فى 28 يوليو 2020، وخلال افتتاح مدينة الروبيكى الصناعية، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية صراحة: «أحلم بالتصدير على الأقل بقيمة 100 مليار دولار»، موضحًا أنّ تحقيق ذلك يحتاج لجهد متواصل.. هذا هو أصل «حُلم ال100 مليار» كما نُقل وقتها. ماذا تحقق من هذا الحلم حتى الآن؟ ● إجمالى صادرات عام 2024 بلغ 45٫3 مليار دولار، بزيادة قدرها 6.5٪ عن 2023، كما قفزت الصادرات غير البترولية إلى 39٫9 مليار دولار، بينما تراجعت صادرات البترول والكهرباء إلى نحو 5٫5 مليار دولار.. هذه التركيبة تُظهر أنّ «القاطرة» تحركها بالأساس السلع غير البترولية. ● يناير– يوليو 2025: بلغت الصادرات 29٫9 مليار دولار، أى زيادة بنحو 17.3٪ على أساس سنوى، وفق بيانات رسمية. ● يناير– سبتمبر 2025: سجلت الصادرات غير البترولية 36٫6 مليار دولار، بنمو 21٪، وجاء توزيع الزخم كالآتي: مواد البناء 11٫688 مليار دولار (بنمو 51٪)، الكيماويات والأسمدة 6٫844 مليار (بنمو 10٪)، الصناعات الغذائية 5٫146 مليار (بنمو 9٪)، الهندسية والإلكترونيات 4٫723 مليار (11٪)، المحاصيل الزراعية 3٫631 مليار (2٪). المنجزات المذكورة توضح أن الاتجاه العام فى السنوات الخمس الماضية إيجابى وهناك تحسّن ولكن ما زالت الامور تسير ببطء.. على الجانب الآخر من الرصد لمردود مطلب الرئيس برفع الصادرات إلى 100 مليار دولار خلال 4 سنوات من تاريخ 2024 ما الذى لم يتحقق حتى الآن؟ أولًا: الهدف السنوى 100 مليار دولار لم يُنجز بعد؛ فأرقام 2024 بقيت عند 45٫3 مليار دولار، وزخم 2025 حتى الآن يوحى بنطاق سنوى يقارب 50 إلى 55 مليارًا إذا استمرت الوتيرة الحالية. أى إنّ الفجوة لا تزال كبيرة وتحتاج لنقلة هيكلية، لا إلى نمو موسمى فقط. ثانيًا: صدمة 2024 اللوجيستية فى البحر الأحمر خفّضت الحركة عبر قناة السويس وأثّرت فى الجداول الزمنية والتأمين، ثم بدأت مؤشرات التعافى بين يوليو وأكتوبر 2025، إذ أعلنت الهيئة زيادة قدرها 14.2٪ فى الإيرادات على أساس سنوى خلال تلك الفترة. هذا التحسّن يساعد، لكنه لم يلغِ المخاطر كليًا. ثالثًا: تركيبة السلة التصديرية ما زالت تميل إلى خامات وسلع وسيطة كثيرة، ما يحدّ من السعر لكل وحدة، ويجعل الإيراد عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. رابعًا: اشتراطات البيئة الأوروبية عبر «آلية تعديل حدود الكربون» ستفرض تكلفة على الحديد والألومنيوم والأسمدة والأسمنت إن لم توجد بصمة كربونية مُوثّقة وخطط خفض واضحة، وهو ما يضغط على القطاعات الأبرز نموًا ما لم نستعدّ مبكرًا. خامسًا: الزراعة رغم استثمارات كبيرة ما زالت محدودة فى القيمة الدولارية إذا قورنت بالكميات؛ فمع أنّ الصادرات الزراعية بلغت 8٫6 مليون طن فى 2024 (رقم قياسى بالكميات)، إلا أنّ القيمة تعتمد على «التجهيز الصناعى» والتعبئة والتتبع وسلاسل التبريد، وهى حلقات ليست متكاملة بعد. كل هذه العناصر تحتاج لحلول سريعة وعاجلة، والآن بات السوال الذى يقدم إجابة نموذجية لتطوير كل القطاعات التى تحتاج إلى تطوير وتحديث سريع لتصل إلى المستهدفات المستقبلية فى أسرع وقت ممكن هو: لماذا قفزت مواد البناء بنسبة 51٪؟ ولماذا تباطأت قطاعاتٌ أخرى؟ والإجابة واضحة؛ فمواد البناء نجحت فى الاستفادة من الطلب الخليجى القوى المدفوع بمشروعات عملاقة فى المنطقة، خصوصًا فى المملكة العربية السعودية، إذ تشير تقارير متخصصة إلى موجة توسع إنشائية تاريخية مع عقود بمليارات الدولارات ضمن مشروعات كبرى. هذا الطلب الإقليمى يرفع الكميات، ويُسهِّل العقود طويلة الأجل، ويولد دورة شحن منتظمة، لكنه فى المقابل يضع على المصدر المصرى التزامًا بالمواصفة والجدول والقدرة على التسليم، وهذا ما التزمت به المصانع المصرية ونجحت بالفعل فى تنفيذه. بينما الكيماويات والأسمدة حسّاسة بشكل أكبر لأسعار الغاز وهوامش التسعير العالمية؛ لذا كان نموها أبطأ، وفيما يتعلق بالصناعات الهندسية والإلكترونيات فقد حققت نموا لكنها بحاجة إلى «نقلة» من التصنيع وفق تصميم الغير إلى التصميم ثم التصنيع لرفع القيمة لكل وحدة. وهنا يأتى الملف الأهم وهو الغذائية والزراعية والتى ما زالت تحتاج لتصنيع أعمق (منتجات جاهزة للطهو أو للأكل)، واعتمادات جودة أوروبية وخليجية، وسلسلة تبريد محكمة؛ عندها يرتفع السعر للوحدة بصورة ملموسة بدلًا من تصدير خام منخفض القيمة. وقد كان متوقعًا لهذا المجال بالذات أن يقود الصادرات المصرية للنمو بشكل سريع لأنه جاهز وكل ما يحتاج إليه تطوير فكرى منظم فى دراسة الأسواق وتطوير التغليف والإنتاج الصناعى للمواد الزراعية. ورغم تحقيق قفزة مؤكدة فى الصادرات غير البترولية خلال 2025، وتحديد واضح لمحرّكات النمو القطاعية، وتحسّن ملحوظ فى الملاحة بعد عام صعب، مع تثبيت مستوى 2024 عند 45 مليار دولار وارتفاع تدريجى فى 2025، لماذا لم نبلغ ال100 مليار بعد؟ والجواب: أن التحوّل من «بيع الطن» إلى «بيع الحلّ» لم يكتمل، ولأن الزراعة والصناعات الغذائية والهندسية لم تدخل بعد طور «القيمة المضافة العالية» على نطاق واسع، ولأن الامتثال البيئى الأوروبى سيصبح شرط نفاذ أساسيًا ويؤثر مباشرة فى التسعير.. مما لا شك فيه أن كل هذه العوامل تقودنا إلى أنه إذا بدأنا من الآن فى مخطط عملى منظم وحتى نهاية 2026 يمكننا تحويل مستهدف ال100 مليار دولار إلى خطوات وإجراءات واضحة، والهدف من هذه الرؤية مزدوج يتمثل فى رفع القيمة لكل طن وزيادة الحجم فى القطاعات ذات الميزة النسبية، مع تثبيت اللوجيستيات والامتثال البيئى.. والمقترح الذى أقدمه يمكن تقسيمه إلى ثلاث حزم تنفيذية تعمل بالتوازى: تتجه الحزمة الأولى إلى رفع القيمة المضافة بشكل سريع من خلال التحول من تصدير الخامات إلى تقديم منتجات جاهزة ذات جاهزية أعلى للتطبيق. ففى قطاع مواد البناء يبرز التحول من الألواح والمقاطع الخام إلى حلول تركيب متكاملة تشمل الواجهات وأنظمة التثبيت وحزم التوريد الشاملة للمشروعات، بما يعزز القدرة على توقيع اتفاقات توريد سنوية مع مطورين ومقاولين فى أسواق الخليج على أساس توريد مبرمج ومستقر بدلاً من شحنات متقطعة، وهو ما يسمح بتحقيق معدلات نمو مستدامة بدلاً من قفزات مؤقتة.. وفى قطاع الكيماويات والأسمدة تتقدم خطوة التوسع فى الأسمدة المتخصصة والمحاليل الزراعية ذات الهوامش العالية، وربط آليات التسعير بمؤشرات عالمية تعكس تقلبات الطاقة لحماية الربحية. أما قطاعات الهندسة والإلكترونيات، فيتطلب هذا التحول