خلافا لما يررده المصريون – لدى مقارنتهم بين التجربتين التونسية والمصرية – أنتج حكم حزب النهضة الإسلامي في تونس «فرزا أيديولوجيا مقيت، نتج عنه احتقان بالشارع، أدت إلى مواجهات بين أعوان الأمن معززين بميليشيات حركة النهضة الاسلامية وبين جموع المواطنين»، حسبما قال سياسيون ونشطاء تونسيون. ورأى النقابي جمال ساسي في تعليقه على تفجر الوضع السياسي في تونس منذ الاشتباكات التي اندلعت بين قوات الأمن ومتظاهرين قصدوا شارع «الحبيب بورقيبة» يوم عيد الشهداء لإحياء ذكراهم، متحدين قرار وزير الداخلية بمنع التظاهر في هذا الشارع. وفي حديثه ل«المصري اليوم»، قال ساسي عن حزب النهضة والإخوان المسلمين في مصر إن «كلاهما بشر بفكر تنويري معتدل ومتسامح مع الآخر، مما أصل في ذهنية الولاياتالمتحدة أن هذا الادعاء هو حقيقة التيارات الإسلامية». ويضيف «لكن مع وصول التيار الإسلامي للسلطة، ظهر عكس ما ادعى، وظهر للولايات المتحدة أن هذه التيارات مغلقة، ولا تحمل حلولا لا للبرامج الليبرالية أو حتى لما يسمى بالحلول الإسلامية». ويزيد ساسي في انتقاداته لحركة النهضة التونسية قائلا «رفعت شعارات غوغائية كالشريعة.. هذا المفهوم المبهم، فالشريعة لم تظهر لا في عهد الرسول ولا عصر صحابته، وإنما الشريعة كمنظومة قانونية فقهية ظهرت في القرن ال 3 الهجري مع الإمام الشافعي الذي دون الرسالة في علم أصول الفقه، والتي تضمنت قاعدة أصولية هي أن (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).. ومن هنا كانت نكبة المسلمين». ويعرب ساسي عن قناعته بأن «واشنطن استأمنت التيار الإسلامي ليكون البديل المستنير في الحكم، حتى تتراجع التيارات الجهادية المتطرفة، لكن الواقع التونسي أثبت استحالة تهميش التيار الجهادي وإبعاده عن المشهد السياسي، الأمر الذي دفع الحزب الحاكم إلى استمالة السلفيين الجهاديين، وإذا اقتضى الأمر تأطيرهم أو حتى جعلهم جناحا عسكريا». ووسط حالة الاحتقان التي يعاني منها الشارع التونسي الذي أصيب بالرعب من تحرك السلفيين، حاولت «النهضة» تمرير الشريعة تحت ضغط قاعدتها وضغط التيار السلفي الجهادي «لكن الحس المدني كان هو الغالب، فالآلاف خرجت إلى الشوارع وعبرت عن رفضها للمشروع الوهمي السلفي الذي ينتمي إلى القرن ال 7». أكد ذلك المحلل السياسي والإعلامي أبو جاسر الذي رأى أن «هذه الحركات، وبعد أشهر من استلامها السلطة في بلدان الربيع العربي، أثبتت لوكالائها عجزا في إدارة هذه البلدان بحنكة وديمقراطية وعجزت أيضا عن لجم قاعدتها». من هذا المنطلق تتداول في الأوساط السياسية التونسية تسريبات عن عزم صناع القرار الغربي العودة إلى خيار «عسكرة الحكم» في المنطقة، انطلاقا من نجاح التجربة اليمنية، وكف الضغط على النظام السوري، والسماح لعمر سليمان بالترشح للانتخابات الرئاسية في مصر. وترى النخبة في تونس أن التصريح الأخير للجنرال رشيد عمار حول «نفاذ صبر الجيش في تونس»، دليلا على صحة تلك التسريبات. وتشكل هذه المؤشرات بنظرهم «خيبة أمل للحركات الإسلامية وبداية العودة إلى المربع الأول بسيناريوهات مبتكرة ترضي عاطفة العرب ومدهم الثوري مع إيهامهم بالتغيير الذي حصل وانتهى». وعن حركة النهضة، يقول الحقوقي زهير مخلوف إنها «كانت تعتبر في زمن بن علي من البدائل السياسية لمنظومة الحكم الليبرالية والعلمانية، ولأن خصومتها السياسية كانت تستهدف الإطاحة بالجنرال، ألقي القبض على قادتها واضطر آخرون للهجرة، قبل أن تعيدهم الثورة، لينتخبهم الشعب، ظنا منه أنه باستطاعتهم صياغة بدائل والتعاطي مع القوى الغربية المؤثرة». ويضيف مخلوف «لكن بعد 3 أشهر من حكم هذه الحركة، اصطدمت مع الواقع وتعرضت لتحديات منها كيفية التعاطي مع ربيبتها الحركة السلفية، فوجدت نفسها في تناقض صارخ مع تطرفها وتطرف ما يقابلها من تعصب علماني، لذلك فهي بين المطرقة والسندان». وأعرب مخلوف عن قناعته بأن هذه الحركة «لن تنجح في تعاطيها مع التطرفين السلفي والعلماني، فضلا عما شابها من عقيدة سلفية داخل توجهها السياسي، لذا فعند امتحانها الأول في صياغة الدستور، وجدت نفسها أمام تناحر أيديولوجي لم تكن مستعدة له ولم تنجح في مواجهته، فتعرت أمام السلفيين والعلمانيين على حد سواء».