجبه ما سبق.. أرجو أن يدلنا على قادة التنوير فى مصر خلال 60 عاماً مضت أو يزيد. [email protected]