تأسيس مراكز «تصميم ثم تصنيع» داخل المجمعات الصناعية لربط فرق التصميم بالمصانع وسلاسل المكونات، إذ يسهم تقديم المنتج مصحوبًا بخدمات ما بعد البيع فى رفع قيمة الوحدة وزيادة القدرة التنافسية فى الأسواق الإقليمية والدولية. وفيما يتعلق بالصناعات الغذائية والقطاع الزراعى، يبرز التوجه نحو تطبيق برنامج تصنيع عميق يمتد على مدار عام كامل، يقوم على تطوير خطوط إنتاج لمنتجات جاهزة للطهو أو جاهزة للأكل، إلى جانب الحصول على اعتمادات سلامة غذائية دولية مثل المعيار العالمى لسلامة الغذاء والمعيار الدولى للموردين، بما يعزز القدرة التصديرية وقبول المنتجات فى الأسواق الخارج ية. كما يشمل البرنامج إنشاء منظومة متكاملة لسلسلة تبريد مخصصة للتصدير فى عدد من الموانئ، مع جدولة شحنات مبردة موجهة للأسواق الخليجية بصورة منتظمة، بما يسمح بتحويل الكميات الكبيرة المنتجة محليًا إلى قيمة دولارية أعلى، ويضمن تعزيز تنافسية المنتج المصرى فى الأسواق الإقليمية ذات الطلب المرتفع. وبالتوازى مع إجراءات الحزمة الأولى لرفع القيمة المضافة، تأتى الحزمة الثانية المعنية بآليات النفاذ إلى الأسواق والامتثال للمتطلبات التنظيمية، لاسيما فى الأسواق الخليجية والأفريقية التى تتطلب بناء مخازن إقليمية ونظام إدارة مخزون بواسطة المورّد، إلى جانب إبرام عقود إطارية مع جهات التوريد فى السعودية والإمارات، وتطوير شراكات توزيع داخل تجمع الكوميسا لضمان حضور منتظم ومستقر، أما فى السوق الأوروبية، فتبرز أهمية الاستعداد المبكر لتطبيق «آلية تعديل حدود الكربون» من خلال قياس بصمة الكربون فى منتجات مثل الحديد والألومنيوم والأسمدة والأسمنت، والعمل على تمويل خفض الانبعاثات عبر برامج ميسرة لضمان استمرار النفاذ إلى الاتحاد الأوروبى دون خسائر فى الأسعار، خصوصًا مع دخول الآلية مراحلها التشغيلية اعتبارًا من عام 2026، بما يجعل الالتزام البيئى عنصرًا حاسمًا فى القدرة التنافسية للمنتج المصرى فى تلك الأسواق. أما الحزمة الثالثة فتتعلق بالجوانب اللوجيستية والتمويلية، إذ تتضمن إبرام عقود شحن سنوية تشمل بنودًا لتقاسم مخاطر أسعار الوقود والتأمين، مع وضع مسارات بديلة لضمان استمرارية الإمدادات وقت الطوارئ، كما تضم الحزمة التوسع فى تأمين ائتمان الصادرات وبيع الذمم المدينة لمؤسسات تمويل متخصصة، بما يسمح بزيادة المبيعات فى الأسواق ذات المخاطر المرتفعة دون الضغط على السيولة التشغيلية.. وتمضى خطط التعامل المالى إلى اعتماد الفوترة بعملات الأسواق المستهدفة مثل اليورو والدرهم والريال، مع تحقيق تحوط طبيعى عبر شراء جزء من المدخلات بالعملات نفسها، إضافة إلى البناء على التحسن الذى شهدته حركة قناة السويس خلال الفترة من يوليو وحتى أكتوبر 2025، والذى سجل زيادة بنحو 14.2٪ فى الإيرادات، بما يتيح تسريع تصفية الطلبات المؤجلة وتثبيت جداول الشحن بصورة أكثر انتظامًا. وهنا تبرز أهمية وجود مصدر منظم للقياس والمتابعة، بحيث يتم تحديد أرقام قابلة للقياس حتى نهاية 2026، مع وضع أهداف قطاعية سنوية مبسطة.. هذه الأهداف بطبيعتها تمثل أهداف «شدّ» تتطلب تنفيذ الحزم الثلاث بشكل متوازٍ، إذ إن تحقيق قفزة ملموسة فى الصادرات لا يمكن أن يستند إلى