«إيسوب» Aesop شخصية حقيقية على الأرجح عاش فى القرن السادس قبل الميلاد، وورد ذكره فى كتابات «هيرودوت» و«أفلاطون» و«أريستوفان» وغيرهم. هو عبد «يونانى» دميم قصير، أحدب، ألثغ، ذو بشرة داكنة، مشوه الملامح. ألَّف حكايات رمزية قصيرة، تبين عن جمال موهبة نبيلة، تفيض إنسانية وذكاء، وينهى كل حكاية منها بما يُعد حكمة أو نصيحة أو قول مأثور. توارثت الأجيال الحكايات التى اشتهرت باسم «خرافات إيسوب Aesop's Fables» باختلافات طفيفة، أو إضافات منحولة، ولكن ظل جوهرها غنياً خالداً، مُلهماً لأدباء عظام عبر التاريخ، وبتنويعات تتناسب مع مختلف العصور والمجتمعات. ويمكن تفسيرها وفهمها، على عدة مستويات، سواء اجتماعياً أو سياسياً أو نفسياً. أغلب حكايات «إيسوب» تأتى على ألسنة الحيوانات والطيور، وهى حيلة قديمة للإسقاط السياسى والتلميح بما لا يمكن التصريح به لسبب أو لآخر، فضلاً عن كونها أسلوباً أدبياً محبباً وجذاباً للصغار وللكبار أيضاً بما يتضمنه من خيال وتشبيه واستعارة وغير ذلك من تقنيات أدبية. ولنتأمل بعضاً من «خرافات» «إيسوب» الموحية لكل زمان ومكان. ■ غفران لا نسيان بدون أن يقصد، داس صبى ذيل ثعبان، فاستدار الثعبان ولدغه فمات الصبى. غضب والد الصبى، وأخذ فأسه وطارد الثعبان وقطع جزءاً من ذيله. بدأ الثعبان فى الانتقام وراح يلدغ العديد من ماشية الفلاح، وألحق به خسارة كبيرة. رأى الرجل أن من الأفضل أن يعقد تسوية سلمية مع الثعبان، فذهب إلى مخبئه حاملاً طعاماً وعسلاً وقال له: «دعنا ننسى الطبائع، ربما كنت أنت على حق فى أن تعاقب ولدى وتنتقم منى بقتل ماشيتى، حين حاولت أن أثأر له. أما وقد أصبح كلانا راضياً فلماذا لا نتصالح؟» قال الثعبان: «لا، لا، خذ هداياك؛ فأنت لا تستطيع أبداً أن تنسى فقد ولدك، ولا أنا أستطيع أن أنسى أبداً ذيلى المفقود». «الأذى قد يُغتفر ولكنه لا يُنسى». ■ الخفافيش بلا موقف كادت الحرب تشتعل بين الطيور والحيوانات، اصطف الجيشان، تردد الخفاش فى الانضمام لكلا الجيشين؛ رفض الانضمام للطيور التى كان مقيماً بينها، وقال: إننى من الحيوانات. ورفض دعوة الحيوانات للانضمام لها، وقال لها: إنما أنا من الطيور. فى آخر لحظة، تم الصلح، ولم تنشب الحرب. ذهب الخفاش إلى الطيور، ليشاركها أفراحها، ولكن الطيور جميعاً لفظته وأرغمته على أن يطير بعيداً. ذهب إلى الحيوانات، ولكنها اضطرته إلى الانسحاب وإلا مزقته. قال الخفاش: الآن أدركت أن من لا يكون هذا الشىء، ولا ذلك الشىء، لا صديق له. ■ وجبة شهية طلبت سلحفاة من النسر أن يحملها إلى بيت جديد، ووعدته بمكافأة. وافق النسر وطار عالياً وهو ممسكاً بدرعها، وفى الطريق، قابلهما غراب، فقال الغراب للنسر: «ما أشهى لحم السلاحف». فرد النسر: «ولكن درعها شديد الصلابة». فقال الغراب: «الصخور كفيلة بكسر الدرع.» فهم النسر الإشارة، فترك السلحفاة تسقط على صخرة حادة، واستمتع الطائران بوجبة شهية. «لا تحلق عالياً على جناح عدو». ■ الأسود لا تنهق عثر حمار يوماً على جلد أسد، فلبسه وذهب إلى قريته، فرَّ جميع الناس والحيوانات من أمامه، شعر بالزهو والخيلاء، وفى غمرة نشوته رفع صوته بالنهيق، فكان أن عرفه الجميع، وجاء صاحبه وأوسعَه ضرباً، لما بثَّ من رعب. ومر به ثعلب وقال ساخراً: «لقد عُرِفتَ من صوتك». «مهما تنكر الأحمق فى ثياب جميلة، فسوف تفضحه سخافة حديثه». ■ الطمع والحسد حضر جاران أمام الإله جوبتر «زير» وتوسلا إليه أن يحقق لكل منهما أمنيته؛ الرجل الأول كان طماعاً، والرجل الثانى كان حسوداً. ولذا أراد جوبتر «زير» أن يعاقبهما، وافق على أن يحقق لكل واحد منهما أى شىء يتمنى لنفسه، ولكن بشرط أن ينال الآخر ضعف ذلك الشىء. تمنى الطماع أن يكون لديه غرفة مليئة بالذهب، وتم تحقق له ما طلبه على الفور. ولكن فرحته انقلبت إلى حزن عظيم عندما رأى أن جاره الحسود قد أصبح لديه غرفتان مليئتان بالذهب. ثم جاء دور الرجل الحسود الذى لم يتحمل أن يجد جاره قد نال أى حظ من السعادة، ولذا فقد تمنى أن تُقلع إحدى عينيه هو نفسه، وذلك حتى يفقد جاره عينيه الاثنتين ويصبح أعمى تماماً. «الرذائل عقاب لذاتها» ■ الثعلب والناموس علق ذيل ثعلب فى أغصان كثيفة، فلم يستطع الحركة. حط عليه الناموس يمتص دمه ويتمتع بوجبة جيدة دون أن يزعجه بذيله العالق. مر قنفذ بالقرب من الثعلب ورثى لحاله وقال له: «إن حالك سيئ، هل تود أن أساعدك وأهش عنك هذا الناموس الذى يمتص دمك؟» فقال الثعلب: «شكراً لك يا سيدى القنفذ، إننى لا أفضل ذلك.» فسأله القنفذ: «عجباً! كيف ذلك؟» فأجاب الثعلب قائلاً: «إن هذا الناموس قد أخذ كفايته من دمى، فإذا طردته بعيداً، فسوف يأتى ناموس آخر ذى شهية جديدة أكبر فأنزف حتى الموت». ■ نافخ البوق فى إحدى المعارك اقترب نافخ البوق من الأعداء، فوقع بين أيديهم أسيراً. وحين أوشكوا على إعدامه. توسل الرجل وطلب العفو، قائلاً: «إنى لا أقاتل، ولا أحمل سلاحاً، ولا أفعل شيئاً سوى النفخ فى البوق، وذلك شىء لا يلحق بكم ضرراً بالتأكيد. فلماذا تقتلوننى؟». فكان ردهم: «ربما أنت لا تقاتل بنفسك، ولكنك تُحفز الرجال على القتال وتقودهم إليه». «أحياناً تكون الأقوال أفعالاً».