قطاع واحد مهما كان حجمه، بل يقوم على تنسيق الجهود بين رفع القيمة المضافة فى خطوط الإنتاج، وضمان النفاذ المستقر للأسواق، وتوفير منظومة قياس دقيقة تُظهر أثر كل خطوة على المديين الزمنيين القصير والمتوسط. وفى هذا الإطار، تتوزع القفزات الحقيقية عبر قطاعات البناء والكيماويات والتصنيع الغذائى والهندسى، بما يعزز قدرة الاقتصاد على توسيع قاعدة التصدير وتحويل النمو من موجات متقطعة إلى مسار متصاعد ومستدام. هذه الأهداف يمكن أن تكون كالتالى: ● مواد البناء: رفع الحصة إلى نطاق 18–20 مليار دولار عبر حلول جاهزة للتركيب وعقود سنوية خليجية. ● الكيماويات والأسمدة: إلى 9–12 مليار دولار مع توسيع المنتجات المتخصصة وحماية الهوامش. ● الهندسية والإلكترونيات: إلى 8–10 مليارات دولار عبر «تصميم ثم تصنيع» وخدمات ما بعد البيع. ● الصناعات الغذائية: إلى 8–9 مليارات دولار عبر التصنيع العميق وسلسلة التبريد والاعتمادات. ● المحاصيل الزراعية: إلى 5–6 مليارات دولار عبر التحويل إلى مكوّنات غذائية وتجفيف/تجميد وتتبّع كامل. ● بقية القطاعات غير البترولية (ملابس جاهزة، طبية، أثاث…): 8–10 مليارات دولار مع برامج اعتماد وتوطين مكوّنات. ● شريحة البترولى والكهرباء: تتباين بحسب الأسعار والكميات، ويمكن أن تضيف 8–12 مليار دولار إذا استُثمرت النافذة السعرية بحذر. ومن خلال برنامج لمستهدفات كما أوضحت ببساطة للمتابع الحريص على قراءات المشهد بعمق، يصبح الاقتراب من 100 مليار دولار فى 2026 «ممكنًا بشروط تنفيذٍ استثنائية»، بينما المسار الواقعى إذا تباطأ أى محور قد يضع الحصيلة فى نطاق 65 إلى 75 مليارًا، لكن الأمانة العلمية تقتضى القول إن بلوغ رقم ال 100 فى عامٍ واحد يتطلب قفزات تعاقدية وتنظيمية متزامنة لا تأجيل فيها. ختامًا.. نعم تحقق الكثير خلال عامى 2024 و2025 مقارنة بالسنوات السابقة، لكن «ال100 مليار» هدف هيكلى لا يُنال بالطفرة، بل بتحويل السلة التصديرية: من خامات وسلع وسيطة إلى منتجات وحلول ذات قيمة مرتفعة، وبامتثالٍ بيئى يضمن النفاذ واستقرار السعر، وبلوجيستيات وتمويلٍ يصونان الجدول والهامش. إذا نُفّذت الحزم الثلاث معًا، يمكن أن يتحول «الحلم» إلى نتيجة محاسبية قابلة للقياس مع نهاية 2026؛ وإن تعثّر محورٌ واحد، فعلى الأقل نخرج بمحفظةٍ أكثر توازنًا تُقربنا خطوةً كبيرة من الهدف فى العام نفسه، وتجعله مُتحققًا بالكامل فى أقرب وقت. مؤشرات الصادرات المصرية ●يناير - سبتمبر 2025: 36٫6 مليار دولار صادرات غير بترولية بنمو 21٪، وتوزيع الزخم كالآتى: ● مواد البناء: 11.7 مليار دولار (+51٪). ● الكيماويات والأسمدة: 6٫844 مليار (+10٪). ● الصناعات الغذائية: 5٫146 مليار (+9٪). ● الهندسية والإلكترونيات: 4٫723 مليار (+11٪). ● المحاصيل الزراعية: 3٫631 مليار (+2٪). مستهدفات كمية قابلة للقياس حتى نهاية 2026 ● مواد البناء: 18-20 مليار دولار. ● الكيماويات والأسمدة: 9-12 مليارًا. ● الهندسية والإلكترونيات: 8-10 مليارات. ● الصناعات الغذائية: 8-9 مليارات. ● المحاصيل الزراعية: 5-6 مليارات. ●قطاعات غير بترولية أخرى (ملابس، طبية، أثاث…): 8-10 مليارات. ●البترولى والكهرباء: 8-12 مليارًا بحسب الأسعار والكميات.